حالة من التوتر تشوب المشهد السياسي المصري في ظل تخوفات البعض حول مستقبل الحريات، وزيادة الشكوك حول دستورية الجمعية التأسيسية. فهل يستمر المشهد كثيرا علي هذه الحالة من التوتر؟ وهل تحمل الفترة القادمة بوادر لنهضة حقيقية؟ وما هي أهم أخطاء المرحلة الانتقالية؟ وما حقيقة العلاقة بين المجلس العسكري وجماعة الاخوان؟ أسئلة كثيرة عرضتها "الوادي" على المفكر السياسي الدكتور حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة خلال هذا الحوار. ** كيف تصف اللحظة السياسية الراهنة التى تمر بها مصر ؟ - المشهد السياسى فى مصر مازال مرتبكا وغير واضح المعالم؛ فلدينا الآن رئيس منتخب، على الرغم من أنه منتخب بأغلبية ضئيلة، فهو على أى حال أول رئيس جاء عن طريق انتخابات حرة وهذه خطوة متقدمه جدا على طريق التأسيس لنظام سياسى ديمقراطي، رغم حدوث بعض التجاوزات أثناء الانتخابات ومنها استخدام الدين والمال وطرق أخرى كثيرة ولكن هذا كان متاحا للجميع وبالتالي نستطيع أن نقول أنه لم يحدث تزوير مباشر لإرادة الناخبين فلم يحدث استبدال للصناديق ووضع أوراق مزورة كما كان يتم في العهد السابق. ولذلك جرت الانتخابات الرئاسية في جو يمكن قبوله ويمكن اعتبار أن الدكتور محمد مرسي يعبر بالفعل عن إرادة الأغلبية. ** هل ترى أن فوز مرسي بمنصب الرئاسة سوف يحل جميع المشكلات التي يعاني منها المواطنون؟ لابالطبع .. لن تحل كل المشكلات لأنه قبل أن يعلن فوز الدكتور مرسى رئيسا لمصر فقد أصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة الإعلان الدستورى المكمل بهدف قطع الطريق على الرئيس والانتقاص من إختصاصاته؛ ومن جانب آخر كان المقصود المد في عمر الدور السياسى للمجلس الاعلى للقوات المسلحة الذى كان يفترض أن ينتهى دوره السياسى بمجرد إنتخاب رئيس الجمهورية ولكن ما حدث غير ذلك فقد قام المجلس الأعلى للقوات المسلحه قبل بدء الجوله الثانية من الانتخابات الرئاسية بإصدارالاعلان الدستوري المكمل والغاء مجلس الشعب بقرار من المحكمة الدستورية العليا لأنها رأت أن القانون الذي أنتخب على أساسه مجلس الشعب غير دستورى ويترتب عليه بالضرورة حل مجلس الشعب. ففي نفس اللحظه التى أصبح لدى المصريين رئيس منتخب للجمهورية، ألغى مجلس الشعب وأصبحنا بدون برلمان، فعدنا للنقطة الأولى فى نفس المرحلة الانتقالية وبالتالى لم تنته أو تكتمل المرحلة الانتقالية. وكان من الواضح بعد وصول الرئيس إلى مقعد السلطة أنه سوف يكون هناك صراع بين الرئيس المنتخب من ناحية والمجلس العسكرى من ناحية أخرى. خاصة أن الاعلان الدستورى المكمل جعل المجلس الاعلى للقوات المسلحة مؤسسة داخل الدولة يحذر على رئيس الجمهورية أن يتدخل فى شئون القوات المسلحة وكانها أصبحت مؤسسة خارج نطاق صلاحيات رئيس الدولة. وهذا أمر لم يكن مقبول على الاطلاق. ** كيف تقيم هذا الصراع؛ وما موقفك منه؟ - على أى الاحوال كنت شخصيا بالاضافة إلى كثيرين من الوطنيين المصريين يخشون من تفاقم الصراع بين الرئيس المنتخب وبين المجلس العسكرى. ولحسن الحظ فإن الصراع حسم الآن لصالح الرئيس محمد مرسى ولا أود الدخول في تفاصيله وكيف تم الحسم. ولكن من الواضح الآن أنه حسم بطريقة متحضرة فقد تمكن رئيس الجمهورية من حسم الصراع لصالحه وتم إحالة رئيس المجلس العسكرى ورئيس الأركان إلى المعاش وتم نقل معظم القيادات العسكرية؛ وقد حصل بعضهم على وظائف إدارية وأصبحت هناك قيادات أخرى وأرى أن هذا نوع من تجديد الدماء داخل المجلس الأعلى