استغلت البنوك الخليجية أزمة الديون التى تواجه منطقة اليورو لغزو السوق المحلية عبر إجلاء البنوك الفرنسية بشراء استثماراتها فى القطاع المصرفى المصرى، خاصة فى ظل منع البنك المركزى المصرى إصدار أى تراخيص لتأسيس بنوك جديدة وضعف البنوك المحلية المطروحة للبيع. وفيما يسعى بنكا «قطر الوطنى» و«الإمارات دبى الوطنى» لإتمام شراء بنوك فرنسية تعمل فى السوق المصرية، توقع مصرفيون إبرام عدة صفقات استحواذ أخرى خلال العام المقبل من قبل بنوك تركية وكويتية. وفاز بنك «الإمارات دبى الوطنى»، بشراء الوحدة المصرفية لبنك «بى إن بى باريبا» الفرنسى فى مصر، فى صفقة قدرت قيمتها بنحو 500 مليون دولار، متغلبا على منافسة قوية من بنكى «يوفا» المغربى و«عودة» اللبنانى، فيما انسحب البنك «الأهلى المتحد البحرينى» من المنافسة فى آخر لحظة من سباق المنافسة، كما أعلن بنك «قطر الوطنى» قبل أيام قليلة توصله إلى اتفاق مع مجموعة «سوسيتيه جنرال» الفرنسية لشراء كامل استثماراتها المصرفية فى مصر. قالت مصادر مسئولة بالبنك المركزى المصرى إنه من المتوقع أن يشهد العام المقبل صفقات استحواذ على بنوك تعمل فى السوق المحلية من قبل مصارف كويتية وتركية العام المقبل لافتة إلى أن هناك إصرارا من الجانب التركى على الاستثمار فى السوق المحلية. وأضافت ل«الوطن» أن توجه المستثمرين الأتراك والعلاقات التى تتوطد يوما تلو الآخر تفسر رغبة البنوك التركية فى اقتحام السوق المحلية خلال الفترة المقبلة، وأن «إيش بنك» التركى حاول دخول السوق من خلال صفقات بيع عدة بنوك منها «بيريوس - مصر» اليونانى و«بى إن بى باريبا» الفرنسى خلال الآونة الأخيرة إلا أنه اكتفى بعملية الفحص النافى للجهالة ولم يتقدم بعروض مالية وفنية. وقالت المصادر إن البنوك القطرية والإماراتية تتوقع طرح مشروعات ضخمة فى مصر على الأجل القصير فى عدة قطاعات منها العقارى والبنية التحتية فضلا عن المشروعات اللوجستية وخدمات النقل والسفن والملاحة وهو ما يتيح فرصا استثمارية جيدة داخل السوق. وذكرت مصادر مصرفية بارزة أن هناك عددا من البنوك العاملة فى السوق المصرية قابلة للبيع خلال الفترة المقبلة ومن بينها «المصرف المتحد» وبنكا «الاستثمار العربى» و«المصرى الخليجى». قالت بسنت فهمى الخبير المصرفى إن البنوك الفرنسية تواجه مشاكل ضخمة مستمدة من أزمات الديون الأوروبية التى أثرت على نسب السيولة لدى المؤسسات المالية والمصرفية العاملة، لذا كان قرار عدد من تلك المؤسسات ببيع فروعها والتخارج باستثماراتها من بعض الأسواق الناشئة لتوفير السيولة اللازمة لها فى ظل ترامى أطراف الأزمة التى تعانى منها منطقة اليورو. وأضافت «فهمى» أن حالة التباين الواضحة بين طريقة عمل البنوك الفرنسية والمستمدة من المدارس الأوروبية وطبيعة السوق المصرية كانت أحد أبرز الأسباب التى أدت إلى خروجها من السوق المحلية لتغطية التزاماتها واحتياجاتها من السيولة لديها فى فرنسا، لافتة إلى أن هناك نوعين من المدارس المصرفية فى العالم هما الأوروبية الأكثر تحفظا، والأمريكية التى تعمل بطريقة أخرى تعرف من خلالها كيفية تحليل المخاطر والعمل داخل الأسواق فى مختلف الظروف بسياسات توسعية. وأشارت إلى أن إقبال المؤسسات المالية وعلى رأسها المصارف الخليجية يرجع لعدة أسباب، يتصدرها أنها لم تتأثر بالأزمة المالية العالمية التى أدت إلى انهيار بنوك عالمية ضخمة، واهتزاز الأسواق الأجنبية بدعم من تبعات أزمتى المال العالمية التى اندلعت فى منتصف عام 2008، والديون الأوروبية التى لحقت بعدة أسواق أوروبية منها فرنسا والبرتغال وإيطاليا وإسبانيا واليونان، وضعف الجدوى الاقتصادية وراء الاستثمار فى تلك الأسواق أيضاً. وأوضحت أن البنوك