القرار الصادر من البرلمان الأوروبى فى التحقيقات صادم للرأى العام المصرى وللحكومة والبرلمان، إلا أن رد فعل بعض النواب والمسئولين كان أكثر غرابة وصدمة، فقد خرج أحد النواب فى برنامج تليفزيونى تعليقاً على قرار البرلمان الأوروبى بانتقاد أوضاع حقوق الإنسان فى مصر وتقديم توصيات للدول الأوروبية بوقف التعاون الاقتصادى والفكرى والدعم المالى، جاء التصريح ليتهم أعضاء البرلمان الأوروبى بأنهم يتلقون رشوة وأن منهم من هم إخوان مسلمين، بالطبع هذا النائب قد أساء لنفسه أولاً قبل أن يسىء إلى أعضاء البرلمان الأوروبى، فإذا عرف أن المعترضين على القرار 10 أعضاء فقط وامتناع حوالى 50 عضواً وصوت لصالح القرار أكثر من 545 نائباً يمثلون الشعوب الأوروبية للبلدان أعضاء الاتحاد والذين يبلغ عددهم 28 دولة ممثلة فى هذا البرلمان. فهل يمكن أن نصدق أنه تم رشوة هذا العدد من الأعضاء؟ هذا نموذج لتعامل الحكومة والمسئولين عن ملف حقوق الإنسان فى مصر بدلاً من أن نعمل على تعزيز وحماية حقوق الإنسان المصرى ونقوم بتنفيذ التزاماتنا ونتفهم حالات انتهاك حقوق الإنسان. السؤال هل فعلاً إنكار حدوث انتهاكات واتهام كل من ينتقدنا بأنه ممول أو مرتشٍ أو إخوانى هل تصلح هذه لدفع هذه التهم عنا بلغة المحامين؟ لم يتعرض البرلمان الأوروبى لأوضاع حقوق الإنسان دون سند من قانون أو اتفاق، فهناك اتفاقية الشراكة المصرية الأوروبية التى تحولت إلى سياسة الجوار والتى التزم فيها الأطراف الموقعة باحترام حقوق الإنسان وتعزيز الحكم الرشيد واحترام حقوق المرأة وحرية ونزاهة الانتخابات وأن يقوم الحكم على أساس ديمقراطى. كذلك مجلس حقوق الإنسان الدولى عندما يتناول أوضاع حقوق الإنسان فهو أيضاً يستند إلى المواثيق الدولية والمعاهدات التى وقعتها الحكومة المصرية وصدق عليها البرلمان المصرى، وبذلك ووفقاً لنص المادة 93 من الدستور كل الاتفاقيات التى صدقت عليها مصر تكون بمثابة قانون داخلى، هذا معناه أن الحكومة ملتزمة باحترام وحماية حقوق الإنسان أمام المجتمع الدولى وهذا لا يصلح معه الدفع التقليدى الذى ورد فى بيان مجلس النواب. إن تطور القانون الدولى لحقوق الإنسان أدى إلى أن حقوق الإنسان لم تعد شأناً داخلياً بل أصبحت من المسائل التى تعرض على المجتمع الدولى وتناقش من خلال الآليات الدولية والإقليمية، وأهم تطور فى هذا الإطار آلية المراجعة الدورية الشاملة التى تشارك فيها كل دول العالم ويتم تقييم حالة حقوق الإنسان لكل دولة بأن تقدم تقريراً والمنظمات غير الحكومة والمجالس الوطنية تقوم بتقديم تقارير موازية ثم يحق للدول الأعضاء بالمجلس مناقشة تقرير الدولة وتقديم توصيات. وقد تمت مناقشة تقرير مصر مرتين؛ الأولى عام 2010، والثانية عام 2014، وتلقت مصر 300 توصية تقريباً من أجل تحسين سجل حقوق الإنسان. إذاً من يقول إن انتقاد انتهاكات حقوق الإنسان تدخل فى الشئون الداخلية لا يعرف هذا التطور الذى يؤكد على التزام الدول باحترام حقوق الإنسان للمواطنين على أراضيها وأنها غير مخولة بأى شكل من الأشكال بتعريض المواطنين للتعذيب أو الاعتقال التعسفى، علينا أن نعمل على وضع خطة وطنية لتعزيز وحماية حقوق الإنسان وأن نراجع أوضاع السجناء والمحكوم عليهم وأن نحارب التعذيب وأن نحدد آلية للكشف عن أماكن المحبوسين لوقف ظاهرة الاختفاء القسرى، فقرار البرلمان الأوروبى جرس إنذار لنا، فبدل الاتهامات يجب أن نؤسس لقواعد حوار وتواصل والعمل المشترك، فأعضاء البرلمان الأوروبى لا يقبلون الرشوة.