"أنا مواطن مصري من قلب وعمق سيناء ولن نكون في يوم من الأيام نسخة من القاهرة أو الإسكندرية أو الجيزة أو الشرقية، إنما سوف نظل نسختنا نحن داخل سياق الدولة المصرية التي تقوي في نظري من نسيج الدولة بشكل كبير بدلاً من سياسة التعامل معنا علي أننا أعدائها علي طول الطريق" بتلك الكلمات تحدث الناشط والروائي والمدون السيناوي مسعد أبو فجر عن نفسه وأهله الإثنتي عشرة قبيلة سيناوية ممن يمثلون جزءا عريضا من الوطن، خلال الندوة التي نظمتها جريدة "الوادي" في قاعة فندق "هوارايزون بيراميدز" بالهرم مساء أمس. وأضاف أن تلك القبائل هي اجمالي سكان سيناء التي كانت وحدها الضامن الحقيقي لهوية سيناء علي مدار خمسة آلاف عام ورأس الحربة الكبري للجيش المصري في مواجهة اسرائيل خلال معركة استرداد الارض المصرية، فضلاً عن مشاركتهم في ثورة 25 يناير من أجل تحرير الارض من رؤوس الفساد والإستبداد، مشيرا إلي قرية المهدية بمدينة رفح بصحراء سيناء. أولي القري المصرية خروجاً في تظاهرات ثورية صباح الخامس والعشرين من يناير، لإسقاط نظام مبارك ودولة العسكر والإنتقال إلي دولة التعددية والديمقراطية المدنية، وبالتالي فإن المأزق الأكبر الذي يهدد الكيان السيناوي هو ما تردده النخبة المصرية من أن تلك القبائل ترجع في أصولها إلي شبه الجزيرة العربية رغم أن العديد من البرديات الفرعونية تؤكد علي وجودنا في سيناء من آلآف السنين بل وتصف أهالي سيناء بأنهم عرب بني اسماعيل منذ اكثر من ثلاثة آلاف عام. وأعلن الناشط السيناوي أنه سيبطل صوته خلال جولة الإعادة المزمع إجراؤها خلال يومي السادس والسابع عشر من الشهر الجاري، فالمرشح الرئاسي أحمد شفيق يتعامل مع ملف سيناء وكأنه الوحيد الذي يملك تعريفاً نهائيا، أزليا، أبديا للنهوض بالهوية المصرية ومن ثم فإنه من زمن المطلقات وليس من زماننا ولا يمت بصلة إلي مجتمعنا. وفي المقابل نري الدكتور محمد مرسي، مرشح حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، يؤكد مرارا وتكرارا أنه يسعي نحو فتح وتحرير سيناء واستكمال الإسلام هناك وكأنها بلا اسلام مثلاً، وهذا سبب ابتعاد كثير من السيناويين عن التصويت له في الجولة الأولي من الإنتخابات الرئاسية. وأرجع أبو فجر أسباب تسمية ابنته "رنات" إلي هذا الإسم إلي البحث عن اسم يُكتب بكل اللغات التي يعرفها دون أن يسقط منها حرفاً واحداً أو كما أطلق عليه البعض "اسماً عولمياً" وأن يكون فيه عرقاً بدوياً خالصاً حتي إذا رحلت بعيدا تكتشف أنها ابنة البادية المصرية القديمة التي تبدأ من جبال الأطلس حتي جبال أفغانستان وهي أصل الشرق الأوسط تماماً كالبترول بالنسبة للبنزين. وأكد فجر أنه يشعر بالشفقة كثيرا عندما يقرأ تصريحات الفريق أحمد شفيق بشأن استكمال هوية أهالي سيناء، ذات الإحساس ينتقل إلي د.محمد مرسي الذي يردد أيضاً أنه قادم لإستكمال الدين الإسلامي لبدو سيناء علي الرغم من أن عمرو بن العاص حينما جاء لفتح مصر كان معه أكثر من ثلاثة آلاف جندي سيناوي من مختلف قبائلها وبالتالي فلا ينقصهم الإسلام وتكفيهم حسبما يقول شهادة رب العزة سبحانة وتعالي مخاطباً نبي الله موسي عليه السلام "اخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوي" في إشارة واضحة وصريحة إلي سيناء التي تعد من أكثر مناطق العالم قداسة ولا تحتاج إلي مزيد من القداسة، هذا الخطاب الرباني الذي لم يوجه إلي النبي محمد صلي الله عليه وسلم حينما دخل مكةالمكرمة. وتسائل المدون السيناوي ما إذا كان الرئيس القادم سيعترف بالقبائل السيناوية الإثنتي عشرة أم أنه يسعي مثل من سبقوه نحو ثروات سيناء المعدنية فحسب، مؤكدا أنه لن تتقدم مصر إلي الأمام إلا إذا نظرت بجدية من شباك الإثني عشرة بوابة، فهذا