"التأسيسية علي شفا جُرف هار".. هكذا كانت تعليقات فقهاء القانون الدستوري والسياسيين وشباب الثورة في ظل الجدل السياسي الجاري علي الساحة المصرية وداخل الأوساط الحزبية، خاصة بعد استقالة الناشطة النوبية منال الطيبي من الجمعية التأسيسية الثانية لوضع الدستور نظرا لتخوفها الشديد من المشاركة في وضع دستور طائفي لمصر في ثياب "إخوانية" يكرس لنظام المخلوع "مبارك" بعد الثورة . ومن بعدها هدد الدكتور أيمن نور، وكيل الجمعية التأسيسية بالإستقالة وسحبها بعد ذلك، مؤكدا أن الشعب المصري من حقه أن يحصل على دستور يعبر عن أمة، وليس تيار أو فئة بعينها، مستنكرا ما حدث بالتأسيسية من نشر مواد علي الموقع الإلكتروني لم يتم الاتفاق عليها و إن بعض الأعضاء فوجئوا بها، كما وجدوا أن هناك سيطرة واغتصاب للدستور. كما هددت حركة 6 أبريل كذلك بإنسحاب ممثلها فى الجمعية أحمد ماهر،المنسق العام للحركة اعتراضً منهم على ممارسات التيار الاسلامى أو من يطلقون على أنفسهم ذلك الاسم داخل الجمعيه التأسيسيه من أجل دغدغة مشاعر المصريين والتلاعب فى بعض المواد. في المقابل نري القوي الليبرالية تساوم التيارات الدينية علي الحقوق السياسية والمدنية مقابل الحقوق الإقتصادية والإجتماعية وبين هذا وذاك وهؤلاء يبقي التساؤل حول مصير الدستور القادم لمصر في ظل تأسيسية لم يكتب لها صلاحيات ميلاد دستور جديد لمصر الثورة؟ في البداية قال المحامي عصام الإسلامبولي، الفقيه الدستوري أن الفيصل في شرعية "التاسيسية" من عدمها هو حكم المحكمة الإدارية العليا في أول الشهر القادم بعد الطعن المقدم من النائب البرلماني السابق محمد العمدة على حكم القضاء الإداري الصادر في يوم 10 إبريل الماضي، ببطلان تشكيل الجمعية التأسيسية الأولي للدستور إلي جلسة أول أكتوبر التي ستكون أخر الجلسات لسماع المرافعات. ويتوقع "الاسلامبولي" أن تقضي المحكمة بإنهاء ذلك الصراع القائم والجدل الدستوري الدائر، لأنها قائمة علي ذات الأسس القديمة المعيبة للجمعية الأولي، منتقدا هيمنة الإخوان المسلمين علي قرارات التأسيسية وتجاهل حقوق المرأة والطفل. وأضاف أن ثمة اتجاهات قوية من قبل القوي الوطنية الثورية نحو اعلان الإنسحاب من اللجنة الحالية والإعداد لمشروع دستور مواز خلال الفترة المقبلة بتوافق كافة القوي السياسية والحزبية بما يترجم أهداف ومتطلبات الثورة في نصوص دستورية حية. ومن جانبه أوضح الدكتور محمد الميرغني، أستاذ القانون الدستوري بجامعة عين شمس أن كل هذا النزاع الدستوري لا يستحق كل هذا الإهتمام، خاصة أننا إزاء مشروعا للدستور سيتم عرضه للإستفتاء علي كافة فئات الشعب المصري في مؤتمر عام ومن ثم سيعاد النظر فيه مجدداً ومن ثم فلن يكون نهاية العالم أو أخر الدساتير المصرية، منتقدا بشدة ما يثار داخل أروقة مجلس الشوري واستديوهات الفضائيات وعلي صفحات الجرائد حول وضع نصوص غير قابلة للتعديل أو ما يطلق عليها البعض ب "الحظر الدستوري". بعد أن أثبتت التجارب السابقة فشلها وأنها لا جدوي من ورائها، فمثلا حينما أصدر اسماعيل صدقي باشا دستور عام 1930 جاء ضمن موادة ما ينص علي أنه خلال عشر سنوات لا يجوز تعديله ولكن المفاجأة أنه لم يكمل عاما واحدا حتي سقط بعد أن ازداد فيه نفوذ الملك بصورة كبيرة وأثار ضجة كبري فإضطر إلي أن يعيد دستور 1923. ومن ثم فإن الدول لا تضع دساتيرا جامدة، باقية إلي يوم القيامة بل قواعد حية كخلايا الإنسان تقصر أو تطول حسب احتياجات المجتمع وظروف البلاد. في المقابل فإن عدم