الأستاذ يحيى حقي كتب مرةً عن إيمانه العميق بوحدة الفنون، وكان يقصد أن لا قطيعة بين فنٍ وبين آخر، وفهم إبراهيم أصلان الأمر على النحو الذي يخصه ككاتبٍ؛ فكتب عن معاناته مع وسيط اللغة الفقير والحاجز -من وجهة نظره- الذي يمنعه من توصيل ما يجول بذاكرته البصرية بالأساس للقارئ، مما جعله ينهل من الإمكانات التعبيرية الموجودة في الفنون المرئية كالسينما والتصوير الزيتي وغيرهما؛ لإثراء وسيط اللغة المُرهق بالنسبة له. مثل ما فهم أصلان؛ فهمه بابلو بيكاسو حين قال "إذا أردت تعلم التكوين في الرسم؛ فإن عليك بدراسة مسرح مايرهولد". هناك فهمٌ آخر لنظرية وحدة الفنون بدأ في التشكل من آواخر الستينيات وحتى الآن، أنجب هذا الفهم ما أصطلح على تسميته بفن ما بعد الحداثة Post-modern art أو بالفن المعاصر Contemporary art.. الجملة السابقة تفتح تساؤل هام وبديهي: هل هناك فن قديم، وفن حديث، وفن معاصر؟ طب قبل النقاش مع هذا التساؤل دعنا نحاول توضيح هذا الفهم الآخر، الذي جاء إلينا بالفن المعاصر. الحقيقة أن بعض الفنانين لم يكتفوا فقط بالسكب في أرواحهم بزاد الفنون الآخرى لزاد فنهم الخاص، بل قاموا بسكب ما في إناء فنين أو أكثر على بعضهم البعض: أي قاموا بكسر الحاجز الوهمي بين الفنون ومزجوا بينهم وبين وسائطهم وبين إمكاناتهم التعبيرية؛ فصنعوا فناً عصي على التصانيف التقليدية متحرر من أكبر قدرٍ ممكن من القيود.. يعني ماذا أيضاً هذا الكلام الملظلظ؟ طيب بالراحة.. هذا الكلام يعني لو أنا مثلاً فناناً كنت أرسم بالزيت قبل آواخر الستينات ومشهور ومثل الفُل، ثم سمعت عن الفن المعاصر هذا؛ فقررت المغامرة وخوض التجربة؛ فسأقوم بعمل معرض جديد سأمزج فيه مثلاً بين: الرسم بالزيت -وسيطي الفني الأصلي- والتصوير الفوتوغرافي، وسأكتب على الجداريات المعلقة عليها اللوحات جمل بخط معين أو برسم معين خاص بي، وسأضع بعد الأواني الفخارية في أماكن مختارة بدقة في صالة العرض مع تشغيل جملة موسيقية تتكرر طوال الوقت؛ فيتم التعبير عن ما أريد التعبير عنه بأستخدام كل هذه الفنون مجتمعة مع بعضها في وحدة؛ فيخرج لنا عمل فني لا يمكن تصنيفه ويكون قد تحرر من قيم التصوير الزيتي، وفي نفس الوقت إذا فقد أي عنصر فن مما ذكرته يكون التعبير عما أريد قد أختل.. طيب ممكن مثال؟! طبعاً ممكن جداً، ومن مصر كمان أنظر مثلاً لهذه الصور الملتقطة لهذا العمل الذي يصفه صاحبه باسم يسري بالآتي: "قمت بتنفيذ هذا العمل المركب خلال شهر مارس الماضي 2011 أثناء عملي كفنان زائر بجامعة ولاية كانساس بالولايات المتحدة. أسم العمل: إجلالاً للثورة المصرية حبر أكريليك على الحوائط، تماثيل من طمي الحجر الأبيض مارس 2011" لينك لباقي الصور الملتقطة للعمل الفني، وللصفحة الرسمية لباسم https://www.facebook.com/media/set/?set=a.10150180420532257.293480.21498602256&type=3 وخذ بالك أنه كتب أسم العمل.. طب ما هو كُنه هذا العمل.. فن، وفقط فن :-) ثواني.. ثواني، ولا تأخذنا في دوكة.. ما السينما فن يجمع بين فنون الأداء والفنون البصرية.. لماذا لا يسمونه بالفن المعاصر؟! النقاش في هذا التساؤل مرتبط بالنقاش في التساؤل الموجود أعلى في المقطع الثاني من المقال، وأنا عندي معاد بعد قليل، وأنت حبيبي ولا أستطيع كروتاتك.. سلام مؤقت لإسبوعٍ مقبل :-)