فى سنوات قليلة أصبح الحال غير الحال فى قرية السيالة بمحافظة دمياط، فالأهالى الذين كانوا يوماً ما مزارعين، وأصحاب أراض زراعية تجود بمحاصيل القمح والخضراوات والفاكهة، أصبحوا عمالاً فى مهنة صناعة الأثاث، وحراس عقارات ومعارض، وبقالين، وسائقى عربات كارو، نتيجة الزحف العمرانى على الأراضى من جهة، والتبوير من جهة أخرى نتيجة الرى بمياه الصرف الصحى على 65% منها. تقع قرية السيالة فى دائرة مركز دمياط، وتطل حدودها على بحيرة المنزلة، فيما يبلغ عدد سكانها 45 ألف نسمة، ومساحة الأراضى الزراعية بها 300 فدان، تحول منها 100 فدان إلى مبان، و100 أخرى تعرضت للبوار، نتيجة الرى بمياه الصرف الصحى، فيما تبقى 100 يعانى الأهالى فى زراعتها، وكانت القرية تشتهر بزراعة الطماطم، والخيار، والباذنجان، والبطاطس، والملوخية، والبامية، واللوبيا، والأرز، والقمح، والبرسيم، والنخيل. «ما يحدث لنا لا يرضى أحداً، فثلثا الأراضى الزراعية إما تعرضت للبوار أو تم البناء عليها، وما تبقى منها يتراجع بشكل مستمر نتيجة الرى بمياه الصرف الصحى»، حسب محمد حسين، 50 عاماً، أحد المزارعين، مضيفاً «مللنا الشكوى، ولا حياة لمن تنادى، فالمسئولون يتعاملون معنا باعتبار أننا لسنا بشراً، فغير الأراضى التى بارت والمبانى التى زحفت عليها فإن ما تبقى منها يزرع بالأسمدة التى نشتريها بأسعار مرتفعة من السوق السوداء»، وتوقف حسين للحظات ثم قال «حاولت أن أعلم أولادى حتى لا يذوقوا المعاناة التى نتعرض لها كفلاحين، ليل نهار». وانتقلت معاناة الفلاحين مع الزراعة إلى أبنائهم الذين وصلوا إلى حد كره رؤية الأرض، فقال محمد قزامل، 30 عاماً، مزارع «لدىَّ 3 أبناء يرفضون حتى رؤية الأرض، نتيجة الحالة المزرية التى وصلت إليها، فلا شكوى تتم الاستجابة لها، ولا قرارات تصدر بوقف أعمال البناء، والناتج لم يعد يكفى لسداد أجرة العامل الزراعى، والمحاصيل تلفت من المياه الملوثة»، أضاف «لا تتوقف الأوضاع السيئة عند بوار الأرض، فليس لدينا حقوق عند الحكومة، لا تأمينات ولا معاشات، وكأننا لسنا جزءاً من نسيج المجتمع، ولا كأن ثورتين قامتا». وقالت رضا السيد، فلاحة، «أنا فلاحة أباً عن جد ولا أملك القدرة على العمل فى مهنة أخرى، تعبنا شكاوى من تعرض المحصول للتلف، وتراجع مساحات الأراضى الزراعية، فالخضراوات والفواكه التى كنا نزرعها ونصدرها بتنا اليوم نشتريها، واكتفينا بزراعة الذرة». ونظر حسين السيد، مزارع، إلى أرضه التى بارت وبات عاجزاً عن زراعتها، وتساءل «ما الذى يمكننى أن أعمل للإنفاق على أسرتى، حاولت العمل كصنايعى أثاث إلا أن المهنة تراجعت للوراء»، مضيفاً «المزارعون تحولوا إلى بقالين، وحراس عقارات، ومعارض، وسائقى عربات كارو، وعمال فى صناعة الأثاث، بسبب ضيق الحال». من جهته، كذّب الدكتور إسماعيل عبدالحميد، محافظ دمياط، المزارعين فيما يتعلق برى الأراضى بمياه الصرف الصحى قائلاً «أتحدى لو كان كلام الفلاحين ده صحيح». وقال المهندس محمد أبوالفتوح، وكيل وزارة الرى، ل«الوطن»، إن «فترة السدة الشتوية كل عام تنقطع فيها المياه لمدة أسبوعين، والمزارعون يقومون فى ذلك الوقت بتخزين المياه استعداداً لتلك الفترة التى لا يحتاج فيها الزرع مياهاً»، مؤكداً أن «المزارعون هم الذين يحصلون على المياه من مصرف السيالة الخاص». وأضاف «محدش قالهم ياخدوا من المصرف، عندهم مصادر أخرى للرى، لكنهم يلجأون إلى الأقرب»، مطالباً المزارعين الذين ليس لديهم مصدر للرى بمقابلته لحل المشكلة.