وجود سلطة تشريعية "برلمان" يدخل البلاد في متاهة الفراغ الدستوري والتشريعي، رافضا من يطالبون بإلغاء مجلس الشوري في ظل قوانين سيئة السمعة والصياغة "سلق بيض" عُدلت قبل أن تدخل حيز التطبيق وحيثما لا توجد نصوصا دستورية فإن هناك مبادئ دستورية تحكم البلاد. وأفاد "الميرغني" أن حل التأسيسية الثانية لن يغير شيئاً "تحصيل حاصل" لا يسفر سوي عن تمزيق مصر وإحراقها بشعارات الدستور المواز الذي لا ينم سوي عن عدم موالاة لمصر، موضحا أنه إذا كان الجميع يتخوف من سيطرة جماعة الإخوان علي التأسيسية فإن الايام ستكشف حقيقتهم قريبا كما حدث في انتخابات نقابة المحامين مؤخرا حينما اثبتوا فشلهم في النقابة فتمت إزاحتهم بالضربة القاضية. ووجه "الميرغني"رسالته الأخيرة إلي أعضاء الجمعية قائلا: اتركوا النزاعات والخلافات الحزبية القاصرة فيما بينكم جانبا وأتموا مشروع الدستور بأسرع وقت ممكن لصالح سلامة الوطن ومصلحته العليا. بينما اتهم الدكتور ثروت بدوي، أستاذ القانون الدستوري بجامعة القاهرة، الإعلام بأنه يتصيد الأخطاء للجنة التأسيسية للدستور، فضلا عن أن 99% ممن يكتبون أو يتصدون لتلك القضية في وسائل الإعلام جاهلون وليس لديهم فقه دستوري أو حتي شرعي، مستشهدا بالحركة الوطنية لمدنية الدستور التي تنادي بألفاظ غير دستورية بالمرة . وأضاف أن مصر تعيش في مرحلة انتقالية خطيرة تموج فيها البلاد بالتيارات السياسية المتضاربة والتي تتصارع فيما بينها وهي قوي بعيدة كل البعد عن فهم المبادئ الدستورية والديمقراطية ومبادئ الحرية والعدالة . هنا لابد أن نبحث عن المستفيد مما يجري حسبما يقول "بدوي" الذي قال إن الولاياتالمتحدةالأمريكية واسرائيل تسعيان بقوة نحو تخريب البلاد سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وعسكريا وتلجأ كلتا الدولتين إلي وسائل التضليل الممثلة في وسائل الإعلام وبعض الجرائد الخاصة من أجل شراء بعض النفوس الضعيفة لإثارة الشك في كل شئ. بالإضافة إلي قوي النظام القديم التي عادت بقوة إلي الظهور علي الساحة المصرية خلال الشهور القليلة الماضية وتسعي نحو القضاء علي كل ما حققته الثورة من انجازات لإعادة البلاد إلي النظام المباركي المخلوع الذي سيطر علي البلاد علي مدار ستة عقود كاملة. ومن هنا سادت حالة من القلق والتخوفات في نفوس الغالبية العظمي من الشعب المصري بشأن الدستور الجديد في الوقت الذي لم يعد فيه هناك من يعرف معني الدولة المدنية أو قيم المواطنة وتلك اصطلاحات ظهرت في الآونة الأخيرة للتضليل وخلق حالة من اليأس حول تحقيق أهداف الثورة، مؤكداً أن الثورة مستمرة واقوي مما يتصور أعدائها وأن اللجنة التأسيسية الحالية في طريقها لوضع دستور يحقق قدرا معقولا من مطالب وأهداف ثورة الخامس والعشرين من يناير. كما أكد الفقيه الدستوري أن محاولات البعض اجهاض لجنة الدستور الحالية ليس في مصلحة الوطن ولن يصب الا في مصلحة أعداء الثورة، مشيرا إلي أن الرئيس محمد مرسي مصمم علي إنهاء الفترة الإنتقالية ووضع دستور خلال شهرين أو ثلاثة علي الأكثر حتي يتحقق للبلاد نظاما سياسيا محددة معالمه ويحقق الأمن والإستقرار للمواطن البسيط. ومن ثم فيجب ان يعلم الجميع أن اسقاط تلك اللجنة سوف يمنح في النهاية "مرسي" الحق في تشكيل لجنة تأسيسية بإرادته الرئاسية المنفردة وسوف تتبني هذه اللجنة الجديدة غالبية النصوص التي انتهت إليها اللجنة القائمة واستكمال ما بقي من نصوص دستورية. واختتم "بدوي" حديثه ل"الوادي" قائلا: ليعلم الجميع أن