"نفسكم تكممونا والوطن يسكت سكاته، مش هنسكت فأقتلونا، مااحناش أغلى م اللى ماتوا" كلمات الخال عبد الرحمن الأبنودي ستظل حاضرة في كل زمان ومكان وبصفة خاصة هذه الأيام بعد أن صار خطر الإغلاق شبحاً يهدد الصحافة المصرية لسبب أو لأخر نتيجة انتقاداتها اللاذعة وسياساتها التحريرية الصارخة ضد رموز النظام من ناحية ونقص التمويل من قبل المستثمرين من ناحية أخري. وهي أزمة متكررة من وقت لآخر منذ قديم الأزل مع الصحف والجرائد المصرية الخاصة، بدءاً بجرائد كوكب الشرق والبلاغ واليوم والمؤيد الجديد وصدى الشرق والسياسة والأحرار الدستوريين حال الانقلاب الدستورى سنة 1930 وتعرض الصحافة وقتئذ لمحنة شديدة، مرورا بالأهالي والشعب وأفاق عربية والدستور وصولاً إلي الأزمة المالية الأخيرة لجريدة البديل وتخفيض نسبة تمويل الموقع الإلكتروني بشكل كبير والإكتفاء ب25% من راس مال الجريدة، الأمر الذي يهددها بالإغلاق مجددا. وكانت الجريدة أغلقت من قبل بشكل مفاجئ بدعوى عدم وجود تمويل ورغم عدم تصديق البعض وقتها للأسباب والمبررات المصرح بها، لكن الصحيفة توقفت بالفعل وذلك بعد تعرضها لأزمة مالية طاحنة في عام 2009، لكن رئيس تحريرها، خالد البلشي وفريق المحررين والعاملين بالجريدة تحدوا أنفسهم مجدداً للرجوع أقوي مما كانوا عليه إلي أن نجحوا في ذلك جيدا وجعلو من الموقع الالكتروني الجديد منبراً إعلامياً للرأي الحر وقدمو انفرادات صحفية شهد بها الجميع في ظل ظروف عصيبة للغاية حتي جاء قرار مجلس الإدارة الأخير بتخفيض رأس مال الجريدة إلي أقل من 25%. وهذا ما استنكره الكاتب الصحفي جمال فهمي، وكيل نقابة الصحفيين بقوله "اليوم يقال لنا مجددا إن الصحيفة غير قادرة على الاستمرار بسبب نقص التمويل، إنه عار على كل من يتشدق بحرية الرأي والتعبير لو أن منبرا حرا كالبديل توقف بسبب التمويل كما حدث من قبل ومآساة جريدة الدستور وسطوة "البدوي" و "إدوارد" عليها وتأميمها لصالح النظام القديم علي حد وصفه. وطالب "فهمي" بالتضامن مع الموقع ماليا ومعنويا، كما تضامنوا مع أخرين من قبل فالبديل ليس مجرد موقع اخباري، إنما نموذج لصحافة يفتقر إليها الوسط الصحفي المصري ونموذج كاشف للكثير من عورات الإعلام القومي والخاص. الجدير بالذكر أنه حينما أُغلقت البديل المطبوعة منذ ما يقرب من أربعة سنوات انطلقت حملة اكتتاب لشراء أسهم في الصحيفة حتى تعود للصدور من جديد، وهذا التوقيت الأنسب لاستعادة تلك الحملة الشعبية حسبما يشير وكيل "الصحفيين". وهو ما دفع مجموعة من الناشطين السياسيين والكتاب الصحفيين إلي الدعوة نحو تمويل البديل بأموال القراء والكتاب والمواطنين المصريين، من أجل انشاء منبر اعلامي بعيدا عن تحكمات الممولين ورؤوس الأموال. ومن جانبه اتفق يحيي قلاش، سكرتير عام نقابة الصحفيين الاسبق، مع ما طرحه "فهمي" حول فكرة الاكتتاب الشعبي قائلا "من الأفضل في حالة مثل هذه الجرائد أن تكون مملوكة لقراءها من خلال أسهم تطرح للاكتتاب العام وليس ممول يتحكم في بقاءها من عدمه وفي تحريرها وفق مصالحه وراس ماله الخاص". وأبدي "قلاش" تخوفه الشديد من تكرار لعبة السيد البدوى و رضا ادوارد، مع جريدة الدستور قبيل الثورة، مؤكدا أنه يخشي ايضا من هيمنة النظام الحاكم وأعوانه علي الصحافة لخلق اعلام موجه يسبح بحمد السلطة القائمة. فيما أشار الكاتب الصحفى حلمى النمنم، إلى ضرورة وضع قوانين منظمة للعمل