«قطارات خردة، وصيانة معدمة ومحطات غارقة، وإشارات ووحدات تحكم مش موجودة، وتحصل الكارثة»، هكذا تحدث السائقون والعاملون بمحطة سكة حديد الإسكندرية ل«الوطن» ليرووا مأساة هيئة السكة الحديد، والتى بتعميمها على بقية محافظات الجمهورية تتضح أسباب حوادث القطارات المستمرة بين الوقت والآخر، والتى تطيح بمفردها بعشرات ومئات الضحايا والمواطنين الأبرياء. يقول أيمن عبدالعال، أحد السائقين: القطارات التى نخرج بها يومياً لا تصلح سوى ل«التكهين»، فهى تعمل منذ أكثر من 30 عاماً، ولا تصلح حتى لتدوير وابور طحين، ومع ذلك تتجاهل الهيئة وضعها، ولا تحاول استبدالها بقطارات جديدة، وتجبر السائق على الخروج بها دون مبالاة بحياته أو حياة الركاب، وإن امتنع واعتصم صار بلطجياً يعطل مصالح المواطنين، وعجلة الإنتاج. وأضاف: جهاز ال«إيه. تى. سى» المسئول عن تسجيل الرحلة من بدايتها لنهايتها، مثل الصندوق الأسود بالطائرات، لا يعمل نهائياً، وكافة المسئولين يعلمون ذلك، وعندما تقع الكارثة، يستهزئون بالمواطنين الجاهلين بأمور الهيئة، ويخدعونهم بأن السائق هو المسئول لخروجه بدون «إيه. تى. سى»، حتى إن توفى السائق فى الحادث ظل الاتهام يلاحقه بدعوى أنه مات وارتاح، لكن المهندس أو المسئول عايش وحرام يتخرب بيته. وأوضح محمود جمال، أحد السائقين، أن محطة الإصلاح بين المعمورة وأبوقير، تغرق فى مياه الصرف الصحى منذ 7 سنوات، بسبب انهيار الصرف بالمنطقة، مما دفع الأهالى لفتح أرصفة السكة الحديد لتسيل المياه على القضبان بدلاً من أن تغرق مساكنهم، مشيراً إلى أن القطار يتحرك بكهرباء تصل قدرتها إلى 600 فولت ومن الممكن أثناء مروره داخل هذه المياه أن يحدث ماس كهربائى يسفر عن حادث مروع يطيح بكافة الركاب. وأضاف: اتصلنا بنائب المحافظ حسن البرنس ولكن رده كان «اتصرفوا زى ما انتم شايفين»، وما فيش حاجة حصلت من ساعتها للدرجة اللى خلت القطارات تمتنع عن المرور بمحطة الإصلاح بعد النوة نهائياً، بسبب هبوط الأرض أسفل المحطة وامتلائها بالماء، مما جعل المحطة النهائية فى القطار هى المعمورة، وليس أبوقير، وعلى المواطن أن يبحث عن وسيلة مواصلات أخرى من المعمورة كى يصل. وتابع: كان يتم كذلك تخزين القطارات بمحطة مصر ومحطة أبوقير ولكن بسبب صعوبة وصول القطارات إلى أبوقير يتم تخزين بعضها بسيدى بشر وهى منطقة ليست مخزناً، والأمان بها شبه منعدم، ولذلك تتعرض القطارات فيها للسرقة ما بين سرقة الحديد بين العربات والشبابيك والأبواب وغيرها. وقال إبراهيم السيد، أحد العاملين بمحطة مصر: إن المزلقانات لا توجد بها أى حراسة ليلاً ولا بوابات كهربائية وهو ما يتسبب فى وقوع حوادث كثيرة بسبب عدم وجود أى إشارة لمنع عبور المارة أو السيارات والأوتوبيسات من المزلقان لحظة وصول القطار، مشيراً إلى أن السائقين حين اعتصموا للمطالبة بتأمين القطارات، رفضت الهيئة التأمين واكتفت بمنحهم بدل مخاطر فقط. وأوضح أن وزير النقل صرح بعدم خروج أى قطار بدون مسّاحات أو زجاج شبابيك أو أبواب، مشيراً إلى أنه فى حالة تطبيق هذا القرار فلن يخرج أى قطار