هو الباب الرئيسي لسيناء الذي لابد من الإعتراف بثقافتهم وتميزهم الحضاري أولاً ثم الإنتقال بعد ذلك إلي ما يهددهم من مخاطر كبري تهدد مصر بأسرها. وأولي هذه التهديدات كما يسردها تكمن بصورة كبيرة في مشكلة قطاع غزة، تلك القضية المصرية الكبيرة التي لا تختلف كثيراً عن أزمات منطقة شبرا حسبما يروي، وأول ضربة حقيقية وقعت لاهالي سيناء كانت حفر قناة السويس التي عزلت سيناء تماماً عن العالم الغربي وقطعت الإتصال به مروراً بثاني الضربات الموجعة التي جاءت في عام 48 بتأسيس دولة اسرائيل وهو ما حوّل سيناء إلي ما يشبه "الزنزانة" وكأنها قطعة أرض غير مصرية. هكذا كان يتعامل نظام مبارك مع سيناء بنظرة اقرب ما تكون إلي "العزل" منها إلي "المصرية" وهو ذات المأزق الذي يقع فيه كلا المرشحين الرئاسيين الذين يتعاملون مع المكان دون دراية بإنسان المكان الذي لايسعي نحو دخول الكليات الحربية بقدر الهم الأكبر لمعظم السيناوية أن يكونوا مواطنين مصريين درجة أولي، لهم حقوقهم وعليهم واجباتهم الكاملة وليس من العقل أو الحكمة أو الإنسانية أن يكون مشروع تنمية سيناء، وشاغل السيناوي الأكبر أن يكون ضابط مخابرات؟ وطالب أبو فجر بالتفرقة بين النظرية الإسلامية وتطبيقاتها التي تختلف في تجلياتها السياسية من عقول السلف والخوارج والشيعة وبين فهم الحنابلة والإمام علي رضي الله عنه مثلا، ووجود المرشح الرئاسي د.محمد مرسي، بن الحضارة الإسلامية ووليد مأزقنا التاريخي الذي أفرز منه شخصا لا يفهم تطبيقات وتجليات الدين الإسلامي حينما يُطبق علي أرض الواقع. في الوقت ذاته لا يفهم المرشح الرئاسي الأخر "أحمد شفيق" معني الهوية السيناوية المصرية التي يحتكمون فيها إلي أعرافهم وقيمهم الحضارية العريقة وهي بمثابة جزء أصيل من أصولهم الدينية العتيقة، وكما قال الله تعالي "خذ العفو وأمر بالعرف واعرض عن الجاهلين"، مشيرا إلي أخطر ما يواجه تلك التجليات السياسية للنظرية حال التطبيق واقعياً التي ينبغي علي إثرها التفرقة بين تجليات الإسلام في العصور الوسطي وبين تجليات اليوم، فقديماً كانوا يفرضون"الجزية" علي أصحاب الديانات الأخري غير الإسلامية مقابل السكن والتأمين، لكن هذا المفهوم تحول مع مرور السنوات إلي مفهوم "المواطنة" الحق الأصيل لكل من يعيش علي أرض مصر. ووجه الروائي السيناوي في ختام كلمته التماساً إلي أماني الوشاحي، الناشطة الأمازيغية بالإعتذار إلي عظماء الحضارة الإسلامية الذين آتوا بكل هذا الخير العظيم إلينا اليوم "نعمة الإسلام" قبل عصور الظلام الوسطي، بعد أن أساءت إلي الرموز الإسلامية بصورة كبيرة أمثال عقبة بن نافع وطارق بن زياد، هؤلاء الذين كانوا دائماً ما يوصون بتطبيق النظرية الأسلامية بكل تجلياتها السياسية، قبل دخول أي بلد ألا يقطعون شجرة أو يقتلوا طفلاً أو شيخاً أو إمرأة، كما من حقه عليها أن يعتذر لها عن مزايدات آباءه وأجداده تجاه بني جلدتها الأمازيغ. وفي سؤال أخير حول ما تمثله القبائل السيناوية والأحكام العرفية من اخلال بدولة المؤسسات الجديدة التي خرجت الملايين من أجلها في شوارع وميادين مصر خلال ثورة 25 يناير، تلك القبائل التي ربما تكون بمثابة مؤسسات قائمة بذاتها أكد الناشط السيناوي علي أهمية المشاركة بداية في صياغة أسس التقدم في مصر بوجه عام وفي سيناء علي وجه الخصوص عبر الجلوس مع تلك القبائل علي طاولة واحدة من الحوار الوطني البناء لصياغة سؤال التقدم والنهوض بسيناء، بناءا علي أحقية الوجود التاريخي علي أرضها منذ آلاف السنوات، بدلاً من سياسة الدفع أمام القضبان وتحويلها إلي زنزانة علي أهلها علي الطريقة المخابراتية الأمنية المباركية الصارمة التي لا تحل مشكلة بل تزيد من اشتعال وتأجيج الازمات وعزل مصر علي أهلها.