معاناة السوريين لم تنته بنجاحهم فى دخول الأراضى المصرية، هاربين من رصاصات نظام الأسد وقذائفه، لكنها استمرت عقب نزوحهم إلى مصير مجهول فى أرض غير أرضهم، يطاردهم شبح الجوع والبرد، ما دفع العديد منهم للتسول للحصول على جنيهات تعينهم على الحياة. افتتح عدد من السوريين الذين نجحوا فى الوصول لمصر بأموالهم مقاه لتوفير فرص عمل للاجئين للابتعاد عن مهنة التسول، لكن المحال والمقاهى التى افتتحت لم تكن كافية لاستيعاب جميع الهاربين من نيران الأسد فى سوريا. المتسولون السوريون ظاهرة تستوقف المواطن وسط تخاذل موقف الحكومة. وسط برودة الشتاء القارص، وفى أحد مقاهى المريوطية بضواحى الجيزة، أقبل الطفل محمد الحلبى 11 عاما وشقيقته الصغرى آية 6 سنوات، على رواد المقهى طالبين المساعدة ليتمكنوا من شراء طعام لهم ولأسرتهم، بعد هروبهم لمصر من القتل والتدمير الذى يرتكبه نظام الرئيس السورى بشار الأسد بحق الشعب. وقف الطفلان أمام إحدى الطاولات فى مقهى يتردد عليه السوريون، قال محمد: «نحن من سوريا، هربنا إلى مصر، ونريد المساعدة، نتسول لحاجتنا للمال الذى يعيننا على العيش»، فى حين وقفت الطفلة الصغيرة فى خجل لم تنطق بأى كلمة سوى أنها من حلب. نفى «محمد» تلقى إعانات من جمعيات الإغاثة، مؤكدا أنه وعددا من السوريين يتسولون من رواد المقاهى والمساجد ويطوفون فى الشوارع، طالبين المساعدة حتى يطعمون أسرهم، فى حين يقف العديد منهم بجواز سفره طالبًا العون من المارة فى الطريق، بعد سوء أوضاع السوريين الذين فروا من بلادهم، ولم يفكروا فى تلك اللحظة، وكان همهم الأول النجاة من الموت على يد شبيحة «الأسد». أمام أحد مساجد الدقى، وقف أحد السوريين يحمل جواز سفر فى يده اليمنى، مرتديا جلبابا داكن اللون، طالبًا العون من المصلين عقب انتهائهم من أداء الصلاة، ورفض «الرجل» الحديث ل«الصباح»، مكتفيًا بالقول «أنا من إدلب المنكوبة». وفى الحى العاشر بمدينة نصر، جلس طفل سورى صغير يبيع العسلية، بعد أن فشلت قدماه على حمله بسبب المعاناة التى يتعرض لها جراء الطواف فى منطقة السوق بحثا عمن يشترى منه عسلية ببعض الجنيهات التى تعينه هو وأسرته على العيش فى مصر. وينتشر أمام المراكز التجارية بحى مدينة نصر الراقى، المتسولون من الأسر السورية، الذين يجلسون على الرصيف انتظارًا لرواد المراكز لطلب المساعدة بلهجتهم السورية. وفى مدينة 6 أكتوبر، حيث ينتشر السوريون، تختلف أساليب التسول، فمنهم من يبيع المناديل، ومنهم من يسير قرب الجامعات، ومنهم من يترك كل هذا ليعمل ويوفر قوت يومه، ففى العديد من المطاعم السورية يعمل شباب سورى حتى يوفر مصاريف المعيشة وإيجار المسكن. وتحاول العديد من الجمعيات والحركات السورية احتواء ظاهرة انتشار المتسولين السوريين فى مصر، وأكد أحمد اللاذقانى، عضو حركة مرابطون لأجلك سوريا، أنه عندما التقى أحد الأطفال السوريين يتسول أمام أحد المراكز التجارية بمدينة نصر، سأله عن حاله ولما أخبره عن حاجته للمال، قال له «الحركة ستوفر لكم مبلغ 800 جنيه شهريا بدلا من التسول، وهو ما رفضه الطفل، معللا ذلك بأنه يكسب أكثر من هذا المبلغ». وقال أسعد. س، أحد المتسولين السوريين: «كنت أمتلك متجرا صغيرا يعيننى على العيش فى سوريا، ولما أردت بيعه لم يشتره أحد، بسبب مخاوف قذفه من قبل النظام، لهذا تركت جميع ممتلكاتى للنجاة بحياتى، ولم أجد ما يعيننى على العيش، سوى التسول». ويقول أبوأحمد السورى، صاحب أحد المطاعم السورية بأكتوبر: «المطاعم تقوم بتوفير فرص عمل للشباب السورى، حتى لا يلجأوا إلى للتسول»، مضيفًا: «حتى من نجح فى دخول مصر بأمواله، فقد أمواله، ولجأ إلى التسول، الأمر الذى دفعنا للمشاركة لافتتاح مطعم حتى لا نلجأ للتسول». نزحت آلاف الأسر السورية إلى مصر مع استمرار هجوم النظامى السورى بالقذائف والمقاتلات على المدن السورية، التى لحقها دمار جراء قصف النظام لها، وتركت الأسر السورية بلادها هربا من الموت، الذى يحصد أرواح العشرات يوميا، غير أن من نجح منهم فى الوصول لمصر يواجه مصيرا أصعب من الموت وهو الجوع والبرد القارص. وطالب «سوريون» بإحكام الرقابة على الجمعيات المشرفة على توزيع الإعانات على الأسر السورية، حتى لا يبقى سورى بلا طعام أو مسكن.