أن لا تجد المياه في القرن الحادي والعشرين فتلك مصيبة، ولكن أن تُجبر على دفع فاتورتها فالمصيبة أعظم، هذا هو الحال في قرى "كفر أبو الشوارب، بلجاي، جميزة بلجاي" بمركز المنصورة، والتي قل ضخ مياه الشرب إليها منذ 4 سنوات، قبل أن يتوقف تماماً منذ سنتين، دفع خلالهما أهالي القرى ملايين الجنيهات رسوماً للمياه التي لم يرها يوماً صغارهم تتدفق من الصنابير. "مش بيصعب عليا غير العيال الصغيرين دول".. قالها سائق سيارة المياه وهو يشير إلى أحد الصبية الذي انحنى ليملأ وعاءاً بواسطة خُرطوم متصل بخزان أكله الصدأ، ولكنه رغم كل شيء صار بئر زمزم لأهالي القرى العطشى، ينادي أحد أبناء كفر أبو الشوارب على الأهالي مستخدماً مكبر الصوت الخاص بالمسجد معلناً إياهم بقدوم سيارة المياه، فتخرج القرية عن بكرة أبيها يهرول شيوخها وأطفالها حاملين أوعيتهم، متسابقين على قطرات الماء في مشهد أقرب لمخيمات الاجئين ببلد أنهكته الحروب الأهلية. يدفع أهالي القرى الثلاث المقدر تعدادهم بنحو 20 ألف نسمة ما يقارب 100 ألف جنيه شهرياً لمحصل فواتير المياه الذي يهددهم بالحبس في حال رفضهم الدفع، "إحنا ناس غلابه على أد حالنا وكل واحد خايف على نفسه".. يقول أحد سكان أبو الشوارب مبرراً دفعه رسوم الخدمة التي لا يتلقاها منذ سنوات، المياه الجوفية المختلطة بالصرف الصحي هى السبيل الوحيد للاستحمام وغسيل الملابس والأواني، وربما للشرب أحياناً إذا غابت سيارة المياه عن الأهالي، وهو ما أدى إلى انتشار مرض الفشل الكلوي بالقرى. "حنفية" الحاج مدحت بقرية التسعين هي أحد متنفسات كفر أبو الشوارب، حيث يزدحم عليها النساء والأطفال لملأ آنيتهم التي يضطرون لحملها على عربات الكارو إلى القرية المجاورة، يقول محمد عبد العزيز المدرس بالأزهر أنه لا مكان للفقراء بهذا البلد، فعلى حد روايته عرض أهالي القرى تحمل تكاليف مد خط مياه الشرب والتي تبلغ 50 ألف جنيه على نفقتهم الخاصة دون تحميل الدولة أية مصروفات، ولكن طلبهم قوبل بالرفض من مسؤولي الشركة القابضة لمياه الشرب، والهيئة القومية للمياه، ومحافظة الدقهلية، حيث يُحمل الأهالي هذه الجهات الثلاث مسؤولية عطشهم. كما يطالب سكان أبو الشوارب بتحويل المصرف الذي يمر بالقرية إلى صرف مغطى حيث يُعد سبباً في التلوث والأوبئة التي تفشت بالمنطقة في اعتقاد السكان، يقول باهي خضر العضو السابق بالمجلس المحلي أن أحد المسؤولين بهيئة الصرف الصحي اتهمه بالجنون عندما طالبه بتغطية المصرف، مؤكداً أن التكلفة قد تصل إلى 3 مليون جنيه، " النقود عندهم أغلى من أرواح البشر".. يقول خضر. إنشاء محطة أجا للمياه تكلف ملايين الجنيهات طبقاً للأهالي، ولكنها رغم ذلك لم تعمل حتى الآن، في ظل وعود متواصلة من مسؤولي الشركة القابضة لمياه الشرب باقتراب التشغيل وفيضان الماء من صنابير القرى، كان آخرها وعد المهندس ممدوح الشاعر رئيس قطاع المياه بشركة الدقهلية، والذي تعهد بحل الأزمة بنهاية مارس الماضي. وبسؤاله عن سبب تأخر التشغيل قال الشاعر أن السبب يعود لقيام مالك قطعة أرض ملاصقة لمبني المحطة بطرد موظفي الشركة القابضة من عملهم مستخدماً من أسماهم ب "البلطجية"، وذلك للضغط على الشركة لشراء أرضه، وعن سر عدم الاستغاثة بقوات الأمن لحماية مصالح الشعب من "البلطجة" صرح الشاعر بأن مسؤولية الأمر تقع على عاتق الهيئة القومية لمياه الشرب، مؤكداً أن الطرفين "بيحلوا الموضوع ودي"، على حد تعبيره، كما أضاف رئيس قطاع المياه أنه قد تمت مناقشة أزمة القرى الثلاث بالاجتماع الأخير مع محافظ الدقهلية "عمر الشوادفي"، وتعهد في تصريحاته للوادي باستلام المحطة وتشغيلها مما سيسمح بوصول المياه للقرى، وذلك بنهاية مايو الجاري، وهو ذات الوعد الذي يقول الأهالي أنهم قد ملوا تكراره في حين لم يمل المسؤولون ترديده.