* رؤيتي في قصائدي ليست رؤية سياسية.. قصيدتي تنتمي إلى ضميري. * لابد أن ندخل في مرحلة التفاوض الوطني كي نصل إلى الاتفاق لإنقاذ الوطن. محمد إبراهيم أبو سنه من أهم شعراء الوطن العربي، بالإضافة إلى تدرجه في العديد من المناصب حيث عين محررا في الهيئة العامة للإستعلامات ثم مشرفا على البرامج الإذاعية والنقدية بإذاعة القاهرة وتدرج في وظائفه إلى أن صار رئيسا للبرنامج الثقافي. من أبرز أعماله الشعرية: قلبي وغازلة الثوب، حديقة الشتاء، الصراخ في الآبار القديمة، أجراس نيلية، تأملات في المدن الحجرية، البحر موعدنا، مرايا النهار البعيدة، رماد الأسئلة الخضراء، رقصات نيلية، شجر الكلام، أغاني الماء. وله في المسرح الشعري: حمزة العرب وحصار القلعة، ومن المقالات والدراسات الأدبية والنقدية: دراسات في الشعر العربي، فلسفة المثل الشعبي، تجارب نقدية وقضايا أدبية، أصوات وأصداء، تأملات نقدية في الحديقة الشعرية، قصائد لا تموت، ربيع الكلمات. حول القضايا الراهنة وعلاقتها بالأدب كان هذا الحوار.. * أستاذ محمد ما دور الأدب في القضايا السياسية من وجهة نظرك؟ الشاعر مواطن حر وتتكشف أمامه مساحات من الوعي الإنساني ويمتلك ضميرا، يحس بكثير من القلق ويلحق به الأذى حين يرى المظالم والفجائع التي تحل بالوطن او تحل بالإنسان، رؤيتي في قصائدي ليست رؤية سياسية، وإنما رؤية وطنية وقومية وإنسانية، وأظن أنني قد عبرت عن ذلك في قصيدتي (أسئلة الأشجار) هؤلاء الذين تبرؤا من االانتماء والوطن والقومي والإنساني، ويتصلون بذواتهم المفردة ويذوبون في العناصر اللغوية والجمالية بعيدا عن القضايا الضرورية ولا أقول القضايا الكبرى، لأن الشعراء في واقع الأمر تحركهم الضرورة الإنسانية، قصيدة بغداد كانت انفجارا داخليا أقرب إلى المرثية عند سقوط بغداد، وجاءت بهذا الشكل لأنها تريد أن تؤسس لموقف لا ينتمي إلى الحاضر فقط بل إلى التاريخ بأسره، لست شاعر مناسبات، بل أنا عاجز عن أن أكون ذلك الشاعر، وهناك شعراء يكتبون القصيدة التي تظللها الانتماءات السياسية، لكن قصيدتي تنتمي إلى ضميري. * كيف ترى الوضع الحالي على الساحة السياسية؟ الوضع الحالي مأساوي جدا ملتبس ومضطرب، لا ينبأ إلا بمزيد من المشاكل والاضطرابات، لكن ما يحيي الأمل في النفس هو التوافق على الحمعية التأسيسية، والبدأ في وضع دستور، فإذا ما تم وضع الدستور ربما نكون قد أرسينا أهم دعائم الاستقرار في مصر. الصورة كئيبة لكن هناك بعض الأمل. أخشى ما أخشاه أن تزداد الأمور سوء، لأن الوضع العام يشير إلى الانقسام الدائم وعدم الرضا والسخط على كل ما يحدث، وهي أمور تشير إلى عدم النضج والمراهقة السياسية. أنا حزين لما يحدث، فوقت طويل قد مضى ونحن نتصادم ونجتمع ونفترق، وبقي أن نهدأ قليلا ونفكر لأننا قد أضعنا وقتا طويلا، وأخشى أننا إذا ما مضينا في الاستقرار، لا نستطيع السيطرة على مسيرتنا. القضية الآن أن تسود الحكمة بدلا من الطيش، وأقول لهؤلاء الذين يحركون الفتنة في كل مكان: لابد أن ندخل في مرحلة التفاوض الوطني، كي نصل إلى الاتفاق، لا أقول الوحدة الكاملة، لكن الاتفاق على أسس تضمن لنا إنقاذ الوطن. * ما هو رأيك فيما يطلق عليه أدب الثورة؟ طبعا الأدب الذي يكتب الآن هو أدب متعجل، ويقوم بتلبية حاجات عابرة، لأنه يجسد الانفعال وأقرب إلى الشعارات وأقرب إلى الهتاف منه إلى العمق واكتشاف أبعاد جديدة في اللحظة. الأدب الحقيقي لم يأت بعد، هناك شعراء يكتبون كما يتكلمون، لا ضابط ولا رابط، إنما يسعون إلى الحضور والشهرة والسبق، كثير مما يكتب الآن لم يبق، لكن الأدب في حقيقته رؤية شاملة وعميقة وقادرة على الاكتشاف والبناء والقوة من خلال أساليب ناضجة، لا يخاطب لحظة تاريخية معينة، بقدر ما يخاطب المستقبل أيضا. * لك قصيدة نثر واحدة لماذا لم تكرر هذه التجربة ؟ تأتي القصيدة بعد جيشان عاطفي ووجداني وانفعالي، وهو جيشان ينبع من تأثر عميق بتجربة، تجربة استثنائية، وحين كتبت قصيدة (رسالة إلى الحزن) التي نشرت في مجلة الثقافة الذي كان يرأس تحريرها دكتور عبد العزيز دسوقي، كنت مشحونا بآفاق شعرية وخيال جامح وأشواق عاتية لتجاوز الأسوار والجدران، يبدو أنني في تلك المرحلة كنت أبحث عن أفق أهز به ومن خلاله رتابة قصيدة التفعيلة، كنت أتهيأ إلى الانتقال إلى مرحلة شعرية جديدة، هي مرحلة الخروج من النموذج الواقعي الغنائي إلى مرحلة التفجر الدرامي ،كتبت هذه القصيدة بهذه الصيغة النثرية بمنتهى الصدق، وكنت أتصور أنني سوف أواصل الكتابة بهذا الشكل لأكمل ديوانا من قصائد النثر، وكان الصدى الذي أثارته هذه القصيدة يجمع بين الإعجاب بها والتنديد من جانب بعض النقاد والشعراء، وكان الإعجاب أعمق من التنديد، ومع ذلك فإن الجيشان الداخلي والانعطاف نحو النثر قد توقف فجأة وكأن البخار قد تسرب من المنطاط ليعود مرة أخرى إلى قصيدة التفعيلة. لقد اكتشفت أن متعة قراءة الشعر لا تتوقف عند كل قراءة جديدة، وأن هذه اللذة تتجدد دائما، ولا يحدث هذا على الإطلاق مع قصيدة النثر، إن لذة قراءة قصيدة النثر تنتهي مع القراءة الأولى أو الثانية على أكثر تقدير، بينما القصائد التفعيلية يتجدد سحرها ولا ينتهي إذا كانت قصيدة حقيقية، انصرفت إلى كتابة كثير من التعليقات النقدية حول الشع، ولكني أحطت حرم القصيدة الشعرية بهذه القداسة التي تجعل من الإيقاع الموسيقي حصنا يحمي هذه المتعة الدائمة، وجاءت قصيدة موسيقى الأحلام إعلانا عن عقيدتي الشعرية بل عقيدتي الإنسانية، لأن كلمة الموسيقى في هذه القصيدة تتجاوز المعنى الفني لتحتوي عشرات المعاني التي تتعلق بمعنى الحياة، لم أتبرأ ولم أندم ولم أتنكر لقصيدتي رسالة إلى الحزن لأنني كتبتها بنفس الدافع العميق والطاقة الخلاقة التي أكتب بها قصائد التفعيلة الأخرى.