عندما ترغب فى توجيه استثماراتها لأى من الأسواق الجديدة بالنسبة لها فإنها تراعى عدة عوامل منها دراسة السوق التى تود ضخ استثماراتها فيها بشكل جيد ومدى مواءمتها لسياساتها المالية والعائد الاقتصادى وراء الاستثمار فيها، بالإضافة إلى دراسة حجم الاستثمارات من نفس دولتها للأسواق الأخرى، وهو ما يشير إلى أن السوق المصرية فى انتظار استثمارات عربية خليجية ضخمة خلال العام المقبل. وأشارت إلى أن توجهات المؤسسات الخليجية للاستثمار فى القطاع المالى بالسوق المصرية يأتى انطلاقا من خطورة الاستثمار فى أوروبا والنظرة المستقبلية للسوق المصرية، وباعتبار أنها بوابة للقارة الأفريقية وأقرب للثقافة العربية. وأشارت إلى أن دخول بنوك جديدة قوية إلى السوق المحلية سيساهم فى رفع رؤوس أموال البنوك ويعزز من الكفاءة والتنافسية وإدارة الأصول والخصوم وإدارة المخاطر والتدريب. من جهته، قال الدكتور هشام إبراهيم، الباحث المصرفى، إن دخول البنوك الإماراتية للسوق ليس الأول من نوعه فهى موجودة بالفعل مثل «مصرف أبوظبى الإسلامى»، و«المشرق» و«الاتحاد الوطنى الإماراتى» و«أبوظبى الوطنى»، فيما تعد هى المرة الأولى لدخول بنك قطرى إلى السوق المحلية حيث حاول البنك مرارا وتكرارا دخول السوق قبل الثورة إلا أنه لم ينجح. وأضاف أن اتجاه الخليج لزيادة استثماراته فى مصر موجود من قبل الثورة، نظرا لأنه لم تكن هناك فرص لدخول السوق، حيث إن البنك المركزى مصر على موقفه من عدم منح تراخيص لتأسيس بنوك جديدة بهدف تقوية ودعم البنوك العاملة فى السوق وتقليص عددها، كما أن البنوك التى عُرضت من ذى قبل للبيع لم تكن تمثل جدوى اقتصادية جيدة للمستثمرين العرب، نظرا لأنها كيانات تعانى مشكلات عميقة فى هياكلها المالية والفنية والإدارية وبالتالى عندما استشعرت المؤسسات العربية المصرفية توجهات الفرنسيين لبيع وحداتهم فى مصر اتجهوا للمنافسة بقوة عليها. وأشار إلى أن خروج البنوك الفرنسية مرتبط بالأزمة المالية الأوروبية وتفاقم مشاكل الديون وهو ما يشير إلى أن خروجها لا يتعلق بالسوق المحلية بل لتوفير سيولة تحتاجها المؤسسات الأم بفرنسا. وأوضح أن دخول مصر فى الوقت الحالى جاذب للبنوك العربية لأكثر من سبب من بينها التوقعات التى تشير إلى أن القطاع المصرفى سيتجه لتقديم منتجات التمويل الإسلامى بينما تلعب البنوك الخليجية فى هذا المضمار بقوة. وقال إبراهيم إن البنوك العربية لديها فرص للتوسع الجغرافى داخل مصر بشكل أكبر من البنوك الفرنسية خاصة أن هناك ضوابط «المركزى» تقتضى ضخ زيادة فى رأسمال البنك بقيمة 20 مليون جنيه مقابل كل فرع جديد، وهو ما يشير إلى أن تلك التوسعات تحتاج إلى ضخ المزيد من السيولة، وهو ما يتوافر لدى المؤسسات المالية والمصرفية فى الخليج على عكس البنوك الفرنسية. وتابع أن الاقتصاد المصرى لا يزال فى مرحلة التغيير من حيث الحجم وإن لم يتضح توجهه النهائى حاليا لكن آجلا أو عاجلا سيتضح ذلك، بدعم من توافد المزيد من الاستثمارات الداخلية والخارجية مع استقرار الأمور السياسية بشكل أكبر خلال الفترة المقبلة، وهو ما يعزز قدرة تلك البنوك على تحقيق عوائد جيدة نتيجة استثمارها فى السوق المصرية. وأضاف إبراهيم أن هناك عددا من البنوك كانت مطروحة فى إطار تخارج المال العام من القطاع المصرفى وهى «العربى الأفريقى الدولى» وتبلغ فيه حصة المال العام قرابة ال 50%، و«المصرف المتحد» المملوك بنسبة 99.9% للبنك المركزى وقد يشهد العام المقبل صفقات استحواذ على عدد من البنوك العاملة فى السوق المحلية. وكشف عن وجود معلومات يتم تداولها داخل القطاع المصرفى حول بيع استثمارات «كريدى أجريكول» الفرنسى فى مصر، نظرا للظروف التى تمر بها السوق الفرنسية.