بلد بلا بدائل، هو بلد بلا مستقبل، لا يحتاج الأمر إلى تفكير أو نقاش، فصناعة البديل حق أصيل على الدولة، كما أنها ليست تفضُّلاً من القوى السياسية البعيدة عن السلطة. ما جرى فى مصر طوال سنوات حكم «مبارك» الكئيبة، ثم سنوات ما بعد الثورة المضطربة، أن الدولة انشغلت عن هذا الحق، ولم تبذل الجهد الكافى لفتح المجال العام أمام قوى جديدة قادرة على أن تساعد الدولة بتقديم البديل السياسى والاقتصادى والاجتماعى، ممثلاً فى أفكار قبل الأشخاص. هذا فى ما يخص دور الدولة، أما قوى المعارضة أو التيارات السياسية العاملة فى المجال العام، فقد فشلت بامتياز خلال الفترة الماضية، فى أن تُقدم نفسها كبديل يتمتع بثقة الناس، كما فشلت فى أن تخلق نموذجاً حزبياً أو إدارياً قادراً على إفراز بدائل سياسية، كما أنها فى الأصل فشلت فى إدارة الفكرة ذاتها، بعض هذه القوى لا يؤمن أصلاً بأن دوره الأصيل هو خلق البديل، بعض التيارات السياسية فى مصر تتصوّر أن دورها يتوقف عند الهتاف والصراخ، و«الشخط» فى السلطة والحكومة دون تقديم حلول أو بدائل، بخلاف ذلك يمتلئ دفتر يوميات حياتنا السياسية الفترة الماضية بعشرات المحاولات التى تبدأ بدعوة إلى توحيد صفوف التيارات السياسية، وتمر بمرحلة التفكير فى خلق كيان ما قادر على صياغة فكرة جديدة للبدائل، وعادة ما ينتهى الأمر بخلافات حادة بين القوى المتحالفة، حينما تلوح فى الأفق بوادر لأى مكاسب ما. الكلام السابق كان واجباً حتى إن طال قليلاً قبل البدء فى الحديث عن الدعوة الجديدة التى أطلقها حمدين صباحى المرشح السابق لرئاسة الجمهورية، وهى مبادرة لتوحيد القوى الوطنية المدنية، وذلك عبر صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك». وقال إن الغرض من المبادرة لم شمل القوى السياسية، للوقوف ضد الإرهاب والفساد. حسناً، يبدو الأمر شيقاً، وبداية التشويق تبدأ فى تأمل المكان الذى تم من خلاله إطلاق مثل هذه الدعوة. اختار حمدين صباحى أن يطلق دعوة بهذه الأهمية عبر صفحته الخاصة على «فيس بوك»، البداية التقليدية نفسها التى اعتدناها فى السنوات الأخيرة لأى مبادرة يطلقها جانب سياسى، وهى فى البداية تعبّر عن كسل، ولا تمنح الأمر ما يستحقه من جدية، يستحق الأمر من حمدين صباحى ما هو أكثر من ذلك، يستحق الأمر أن يصنع من حوله هالة كبرى قبل صدوره، سواء عبر مجموعة لقاءات مع القوى السياسية المختلفة، أو تنظيم عدة ورش عمل تحضيرية، للخروج بهذه الوثيقة أو المبادرة، ومنحها صيغة الجمع، لا الفردية، أو على الأقل إشعار المواطن المصرى البسيط بأن مجهوداً ما تم يبشر بأن هذه المبادرة ربما تختلف عن أسلافها، ولن تكون مجرد حبر على ورق، أو مجموعة حروف على «فيس بوك»، يثار حولها جدل محدّد المدة فى وسائل الإعلام ومرهون بغياب حدث جدلى يأتى ليدخل المبادرة إلى كهف النسيان. دعوة حمدين صباحى إلى خلق البديل خطوة بلا شك، تصب فى صالح الوطن، فلا يجوز أن تكون مساحاته السياسية تعانى من الفراغ، لكن فى الوقت نفسه لا يجوز أن يُدلغ الوطن من الجحر نفسه عشرات المرات، جبهة جديدة ومبادرة جديدة ووثيقة جديدة يتجمّع حولها البعض، ويُثار حولها الجدل، وتخلق فى نفوس البعض الأمل، ثم تنهار فجأة لتُسبب المزيد من الإحباط. يحتاج الأمر من حمدين صباحى، صاحب الدعوة، ومن باقى التيارات السياسية، ومن الدولة نفسها، إلى مزيد من التأنى والتفكير والتضافر لصناعة أساس متين وسليم يقوم عليه بنيان سياسى مخلص للوطن، ولا يقع فى فخ هدم أعمدة دولته، وهو يظن أنه مصلح ومناضل.