يسألني بعض الأصدقاء عن فلسفة الإخوان المسلمين وعن الثورة والجهاد في أدبيات الإخوان. أقول لهم، إن أهم أدبيات الإخوان ومشروع الإخوان هى رسائل وأحاديث الإمام حسن البنا رحمه الله تعالى وهى رسائل للأمة كلها وليست للإخوان فقط. وعندما أقول أو أذكر لهم بعض كلمات قليلة من كلام الإمام البنا من قبيل "الإخوان يعملون للناس في سبيل الله أكثر مما يعملون لأنفسهم" أو «الإخوان يجب أن يكونوا رهباناً بالليل فرساناً بالنهار، أو أنهم يكثرون عند المغرم ويقلون عند المغنم". يتعجب الناس من تلك الأقوال ويقارنون بينها وبين الواقع اليوم، وهم في المقارنة التي احياناً تكون ظالمة، يستشهدون بحالات فردية شاذة تنتمي للإخوان، وقد تكون مؤثرة جداً في المسيرة والمشروع. أقول هذا رغم التحديات الفكرية والتنظيمية والسلوكية داخل الإخوان اليوم. شاركت في مؤتمر في جامعة إدنبرة في بريطانيا منذ ثلاث سنوات عن فقه الجهاد في الإسلام. وكان اهتمام الغرب كبيراً بكتاب فقه الجهاد للعلامة الشيخ يوسف القرضاوي، وقد قدمت بحثاً مختصراً في المؤتمر عن الجهاد في فكر حسن البنا، طبعاً باللغة الإنجليزية. ودار حوار طويل حول هذا المشروع، وقد شارك في المؤتمر كذلك الشيخ راشد الغنوشي وبعض الأمريكان والمعنيين بالإرهاب في الغرب، وكانوا دائماً مرعوبين وخصوصاً بعد أحداث سبتمبر من كلمات الجهاد في الإسلام. تعجب الجميع من مفهوم الجهاد الواسع في فكر البنا، واليوم يسرني أن أشرح مقدمات هذا الموضوع المهم بكلمات الإمام البنا نفسه مع تعليق بسيط وأرجئ الحديث عن الثورة إلى مفهوم حسن البنا في مقال آخر. يقول الإمام البنا في رسالة: هل نحن قوم عمليون وهو يخاطب الإخوان في أحد المؤتمرات: ومن الجهاد في سبيل الله أيها الحبيب : أن يحملك هذا الهم الدائم علي التفكير الجدي في طريق النجاح وتلمس سبيل الخلاص وقضاء وقت طويل في فكرة عميقة تمحص بها سبل العمل وتتلمس فيها أوجه الحيل، لعلك تجد لأمتك منفذًا أو تصادف منقذاً، ونية المرء خير من عمله. والله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور. ومن الجهاد في سبيل الله أيها الحبيب : أن تنزل عن بعض وقتك وبعض مالك وبعض مطالب نفسك لخير الإسلام وبني المسلمين..فإن كنت قائداً ففي مطالب القيادة تنفق، وإن كنت تابعاً ففي مساعدة الداعين تفعل، وفي كل خير، وكلا وعد الله الحسنى. ومن الجهاد في سبيل الله أيها الحبيب : أن تأمر بالمعروف وأن تنهي عن المنكر، وأن تنصح لله ورسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم، وأن تدعو إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وما ترك قوم التناصح إلا ذلوا، وما أهملوا التآمر بالمعروف والتناهي عن المنكر إلا خذلوا. ومن الجهاد في سبيل الله أيها الحبيب : أن تكون جندياً لله تقف له نفسك ومالك لا تبقي علي ذلك من شيء. فإذا هدد مجد الإسلام وديست كرامة الإسلام، ودوي نفير النهضة لاستعادة مجد الإسلام كنت أول مجيب للنداء وأول متقدم للجهاد. ومن الجهاد في سبيل الله أيها الحبيب: أن تعمل علي إقامة ميزان العدل وإصلاح شؤون الخلق وإنصاف المظلوم والضرب علي يد الظالم مهما كان مركزه وسلطانه. وفي الحديث (سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله). ومن الجهاد في سبيل الله تبارك وتعالى، إن لم توفق إلى شيء من ذلك كله : أن تحب المجاهدين من كل قلبك وتنصح لهم بمحض رأيك، وقد كتب الله لك بذلك الأجر وأخلاك من التبعة. وبعد فهذه بعض مراتب الجهاد في الإسلام ودرجاته، فأين الإخوان المسلمون من هذه الدرجات؟ انتهى كلام الإمام البنا. بعض الناس يرى أن الجهاد هو القتال وحسب. ولكن الإمام البنا رحمه الله تعالى يرى مراتب أوسع للجهاد، فمن الجهاد حسب الاسلام في فهم الإمام البنا، التطلع إلى المجد والرقي والتنمية. ومن الجهاد التفكير الجدي في علاج الهموم والمشكلات والتحديات، ومن الجهاد أن يضحي الناس بالوقت والمال وبعض مطالب النفس، ومن الجهاد في سبيل الله الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأن ينصح الانسان للمسؤولين. ومن الجهاد في سبيل الله أن يكون الانسان جندياً لله تعالى، وكذلك العمل على إقامة ميزان العدل، وإنصاف المظلوم والضرب على يد الظالم لأننا نؤمن بأن أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان أو إمام جائر، وإن لم يوفق الإنسان إلى أي من ذلك كله، فعليه أن يحب المجاهدين وهذا من الجهاد العظيم كذلك. رحم الله الإمام البنا رحمة واسعة فقد كان واسع العقل كما كان واسع الصدر، ومن ثم فإنه يحلق عندما يقول في الأصول العشرين"الاسلام يحرر العقل ويحث على النظر في الكون، ويرفع قدر العلم والعلماء، ويرحب بالصالح النافع من كل شيء، والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها). لقد كان الإمام البنا متسقاً مع نفسه، وكان مشروع النهضة واضحاً أمامه، وقد وضع أسسه قبل استشهاده، وكان يرى أن الإخوان المسلمين دعوة شاملة ونظام شامل ينتظم شؤون الحياة جميعاً. ولذلك فالاسلام كما يرى الإمام البنا دعوة سلفية للعودة إلى الاسلام الصافي من الكتاب والسنة، وطريقة سنية وهى الاتباع الكامل للرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم، وحقيقة صوفية، وهو هيئة سياسية وجماعة رياضية ورابطة علمية وثقافية وشركة اقتصادية وفكرة اجتماعية. كما كان الإمام البنا يرى أن الاسلام في شموله يتناول مظاهر الحياة جميعاً، وهو دولة ووطن أو حكومة وأمة، وهو خلق وقوة أو رحمة وعدالة، وهو ثقافة وقانون أو علم وقضاء، وهو مادة وثروة أو كسب وغنى، وهو جهاد ودعوة أو جيش وفكرة، كما هو عقيدة صادقة وعبادة صحيحة سواء بسواء. هذا الفهم الشامل والتقدير الكامل للتناصح، ونقد المسؤولين هو من الطرق المهمة لتحسين الأداء وكما قال الصحابة رضوان الله تعالى عليهم رحم الله امرءا أهدى إلىّ عيوبي. والله الموفق نقلاً عن الإصدار الأول من صحيفة "الوادي"