بعيداً عن حالة الارتباك والتوتر والإحباط الذى حل بالشعب المصرى نتيجة لما أسفرت عنه نتائج الانتخابات الرئاسية؛ حيث أسفرت عن أسوأ احتمال من بين عشرة احتمالات كانت مفترضة لوصول مرشحين اثنين لانتخابات الإعادة من بين المرشحين الخمسة الأوائل وأجبرتنا النتيجة على الاختيار ما بين الرمضاء والنار، أو على حد تعبير جريدة «اللوموند» الفرنسية التى قالت: «على المصريين أن يختاروا ما بين الكوليرا والطاعون» دون تحديد أى من المرشحين يمثل الكوليرا ومن فيهما يمثل الطاعون. نقول: أسفرت هذه الانتخابات عن عدة نتائج مهمة نوجزها فيما يلى: 1) فقد الإخوان المسلمون أكثر من نصف قوتهم التصويتية بالمقارنة بين عدد الناخبين الذين صوتوا لهم فى انتخابات مجلس الشعب؛ حيث كانوا منذ شهور قليلة أحد عشر مليون ناخب، وبين الناخبين الذين صوتوا لمرشحهم فى انتخابات الرئاسة والذين بلغوا خمسة ملايين وسبعمائة ألف، وبعبارة أخرى فلو كان من أعطوا أصواتهم للإخوان فى مجلس الشعب أعطوها لمرشحهم لنجح الدكتور محمد مرسى من الجولة الأولى، وهذا يؤكد أن من كانوا متعاطفين مع الإخوان فى انتخابات مجلس الشعب قد تراجعوا عن هذا التعاطف فى أربعة أشهر فقط. 2) أثبتت النتائج أن أغلبية من أدلوا بأصواتهم مع الثورة وليسوا ضدها كما يشاع؛ فقد بلغ عدد الناخبين الذين صوتوا للتيار الثورى 14853808 (أربعة عشر مليوناً وثمانمائة وثلاثة وخمسين ألفا وثمانمائة وثمانية أصوات)، وتمثل مجموع ما حصل عليه كل من حمدين صباحى وعبدالمنعم أبوالفتوح ومحمد مرسى وخالد على وأبوالعز الحريرى وهشام البسطويسى، فى حين أن من صوتوا لصالح النظام القديم بلغ 8116213 (ثمانية ملايين ومائة وستة عشر ألفاً ومائتين وثلاثة عشر صوتاً) وهى تمثل أصوات مؤيدى أحمد شفيق وعمرو موسى وحسام خير الله. 3) أثبتت الانتخابات أن جماعة الإخوان المسلمين لا تسيطر على أغلبية الأصوات الانتخابية؛ فللمرة الأولى احتاجت جماعة الإخوان المسلمين لأصوات الناخبين من الليبراليين وأنصار الدولة المدنية للوقوف بجانبها لإنقاذ مرشحها للرئاسة بعد أن نفد الرصيد الانتخابى لجماعة الإخوان المسلمين وتحدد بما حصل عليه مرشحهم من أصوات. 4) أثبتت نتائج الانتخابات أن القوتين الرئيستين فى الحياة السياسية المصرية لم تتغيرا، وهما: تنظيم الإخوان المسلمين وتنظيم الحزب الوطنى المنحل؛ فانتخابات الإعادة تجرى بين مرشحيهما. 5) أن الأغلبية الحقيقية للشعب المصرى لا تنتمى إلى أى من هاتين القوتين؛ إذ إن مجموع ما حصلت عليه الأغلبية التى لا تنتمى للحزب الوطنى ولا للإخوان المسلمين من أصوات قد بلغ 9088847 (تسعة ملايين وثمانية وثمانين ألفاً وثمانمائة وسبعة وأربعين صوتاً) وهى أصوات حمدين صباحى وعبد المنعم أبوالفتوح وخالد على وأبوالعز الحريرى وهشام البسطويسى، وهى أعداد تفوق ما حصل عليه أى من المرشحين اللذين دخلا انتخابات الإعادة، وأن هذه القوة تفتقد فقط التنظيم والاتحاد، فإذا تجمعت هذه القوى الثورية فإنها تمثل البديل الثالث للإخوان والوطنى. 6) أنتجت هذه الانتخابات وحددت بالاسم من يمكن أن يكون قائداً لهذه الثورة والمتحدث باسمها؛ فحصول المناضل حمدين صباحى على ما يقارب الخمسة ملايين صوت عبر صناديق الانتخاب من الإسكندرية إلى أسوان وليس من ميدان التحرير فقط يؤهله ويعطيه الشرعية وباختيار الشعب أن يكون قائداً لثورة 25 يناير، ومن يريد أن يتحدث مع الثوار وباسم الثورة فقد اختارت جماهير شعب مصر هذا القائد، فلم تعد ثورة يناير من تاريخ إعلان النتائج ثورة بلا رأس؛ فالثورة انتخبت قائدها، وعلى من يريد أن يتفاوض مع الثوار أن يتحدث مع حمدين صباحى.