كثير من المنشغلين بالعمل السياسي في الوقت الحالي لهم توجهاتهم الخاصة وأهدافهم غير القومية والبعض من هؤلاء يتحرك بدافع الشهرة، في حين أن البعض الأخر ينفذ أجندات خارجية . في حين قال عبدالستار المليجي، القيادي المنشق عن جماعة الإخوان المسلمين إن الخلاف بين اعضاء التأسيسية الثانية حينما يخرج بهذه الدرجة من السخونة إلي الإعلام فلا يعني هذا سوي أمرا واحدا "أن تلك اللجنة غير متوافقة" ورأي الأغلبية الإخوانية فيها يسير نحو طريق مسدود دون وصول إلي توافق حقيقي . ففي الوقت الذي تري فيه المجموعة الإسلامية "الاخوان والسلفيين" أنهم يملكون وحدهم تفسيرا للإسلام يحاولون فرضه علي الجميع، رغم أن ذلك ليس ملزما لهم، مشيرا إلي أن المعارضة ليست كافرة حتي يتعاملون معها علي أنهم أعداء وخصوم، فضلا عن التسويق لوجهة نظر الفقه الإسلامي علي أنها تمثل الدين الإسلامي الذي ينبغي تطبيق شريعته في الدستور، مؤكداً أن فقه الدعوة والأولويات ذاته يأخذ بالرأي الأيسر خلال تلك الفترات الإنتقالية من خلال اقناع الجميع دون ممارسة ضغوط عليهم أو تشدد بعضهم. وانتقد "المليجي" تشكيل الجمعية الثانية التي يفتقد معظم أعضائها إلي خبرة صياغة النصوص الدستورية نظرا لغياب الاساتذة المتخصصون في القانون الدستوري، خاصة ان كافة المتحدثين الرسميين عن التأسيسية غير مختصين ومن هم علي رأس كل لجنة، رغم أنه من المفترض أن يؤتي بفقهاء الدستور لرئاسة تلك اللجان قادرون علي صياغة الدستور، يعاونهم مستشارين "علميين واطباء وزراعيين وشباب ثورة" ولكن الشكل العام غير مقبول من الناحية العلمية والقانونية. ووصف القيادي الإخواني السابق حالة التشبث الجارية بالرأي الواحد والأغلبية الدينية"بالإنتهازية" دون أدني مراعاة إلي تحريك المجتمع نحو الأهداف التي قامت الثورة من أجلها . وهذا ما يبين حالة القلق والخوف التي تساور الجماعة "الاخوان" علي السلطة التي ستذهب بعيدا عن أيديهم للأخرين وتلك اشكالية أخري حينما يُنظر إلي القوي السياسية الأخري في المجتمع علي أنهم خصوم وينفي عنهم صفة الوطنية وكل هذا في النهاية لا ينتج سوي دستور مشوه ومختلف عليه، غير متناسق أو مترابط مع بعضه. وفي ذات السياق أبدي الناشط السياسي تقادم الخطيب، أحد شباب الإخوان السابقين رفضه لبقاء واستمرار مجلس الشورى وإن تغير اسمه فنظام المجلسين يُعمل به فقط فى الدول الاتحادية والشمولية والواقع ان الابقاء على "الشورى" ليس سوى ارتزاق من أموال الشعب الذى يعيش تحت خط الكفاف. ويتسائل الخطيب عن المتوقع من جمعية تأسيسية مفروضة وغير منتخبة بل ويحتمل ان تكون غير قانونية ولها مصلحة فيما تشرعه، حيث تم تعيين عدد واحد وعشرون من اعضائها فى مناصب و وظائف عليا بالدولة، فلمن سيكون ولائهم. علي الرغم من أنه لا يتم تعيين عضو التأسيسية بعد انتهاء عملة بها فى أى وظيفة بالدولة الا بعد مرور خمس سنوات على الاقل حتى لا يشوب عملهم شبهة المصلحة، فالدستور ليس ملكا ولا حكرا على أحد أو فصيل دون أخر ولابد أن يكون معبرا عما اختلفت فيه جميع طوائف الشعب ويجب أن يتوافق عليه الجميع. ومن ثم يمكن القول أن الاخوان قد احتكروا الغالبية العظمى من أصوات الاعضاء مما يجعلهم يفعلون بالجمعية ما يشاؤون ويضعون المواد التى تؤكد بقائهم الى ما شاء الله وأولها مادة انتقالية استثنائية بإستكمال الرئيس محمد مرسى لمدة رئاستة وبهذا يتأكد للجميع ان هذا الدستور لن يكون دستور الشعب بل دستور الاخوان ومن والاهم من المتأسلمين علي حد قوله.