وسط ليل موحش، شديد الظلمة، تناثرت قطع القطار المحطمة يميناً ويساراً، ومعها انتشرت الدماء فى كل جانب على الحشائش وفوق القضبان وبداخل عجلات القطار المتهشمة وبداخل هيكل العربة المهترئ، تباعدت المسافات بين الأجزاء المتناثرة لكن كان دم أبناء العمومة واحد، والقدر واحد، كتب عليهم الموت بهذه الطريقة مثل أطفال أسيوط الذين لم تجف دماؤهم بعد. حقائب «غربة» الجنود تبعثرت فى أرجاء المكان. لم يهتم بها أحد فى البداية. طلب الأهالى من الشرطة جمعها للاستدلال على هوية الشهداء لكن لم يقابلوا ذلك باهتمام ملحوظ. لكن قبل الساعة الثانية صباحاً جمعوا كل الحقائب والمتعلقات فى سيارة شرطة «بوكس» ليس بغرض التعرف على الشهداء لكن بهدف إبعادها عن أعين الناس والصحفيين، وهمسوا فى أذن البعض قائلين: «من الكشوفات نقدر نعرف مين مات ومين لسه عايش» حسب وصف عادل أحمد 33 سنة من البدرشين، فى همة ونشاط يساعد عشرات الأهالى فرق الإنقاذ والدفاع المدنى التابع لوزارة الداخلية فى البحث عن أشلاء القتلى والمصابين، مولدات كهربائية صغيرة يحملها عدد من أعضاء فرق الإنقاذ يتحركون بها حسب جهة البحث. يحمل أحدهم كيساً بلاستيكياً أسود ليجمع فيه أشلاء وأطراف القتلى. يمسك زملاؤه بمصباح ضخم ينير لهم الأرضية. يفحصون فى المناطق التى توجد بها دماء يفتشون فى الحشائش وحديد القطار المتهشم، فى منطقة الاصطدام بقطار البضائع لا يوجد سوى بضعة أحذية مهلهلة تطوع أحد أهالى البدرشين بجمعها وترتيبها فى مكان الحادث. بطاقات الهوية وتعريف الشخصية سلمها الأهالى لعناصر الشرطة فى الحال. ولم توجد سوى زجاجات المياه الفارغة وبعض الأغذية. على بعد 1200 متر من منطقة اصطدام قطار الركاب بقطار البضائع، يقف القطار الحربى ذو اللون الأصفر. صوت موتور الجرار لم ينقطع. يكسر سكون الليل من حوله. لا يوجد أحد فى كابينة القيادة فقد تم التحفظ على السائق فى قسم شرطة البدرشين. فى مؤخرة القطار توجد عربة مقسومة إلى جزأين ومنفصلة عن باقى العربات لا يربطها بها سوى عمود حديدى ممدود لأمتار.العربة بدون عجلات حديدية. ترسو على القضبان. الكراسى البلاستيكية اجتثت من سطحها، لا يوجد بداخلها سوى زجاجات مياه معدنية محكمة الإغلاق، محمد أحمد 20 سنة من سوهاج أحد المجندين الناجين من الحادث يقول كل منا حمل حقيبة صغيرة فى يده بها ملابس داخلية وماكينات حلاقة لأنهم طلبوا منا ذلك قبل تسليم أنفسنا إلى منطقة التجنيد بأسيوط.