من المحطة، متهماً مهندسى الهيئة والمسئولين فيها بمسئوليتهم المباشرة عن حياة المواطنين، حيث إنه لا يمكن أن يخرج السائق بالقطار إلا بعد حصوله على موافقة من المهندسين والفنيين والمسئولين بأن القطار آمن ولا خطر من التحرك به «على حد قوله». وأضاف: نظام «التقاطر» تم صرف ملايين الجنيهات عليه ولم يتم تشغيله حتى اللحظة وهو نظام يعمل عن طريق إرسال إشارات إلى القطار، بأن الذى سبقه تحرك من المحطة حتى لا يخرج هو إلا بعد تلقيه هذه الإشارة فلا تقع الحوادث، إحنا بنبلغ بعض بالتليفون، أكلم زميلى أشوفه اتحرك ولا لأ، عشان أمشى من المحطة وهو يعمل نفس الشىء مع السائق الذى سبقه، ولو ما ردش أتصل بالمحطة نفسها أتأكد، وعندنا نظام تقاطر واقف بعد ما اتصرف عليه ملايين. وكشف سعيد عبدالغنى، أحد العاملين، أن إحدى الشركات الألمانية وتدعى سيميث جاءت فى زيارة لمحطة السكة الحديد منذ عام تقريباً بهدف تقديم الدعم والصيانة للقطارات ولكنها بمجرد أن رأتها كان ردها أن هذه القطارات لا تصلح حتى للتكهين، وأنهم لو كان لديهم مثل هذه القطارات فى بلادهم لأودعوها أحد المتاحف، قائلاً: السائق المصرى الوحيد اللى بيشتغل على 5 طرز للقطارات، وكل العالم شغال على الطراز الحديث واحنا شغالين على طرز من السبعينات. وتابع: هيئة السكة الحديد بمصر ثانى أقدم هيئة على مستوى العالم، وأول سكة حديد بالشرق الأوسط، حيث تم إنشاؤها بعد الهيئة البريطانية مباشرة لكن دلوقتى العالم كله سبقها، الصين مثلا بقى عندها قطارات بتمشى على 350 كم فى الساعة وإحنا أقصى سرعة عندنا 60 كم فى الساعة. وأضاف: إحنا حتى ما عندناش مصنع لقطع الغيار الصغيرة ولا لقيناها حتى فى ورشة الحضرة لدرجة أننا بنتصرف بقطع غيار بدائية خلتنا نربط سلكة مكان الفرملة فى أحد القطارات، وعندنا عجز فى العمالة فمثلاً لدينا ستة عمال فقط مسئولون عن صيانة 11 قطاراً بما يعادل ال66 عربة. واعتبر السيد عبدالحميد، أحد العاملين، أن فساد المسئولين بالهيئة وسوء الإدارة هو سبب تدهور حال السكة الحديد، نافياً صحة ما يردده المسئولون من أن السكة الحديد تتعرض لخسائر، قائلاً: السكة الحديد بتكسب مش بتخسر لكن المكاسب مش بتروح فى مكانها، ففضلاً عن عمليات النهب المنظم الذى يقوم به العاملون عليها يتم صرف مبالغ طائلة هباءً، فمثلاً عقب حادث أسيوط منحت إحدى شركات الاتصالات الهيئة 5 ملايين جنيه لتطوير القطارات فتم صرفها على دهان العربات دون تصليحها. وأضاف: هناك استراحة قطارات فى محرم بك تم بناؤها بملايين الجنيهات منذ عام، وباعتها الهيئة لأحد المستثمرين الذى هدمها ليبنى مجموعة عقارات عليها، لتقوم هى الآن ببناء استراحة أخرى بملايين الجنيهات أيضاً، مؤكداً أن كافة المنح والأموال التى تدخل السكة الحديد إما أن تنهب، أو يتم صرفها على طلاء المحطات والقطارات والأرصفة بينما تظل القطارات وتطوير الهيئة على حالها وهو ما يتسبب فى الكوارث التى تحدث. أخبار متعلقة: «الوطن» فى ورش «السكة الحديد»: صيانة «معدومة».. وفوضى «دائمة» المنيا: هنا.. ورشة صيانة «قطارات الغلابة»