لا أعتقد أن ثورة 25 يناير ترضي عن الوضع الذي وصلت إليه مؤخرا، بعد مرور ثلاثة أعوام علي اندلاعها، ولا أظنها تدعم خارطة طريق ذات اتجاه واحد، تقود البلاد إلى مستقبل مجهول، ولا أحسبها تؤيد دستورا نتج عن واقع غير مستقر، وثيقة ولدت سفاحا مثل المقرر الاستفتاء عليها يومي الثلاثاء والأربعاء القادمين، وأتوقع أنها توصي أبناءها ومؤيديها وأنصارها، قائلة: قاطعوا. قاطعوا.. لا تحملوا أنفسكم عناء المشاركة باستفتاء علي دستور تم كتابته في الغرف المغلقة، دون طرحه لحوار مجتمعي، وسط إقصاء وتهميش لفئات عديدة من المشاركة في صياغته. قاطعوا.. لا ترسخوا لنظام خرج للوجود ليقتل المئات ويعتقل الآلاف ولا يراعي أي حرمة للدماء، بغض النظر عن سببها أو أصحابها، فالدماء تبقي هي الدماء، ودائما ما تكون لعنة علي المتسببين فيها. قاطعوا.. لا تؤيدوا سلطة تقمع النشطاء وتكبت الحريات وتسجن الأطفال وتسحل الفتيات وتلقي داخليتها الناشطات في الصحراء وسط ظلام الليل، دون أي مروءة أو نخوة. قاطعوا.. لا تدعموا دولة يحتفي نخبتها وإعلامها والقائمين عليها بمنحة ملابس مستعملة قادمة من الإمارات ليكتسي بها أطفال مصر، رغم وعود رجلها الأول بأن بلادنا أم الدنيا ستكون «أد الدنيا». قاطعوا.. ارفضوا حكومة تدعي أنها جاءت لمحاربة الإرهاب والقضاء عليه، بينما تتفنن في إرهاب معارضيها والتنكيل بهم والتجسس عليهم وعدم مراعاة الحياة الشخصية للمواطنين، بعدما فشلت في حماية جنودها ومنشآت الدولة من هجمات جماعة إرهابية تدعي «أنصار بيت المقدس». قاطعوا.. لا تشاركوا في الاستفتاء علي دستور يمهد لعودة حكم عسكري طالما عاني منه المصريون علي مدار 60 عاما، قبل أن يخرجوا في 25 يناير 2011 ليقولوا له كفى، نريد حاكما مدنيا للبلاد. قاطعوا.. تجنبوا التمهيد لدستور يقر محاكمة المدنيين عسكريا، ويحصن وزير الدفاع كما لو كان إلها، ويجعل من الجيش دولة داخل الدولة وسلطة عليا لا تفوقها سلطة علي أرض الوطن. قاطعوا.. لا تمنحوا شرعية لدستور يؤيده رجال مبارك والمنافقين وأصحاب المصالح والآكلين علي كل الموائد، ممن أفسدوا الحياة السياسية والاجتماعية وخربوا البلاد علي مدار العقود الماضية، حتى صارت الثورة ضدهم هي الحل، قبل أن يأتي النظام الحالي ليفتح لهم باب العودة من جديد. قاطعوا.. لا تسعوا لإقرار دستور في ظل سلطة لم تعد للصحافة أو للصحفيين في وجودها حرمة، سلطة تكبت الحريات وتقصف الأقلام وتعتقل أصحاب الرأي وتغلق الصحف والفضائيات بقرار أمني، ما يعد عودة عشرات السنين إلى الوراء، وتجاوزا لحق أكتسبه المصريون بعد ثورة 25 يناير. قاطعوا.. لا تشاركوا فيما يبدو أنه مسرحية عبثية بالاستفتاء علي دستور معروفة نتيجته مسبقا، في ظل توجه كافة مؤسسات الدولة نحو إقراره والدعاية له، بما لا يمنح المواطن فرصة لإبداء رأيه بالرفض والإعلان عن ذلك، وهو ما تأكد بالقبض علي ثلاثة من أعضاء حزب «مصر القوية» الأسبوع الماضي خلال تعليق ملصقات لرفض الدستور. قاطعوا استفتاء الدستور، لا تشاركوا في القضاء علي ثورة 25 يناير، لا ترسخوا للحكم العسكري، انفضوا عن أنفسكم عار المساهمة في خروج دستور يحاكم المدنيين عسكريا للنور، قاطعوه واسلكوا مسارا مختلفا ننقذ به ثورتنا التي خرجنا من أجلها للشوارع قبل ثلاثة أعوام، لا تشاركوا في قتلها، انبذوا دستورا يأتي ومطالب الثورة من عيش وحرية عدالة اجتماعية وكرامة إنسانية في أدنى معدلاتها، قاطعوه واعترفوا .. كلنا مخطئون. وأخيرا.. استعير مقولة الشاعر الثوري عبد الرحمن يوسف، الذي شارك في ثورة 25 يناير، وكان من أشد المعارضين لنظام الإخوان وحكم الرئيس المعزول محمد مرسي، ودعا للخروج في 30 يونيه: «هذا الدستور مصيره تحت أحذية الجيل الجديد.. ولن نقبل به أبدا.. وعيشوا في أوهامكم أيها العجائز.. لن يمر هذا الدستور.. وهذا الانقلاب العسكري سيسقط.. بعز عزيز أو بذل ذليل.. شاء من شاء وأبى من أبى».