للقوات المسلحة كما أن الشيء الأهم فى تلك المسألة هو أن الدور السياسى للمجلس الأعلى للقوات المسلحة قد انتهى وسقط الاعلان الدستورى المكمل. على الرغم أن البعض يرى أن إلغاء الإعلان ليس من صلاحيات الرئيس فهذه مسألة قانونية دستورية لا نريد ان ندخل فى متاهاتها. المهم أن السلطة التنفيذية الآن أصبحت واحدة وهذا أمر جيد فيما أعتقد ولكن فى الوقت نفسه أصبح رئيس الدولة المنتخب نفسه هو الذي يمارس السلطه التشريعية والتنفيذية بمعنى عندنا رئيس دولة ولايوجد برلمان وبالتالي أصبح رئيس الدولة في موقع يسمح له بالجمع بين كلا من (السلطه التنفيذية والسلطه التشريعية). ** هل هذه المسألة تمثل خطورة من وجهة نظرك ؟ - بالتأكيد.. فهذه مسألة بالغة الخطورة حيث تفتح الباب أمام تحول الرئيس إلى فرعون وديكتاتور ومستبد وطاغية جديد. كما أن الأمر أصبح متعلقا على رغبة وإرادة الرئيس فى ذلك بشكل أو بآخر ومن جانب آخر مدى قبول واستسلام المجتمع المصرى لهذا الوضع الجديد. ** وهل تتوقع من الشعب الذي قام بثورة يناير أن يستسلم لمثل هذا الوضع.؟ - فى اعتقادى الشخصى أن الشعب لن يقبل أن يستبد الرئيس بسلطاته في أن يصدر قوانين وقرارات من شأنها أن تجعله ديكتاتورا وفرعونا جديدا؛ فنحن الآن لدينا رئيس منتخب وهذا شئ جيد لكن ليس هناك برلمان وهذا شئ غير جيد بالاضافة إلى جمعية تأسيسية مشكوك فى دستورية تشكيلها وفي الطريقة التي شكلت بها ولكنها قطعت شوطا لا بأس به من عملية إعداد الدستور ولكنها معرضة للحل لأن هناك اعتراضات على تشكيلها وقد تتخذ المحكمة الإدارية قرار بحلها كما فعلت من قبل، إذا نحن أمام مرحلة حساسة للغاية لا نعرف بالضبط كيف ستنتهى ولا نستطيع القول بان النظام السياسى المصرى بدأ ينطلق وأننا أمام نظام سياسى مصرى جديد يعبر عن ثورة 25 يناير إلا بعد كتابة دستور يرضى عنه الشعب ثم تجرى إنتخابات برلمانية جديدة تفرز لنا برلمانا يليق بمصر وشعبها فى مرحلة مصر ما بعد الثورة. ** هل التأسيسية بشكلها الحالى يبشر بدستور يليق بمصر خاصة في ظل اعتراض القوى المدنية عليها؟ - اتركنى أقول لك ما يهمنا الآن هو الدستور الذى ستطرحه الجمعية التأسيسية ولكن لايمكن أن نفصل الشكل عن الجوهر أو المضمون؛ فالجمعية بشكلها الحالى بها خلل واضح وبها سيطرة واضحة من جانب تيار الاسلام السياسى كما أن الدستور لا يمكن أن يكتبه تيارسياسى معين أو يكتب على مقاس حزب سياسى معين. فالدستور هو الذى يحدد القواعد الأساسية لكيفية إدارة الدولة والمجتمع كما أنه يحدد القواعد التى يعمل بها النظام السياسى كله وبالتالى يجب أن تكون قواعد توافقية يرضاها الجميع. وهناك أمر بالغ الأهمية وهو أن تداول السلطة يجب أن يكون أحد المفاتيح الأساسية للنظام السياسى لأننا لانريد انتخابات لمرة واحدة فقط؛ فإن لم يتمكن الدستور من وضع الضوابط التى تسمح بتبادل حقيقى للسلطة قائم على التعددية وبفصل حقيقي بين السلطات، وبإستقلال كامل للقضاء إلى آخره؛ لم ننجح فى تأسيس حقيقى لنظام ديمقراطى. فنحن أمام مرحلة غير مستقرة ستحدث فيها تطورات كثيرة ومفاجأت ونأمل أن تمر بخير. وكل تلك الأشياء يتوقف مرورها بخير على حكمة الرئيس وطريقة إدارته للأمور وذلك لأنه أصبح يجمع بين السلطتين التنفيذية والتشريعية ولكن ان لم يكن الشعب متيقظا وواعيا وحريصا على إنجاح التجربة الديمقراطية فسوف ندخل فى متاهات قد تقودنا إلى طرق لانريدها ولانود السير فيها. ** أشيع مؤخرا أنك دخلت فى وساطة بين الإخوان والقوى السياسية فما حقيقة ذلك؟ - لم أدخل فى وساطة ولكن أنا منذ بدأت أن أمارس النشاط السياسي وهو مختلف عن النشاط الاكاديمى بالاضافة الى كونى كاتب سياسى؛ فقد بدات أمارس النشاط السياسى مباشرة عندما كلفت بالعمل كمنسق للحملة المصرية ضد التوريث ومن خلالها تكلمت كثيرا عن خطورة مشروع التوريث بالنسبة للأمن القومي ومستقبل النظام السياسى فى مصر واشياء أخرى؛ وشرفنى زملائي فى العمل السياسى بإختيارى كمنسق عام للحملة المصرية ضد التوريث التى أنطلقت قبل سنة من ثورة يناير وفى سياق عملى كمنسق عام لهذه الحملة كنت حريصا جدا على وحدة كل القوى التى تريد التغيير للنظام السياسى أو بمعنى أصح صناعة ثورة وعندما ظهر الدكتور محمد البرادعى فى الصورة قمت بالاتصال به واقترحت عليه لقائه؛ وأسفر هذا اللقاء عن تأسيس الجمعية الوطنية للتغيير. ونحن نعرف ما جرى بعد تأسيسها. وخلال عملى كمنسق عام للجمعية الوطنية للتغير كنت أيضا حريصا على وحدة القوى الوطنية وبالتالي لم أكن وسيط بين الاخوان أو التيار الاسلامي والآخرين فكنت حريصا على العمل الجماعي مع كل القوى وعلى أن تكون هناك وحدة بين التيار الاسلامي والتيارات الأخرى التى لا تنتمى تنظيميا إلى التيار الاسلامي؛ وكان من الواضح أن هناك صعوبات شديدة جدا فكان كل حزب من الاحزاب له تصوره ورؤيته وبرنامجه وأيدلوجيته وربما في فترات زمنية معينة يحدث التوافق والالتقاء ويكون العمل الجماعي سهل وميسور وفي بعض الاحيان أكثر صعوبة حتى بعد اندلاع الثورة كنت واحد من الحريصين جدا على التنسيق بين القوى السياسية المختلفة ومازال لدى قناعة كاملة بأن الاخوان أو حتى التيار الاسلامى لن يستطيع وحده أن يدير هذه البلاد بقدر من الفاعلية والكفاءة فمصر بحاجة إلى جهود كل أبنائها المخلصين الذين قاوموا النظام الاستبدادى الفاسد لكى يعملوا معا من أجل التأسيس على الاقل بقبول فكرة تداول السلطه ويقبل ما تجىء به صناديق الاقتراع، امامنا طريق طويل حتى نصل إلى الغاية. ولكن لا أطرح نفسى كوسيط بين القوى السياسية ولكن أطرح نفسى كراغب أو حريص على وحدة القوى السياسية. ** كيف ترى قرارات الرئيس مرسى حتى الآن؟ وما تعليقك على قرار إقالة المشير وعنان وهل تري أن هناك صفقة قد تمت؟ - لقد أشرت في حديثى الآن الى أن الصراع بين مرسي والمجلس العسكري كاد يقود البلاد إلى كارثة؛ وبالتالي الطريقة التي تم بها حسم هذا الصراع لصالح مرسي قد جنبت البلاد الوقوع في مأزق كبير كان من الممكن أن تقع فيه؛ وبالتالي فقد أيدت الرئيس مرسي في هذه القرارات والطريقة التي عالج بها الموضوع طريقة حكيمة لأنها لم تؤدى إلى صراع مفتوح بين مؤسسة الرئاسة والمؤسسة العسكرية وقد حسم الصراع لصالح الرئيس المنتخب وهذا أمر ضروري وحتمي ولكن بالطريقة التي تحفظ للمؤسسة العسكرية أيضا للعسكريين كرامتهم، وبدون أن تترك آثار أو جروح يمكن أن تؤثر على العمل بينهم فإن أدى أن هذا الصراع حسم لصالح الوطن وليست بالضرورة لصالح مرسي فى حين أنه من الجهة القانونية ليست لصالح مرسي ولكنه حسم لصالح الشرعية الدستورية ولصالح الوطن وأتمنى أن يكون هناك قناعة كاملة من جانب كل الأطراف؛ لأن الدور الطبيعي للموسسة العسكرية هو حراسة الحدود دفاعا عن أمن الوطن والمطلوب عدم تسيس القوات المسلحة على الاطلاق وخضوعها للحكم المنتخب والارادة السياسية المنتخبة فالمؤسسة العسكرية شأنها شأن جميع مؤسسات الدولة فيجب ان تكون جزء من منظومة متكاملة تعمل بشكل متناغم وفقا للقواعد الشرعية الدستورية.