"نكتب حتى نحطِّم تلك الخرافات التي في عقولكم.. إذا رأيت المساجد تبث الحقد والكراهية والعنصريّة في نفوس البشر باسم الدين فأعلم أنّها ليست دور لعبادة الرب وإنّما دور لعبادة الكهنة".. تدوينات قتلت صاحبها الذي لم يكن مفكرًا أو مناهضًا سياسيًا أو رجل دين، وإنّما شاب يمني في الثامنة عشر من عمره، دوّنها على حسابه في "فيس بوك"، فقوبلت باتهامات عدة بالإلحاد والردة وتهديدات بالقتل، لكنه لم يأبه بها إطلاقًا، إلى أن أدت إلى مصرعه، الاثنين الماضي. عُمر محمد باطويل.. شاب يمني أعلن رفضه أفكار الجماعات المتطرفة التي انتشرت في بلاده التي تموج في الفوضى وتدهور الأوضاع السياسية والأمنية، فمضى يُعبّر عن رأيه وأفكاره عبر صفحته على "فيس بوك" منذ ما يزيد عن العام، إلا أنّه لم يسلم من الانتقادات المتعددة، التي أنهت حياته بعد أن غادر منزله الأحد الماضي، لشراء بعض الأغراض، ولكنه تأخّر وهو ما دفع ذويه إلى الاتصال به ليجيبهم أحد أهالي مديرية الشيخ عثمان بأنهم عثروا على جثته بعد اختطافه من أمام منزله بمديرية كريتر. لفظ عمر أنفاسه الأخيرة ب3 طلقات نارية، اثنتان في الصدر وواحدة في الرأس، بعد أن تلقى تهديدات بالتصفية الجسدية واتهامات بالإلحاد والردة من قبل متشددين مجهولين بسبب تغريداته، وفقًا لما نقله موقع "روسيا اليوم" عن مصادر محلية. وانتشرت صور جثته مسجاة على الأرض غارقة في بركة دماء، على مواقع التواصل الاجتماعي. الشيء الثابت كان اتهامه بالإساءة للدين الإسلامي، وهو ما أثار حالة من الجدل بينه وبين عدد من النشطاء على "فيس بوك"، واستمر لأيام سبقت خروجه قاصدًا شراء بعض المتطلبات لمنزله، ليختطفه مجهولون بقرية "كريتر" في عدن، ويصفّونه ب3 رصاصات في الصدر والرأس، جزاء له على ما اعتبروه إلحادًا، والعثور على جثته بمديرية الشيخ عثمان. لم يكن الشاب المقتول يصنّف نفسه ضمن زمرة الملحدين أو المسيئين للدين، فآخر ما كتبه قبل رحيله كان بمثابة مناجة لربه، حيث قال: "يا الله، اسمحلي اليوم بالحديث عنك. فأنت الذي لا أقسم إلا بك، لم أكن أعرفك حق المعرفة. كنت خائفًا منك. فأولئك الذين ينتسبون إليك زورًا أرعبوني من قربك. صحيح أنني كنت أصلّي لك.. لكن ليس حبًا فيك بل خوفًا منك! سامحني، لكن يا رب لماذا يريدون أن نُحبّك بالغصب والقهر! وأن نجلد أنفسنا رغبةً بما عندك! لماذا يا رب يفرحون حين نبكي ونشعر بالتأنيب والندم تجاهك!". "هاشتاج" حمل عنوان "عمر قضية إنسان"، نقل عددًا كبيرًا من ردود فعل رواد مواقع التواصل الاجتماعي للتعليق على مقتل الشاب اليمني، فتلك التدوينة أيدت بشدة مقتل "باطويل"، باعتباره أحد الملحدين المسيئين للنبي صلى الله عليه وسلم، حيث قال: "عليكم لعنة الله يا ملحدين يا خارجين عن الإسلام كلكم تستحقوا الذبح والقتل ياكلاب.. لو كنتم على حق كنتم باتخرجوا تجاهروا بإلحادكم عشان يقع لكم كما وقع للكلب صاحبكم". في المقابل، أشعل عدد من رواد مواقع التواصل من كل أنحاء العالم ثورة غضب، على مقتل الشاب اليمني، معتبرين الحادث خطرًا على الحريات العامة، فكتب أحدهم أنّه يدعمه من فرنسا، وأخر قال "رحمك الله يا عمر وغفر ذنبك.. أشهد أنك عرفت ربك الكريم وخالقك العظيم.. عمر باطويل الصوفي الشاب.. كانت كلماته تلامس القلب ليخفق حبًا بالله وتحرك المشاعر وتثير الدموع حبًا بالخالق العظيم"، وثالث دوّن "قتلوك وافتروا عليك وشوهوا سمعتك.. سلام عليك يا آخر الواصلين .. وشُلّت يد الإرهاب وفكر التطرف". ولم يفت الداعية الإسلامي اليمني الحبيب علي الجفري، التعليق على الحادث، فكتب على "تويتر": "قتل الشاب عمر باطويل في عدن، جريمة تضاف إلى سجل خوارج العصر، أصاب أو أخطأ، ليس من حقهم قتله.. اللهم فرجك القريب". الإدانة لم تتوقف عند مواقع التواصل الاجتماعي، فقد أوردت صفحة البروفسور والروائي الدكتور حبيب عبدالرب سروري، بيانًا لعدد من النشطاء والكتاب وأساتذة جامعات وإعلاميين ومحامين، للتنديد بمقتل الشاب "عمر باطويل"، وذُيّل البيان بتوقيع الآلاف خلال الساعات الأولى من نشره، وأجمعوا على أنه لا مكان لقاتل أو تكفيري في عدَن بعد تحريرها، وأن المحاكم وحدها من تبث في أي اختلاف، وليس كل من لديه سلاح"، معلنين أن هدفهم: "إعلان عدَن مدينة حرية الرأي والتفكير والمعتقد، حرية الضمير". وقبل ساعات قليلة من وفاته، أًصر الشاب ذو ال18 عامًا الذي كان حريصًا على المشاركة في الأنشطة التطوعية بعدن، على توصيل آخر رسالاته، ليفرق فيها بين الإيمان والتشدد، فدون كلماته الأخيرة "عندما يعرفون الفرق بين العالم والكاهن سيستعيدون عقولهم". وذكر موقع "يمن برس"، أن تلك لم تكن المرة الأولى التي تنفذ فيها الجماعات الدينية المتطرفة في عدن، جريمة قتل من وصفوه بالمرتد أو الزاني، حيث راح ضحيتها عدد من المختلفين مع الجماعات الدينية المتطرفة منذ بداية الحرب دون رادع و في ظل غياب الحكومة، وهو ما ساهم في انتشار الجماعات المتطرفة بشكل ملفت.