الصحفى وتقنين إنشاء الصحف والإصدارات وتنظيم العلاقة بين رأس المال والمؤسسات الصحفية التى تقوم بإنشائها حيث يجب أن يتم الفصل بين التوجة لمالك الصحيفة وبين محتواها، وذلك نظراً لخطورة وجود رأس المال فى عالم الصحافة المصرية فيجب وضع قوانين صارمة تنظم هذه العلاقة، وأبدى النمنم تخوفة من توغل المال الإخوانى فى الصحافة المصرية وتوجية الدفة لجهة بعينه. ومن جهتة يشير أيمن عامر، المنسق العام لإئتلاف شباب الثورة وعضو مجلس نقابة الصحفيين المستقلة، إلى أن الأزمة تعود إلى النظام البائد الذى كرس سلطة رجال الأعمال على الصحافة وجعله متحكما فى الصحافة المصرية عن طريق قانون الصحافة العقيم الصادر عام 96 . ذلك القانون الجائر الذى إشترط للأصدار اليومى خطاب ضمان قيمته مليون جنية أو تكوين شركة مساهمة برأس مال لا يقل عن المبلغ ذاته وللإصدار الأسبوعى نصف مليون كخطاب ضمان والشهرى ربع مليون لذلك فشلت مصر فى تكوين صحافة أو اصدار ورقي يليق بالمجتمع والثقافة المصرية. وأن يكون هذا الإصدار لأصحاب المهنة والكفاءات من المخضرمين أصحاب المهنة الأصليين، وتحولت لأصحاب رأس المال، فرجال الأعمال فى النظام البائد كانوا يسيطرون على 90% من الصحف والإصدارات الخاصة. ومازال الوضع حتى الأن مما قد يؤدى إلى تحديد وجهة نظر الإصدار والتوجه الإعلامى بشكل عام، مطالباً بضرورة تعديل هذا القانون الذى يقيد من حرية الصحافة المصرية بحيث لا يكون الإعتبار فى الأصدار لرأس المال أو ما شابة ذلك بل يكون لمن له خبرة فى مجال الصحافة والمهنة ومن المشهود لهم بالجداره الصحفية بغض النظر عن رأس المال أو غير ذلك من الاعتبارات التى رسخها النظام البائد ورجاله. وعن الخوف من سيطرة الإخوان ورجالهم على الصحف والإصدارات الورقية كبديل عن رجال نظام المخلوع "مبارك" أكد "عامر" أن الإخوان تعرضوا للتضييق خلال الفترة السابقة من قبل نظام الرئيس السابق، فبدأوا حينها بالتعاون مع حزب العمل ونشر أفكارهم وأخبارهم عن طريق جريدة الشعب ثم التحالف بين الحزب والإخوان وإصدار جريدة القرار. ومن بعدها جريدة القدس العربية، إنتهاء بجريدة آفاق عربية والتى ناله ما نال سابقه من إغلاق وتضييق والآن بعد الثورة أصبح هناك جريدة رسمية ناطقة بإسم حزب الحرية والعدالة وقناة رسمية "مصر 25" ، مما قد يبدد المخاوف من سيطرة الإخوان على الصحافة المصرية. بينما أكد رامى المصرى، عضو حركة كفاية أن الصحافة مثلها مثل أي شئ فى مصر أصبحت تخضع لسياسات الرأسمالية المتوحشة التي توجه الإعلام للجهة التى ترغب فيه، فنجد مثلا أن هناك رجال أعمال يتحكمون فى العديد من الإصدارات والصحف، فهناك نجيب ساويرس على سبيل المثال الذى كان له باع طويل من العمل مع النظام البائد والآن أصبح من المتحكمين فى سوق الإعلام المصرى، فالربيع العربى تم إحتوائة من قبل الرأسمالية الأمريكية المتوحشة علي حد وصفه. وعن الحلول الثورية لمواجهة تلك المشكلة وتحكم رأس المال في الاعلام الورقي أشار "المصرى" إلى فكرة تم طرحها منذ فترة من قبل د. محمد سيف الدولة، مستشار رئيس الجمهورية والتى كانت تتضمن إنشاء مشروع إعلام قومى للفقراء يبدأ بمنشورات ثم نشرة دورية ثم صحيفة بحيث نتحول من مرحلة الأعلام الخاص إلى مرحلة الاعلام الشعبى يعبر عن الشارع المصرى ونبضة الحقيقى، وتلك كانت أحد الحلول المطروحة لمواجهة الرأسمالية بالإضافة لفكرة الأكتتاب الشعبى.