تجسدت شخصية (شيلوك) في مسرحية تاجر البندقية للكاتب الانجليزي الكبير (وليم شكسبير) في العصر الحديث، بتحالف (الكورورقراطية) أي حكم منظومة الشركات ألكبري والبنوك والحكومات، التي تقوم مثل شخصية المرابي اليهودي باقتطاع رطل من اللحم المدان له عند العجز عن الوفاء بسداد القرض وفوائده، وهكذا يتناول الكاتب (جون بركنز) مؤلف كتاب (الاغتيال الاقتصادي للأمم – اعترافات قرصان اقتصاد) والكتاب صدر منذ أيام ضمن إصدارات مكتبة الأسرة، ترجمة ومراجعة: مصطفي الطناني، ود.عاطف معتمد، وتقديم د.شريف دلاور. والمؤلف خبير اقتصادي دولي ولد في ولاية (نيو هامبشر) بالولاياتالمتحدةالأمريكية عام 1945، وحاصل علي درجة بكالوريوس في كلية إدارة الأعمال بجامعة بوسطن عام 1968. ينقسم الكتاب إلي أربعة أجزاء وخمسة وثلاثون فصلا، يقدم المؤلف تجربته الشخصية في العمل في احدي الشركات الاستشارية الأمريكية الكبري، والتي تكون من مهامها الأساسية توصية المؤسسات المالية الدولية علي تقديم قروضا كبيرة تلك المؤسسات مثل: البنك الدولي، صندوق النقد الدولي، وهيئة المعونة الأمريكية، مع علم هذه المؤسسات المالية الدولية عن عجز سداد هذه القروض من طرف الدول المتلقية للمساعدات، وذلك بغرض تطوير البنية التحتية الأساسية، التي تتمثل في بناء محطات توليد الكهرباء، وتعبيد الطرق السريعة، وإقامة المواني والمدن الصناعية، بشرط قيام المكاتب الهندسية وشركات المقاولات الأمريكية بتنفيذ هذه المشروعات، وفي حقيقة الأمر فان الأموال بهذه الطريقة، لا تغادر الولاياتالمتحدةالأمريكية، حيث تتحول من حسابات بنوك واشنطن إلي حسابات شركات في نيويورك أو هوستن أو غيرها من الولاياتالأمريكية، وتقوم هذه المساعدات بإنشاء نخبة من رجال السياسة والإعمال، وشبكة من جماعات المصالح، التي تستفيد اكبر استفادة من هذه المساعدات والقروض، التي تعجز بلدانهم عن سدادها فيتم إخضاع بلدانهم لسياسات اقتصاد السوق الحر وسياسيات الخصخصة، وتخضع لهيمنة تحالف (الكوربورقراطية) وفرض شروط الدائن مثل: الموافقة علي تصويت ما في الأممالمتحدة، أو السيطرة علي موارد معينة في البلد المدينة، أو قبول بتواجد عسكري به، وتبقي الدول النامية بعد ذلك كله مدينة بالأموال، ويؤكد المؤلف علي توضيح إبعاد هذا التحالف الجهنمي. وعند وجود من يقاوم تحالف (الكوربورقراطية)، يتعامل معه رجال المهمات القذرة من جهاز استخبارات (CIA) في تدبير محاولات انقلاب عسكرية ضد النظم المقاومة، لهذا التحالف مثلما حدث لرئيس الوزراء الإيراني المنتخب ديمقراطيا محمد مصدق، في أوائل خمسينات القرن العشرين، بسبب قيامة بتأمين صناعة النفط، لعدم الإضرار بمصالح شركة برتش بتروليم، مما تسبب في جنون الغرب، وعند حدوث فشل لرجال المهمات القذرة من رجال (CIA)، يتعرض البلد لغزو وحرب مدمرة تسمح لشركات البترول وشركات الطاقة والهندسة الأمريكية بالسيطرة علي بلد بأهمية العراق، من حيث موارد المياه والمكانة (الجيوسياسية) ، فالجزء الأكبر من نهري دجلة والفرات، يمر في ارض العراق دون الحديث عن موقعة الاستراتيجي، علي تخوم منطقة الخليج العربي وتركية وإيران وسوريا، وذلك بخلاف الاحتياط النفطي الكبير، أو غزو وتدمير دولة بنما للسيطرة علي قناة بنما، بعد التوقيع علي اتفاقية تسمح بعودة القناة إلي سيادة دولة بنما، وذلك بعد تدبير عملية الاغتيال للرئيس المنتخب المشرف علي هذه الاتفاقية، أو غزو دولة جواتيمالا والإطاحة بالرئيس المنتخب ديمقراطيا، بسبب سياسات الإصلاح الزراعي، تلك السياسات المهددة لمصالح شركة يونايتيد فروت في جواتيمالا وأمريكا الوسطي. (الاغتيال الاقتصادي للأمم) إنه كتاب يوضح ببساطة تساؤل الأمريكيين البسطاء، حول أسباب كراهية العالم لأمريكا وسياساتها الدولية، انه كتاب يلقي الضوء بوضوح علي كيفية تحكم المديرين التنفيذيين، والمستشارين بكبري الشركات الدولية والأمريكية واحتلالهم لمراكز صنع القرار، في دوائر السياسة الأمريكية الداخلية والخارجية، واستغلال جهل عامة الشعب الأمريكي بهذه الحقائق، فوسائل الإعلام الكبرى من تلفاز وإذاعة وصحف مملوكة لكبري هذه الشركات العاملة علي صيانة وحماية مصالح هذه الشبكة الأخطبوطية، وتكوين امراطورية كونية، انه نظام الفساد العالمي الذي يعمل علي إن يصبح الثري أكثر ثراء، والفقير أكثر فقرا، انه نظام يموت فيه أربع وعشرون آلف إنسان جوعا يوميا، يموتون بصمت دون إن يشعر بهم احد، لأنهم يعشون علي هامش هذا العالم، دون إن يغترف أحد بحقهم في الوجود كبشر يستحقون الحياة، يحدث المؤلف في كتابه عن طبيعة عملة في بلدان مثل اندونيسيا - الإكوادور – بنما – إيران – السعودية، والعمل علي ضمها إلي هذه الإمبراطورية الكونية، في ظل هذا الهرم الرأسمالي، الذي تمثل أمريكا قمته، يمثل هذا الكتاب محاولة من مؤلفة لتطهير ذاته، من الجرائم التي اشترك فيها، وبعد العديد من سنوات التردد والخوف والشعور بالإثم يتخذ قراره بنشر هذا الكتاب الذي هو سيرة مؤلفه، كخطوة لمحاولة تغيير هذا الواقع المشوه، والظالم بكل المعايير والمقاييس الإنسانية دون ادني شك، أن العالم يمكن إن يكون كما تحلم به هكذا قال أحد إفراد قبيلة الشوار في عام 1990، للكاتب في دولة الإكوادور ضد غزو وتهديد شركات البترول الأمريكية بطردهم من أراضيهم، انه الجشع والأنانية الذي يقوم بتدمير الموارد والبشر والبيئة، من اجل المزيد من حياة الترف الباذخة للبعض، أنها قوة الكلمات والحلم والعمل علي نشر الوعي، لمحاربة ومواجهة هذه الإمبراطورية الكونية، والقضاء علي ارث العبودية والقهر ولكن بأشكال أكثر حداثة وعصرية.