«أم جابر»: سامحنى يا ابنى .. أنا اللى صحيتك الصبح عشان تموت «ده بإذن الله آخر بوست هكتبه لحد ما أرجع بكره من شارع عيون الحرية.. دا لو رجعت، أنا نازل علشان أعز صاحب ليا اللى شيلته بإيدى وهو مقتول، أسامة أحمد، ونازل علشان عيون أحمد حرارة، نازل علشان أرجع الثورة اللى راح علشانها آلاف الشهداء.. نازل علشان حمو طه وأحمد يوسف صحابى اللى ماتوا فى بورسعيد، نازل علشان بلدى ترجع ليا تانى.. وبالنسبة لأصحابى إنتوا أعز أصحاب.. أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله»، تلك كانت آخر رسالة تركها جيكا البردعاوى، أو جابر صلاح جابر، أول شهيد لأحداث محمد محمود فى ذكراها الأولى.. جابر صلاح جابر، الشهير بجيكا البرادعاوى، هو الأخ الأصغر لأربعة أخوة، طالب فى الصف الثالث الثانوى بمدرسة الخديو إسماعيل، أدمن صفحة «معا ضد الإخوان»، وعضو بحركة 6 إبريل بمنطقة عابدين، شارك فى ثورة يناير وأصيب فى أحداث العباسية. طلقات خرطوشية قال محمد صلاح جابر، الشقيق الأكبر ل«جيكا» ل«الصباح»: أمر جابر انتهى، وأطباء الطوارئ، أكدوا موته إكلينيكا نتيجة إصابته بأربع طلقات خرطوشية، اخترقت جسده، ونفذت إحداها إلى المخ، فيما استقرت 3 طلقات بالرقبة تسببت فى تهتكها تماما، ونفذت إحداها من الحنجرة إلى الحبل الشوكى، فيما استقرت رصاصة أخرى بجوار القلب، وأصيب جراء ذلك بنزيف حاد بالمخ. «أم جابر» .. أم الشهيد سيدة وجهها شديد البياض، قلبها يكسوه السواد، ملأت عيونها الدموع، تصرخ بكل ما لديها من قوة «مش هتحرك من هنا، مش هتنقل، وهصلى وأنا قاعدة فى مكانى .. ابنى يا ناس». كل ما تعرفه أنه كان لديها بالأمس، شاب ضحوك، يلهو ويلعب معها، ثم نام، لتراه اليوم غارقا فى دمائه، لا يقدر على النطق، وكأنها كانت تعيش حلما جميلا طيلة ال17 عاما الماضية وهى عمر جابر «ابنها الأصغر» لتستيقظ اليوم على وفاته. تقول بصوت تعالت خلاله نبرة الصدمة أكثر من الحزن، والحلم أكثر من الحقيقة «أنا السبب، أنا اللى صحيته الصبح عشان يروح المدرسة، أنا اللى صحيته، مكنتش أعرف إنى بصحيه لموته»، وذلك بعد أن علمنا أنه عاد مساء يوم الاثنين 19/11، من شارع محمد محمود، وتناول العشاء مع والدته وتبادلا اللعب والضحك قليلا، ثم خلد إلى نومه ليستيقظ على مدرسته صباحا، مرورا بشارع محمد محمود، وأثناء إنقاذه أحد زملائه الذين سقطوا على الأرض ينال جابر شر جزاء على مساعدته لزميله، ليصاب بعدة طلقات نارية فى مناطق مختلفة من جسمه، ويتم نقله مباشرة إلى مستشفى قصر العينى. وتضيف أم جابر: «قبل الأحداث رفض والده نزوله، وأخذ منه شنطته، وحبسه فى المنزل، فما كان منه إلا أن دخل إلى غرفة والده يستعطفه ويقبل يديه ويسترضيه للنزول، قائلا له أرجوك متزعلش منى.. أنا مش هروح عند الضرب.. أنا رايح المدرسة.. ولو رحت فأنا بانقذ أصحابى وبس .. سامحنى يا أبويا»، صاحب العمل .. شهد مستشفى قصر العينى زحاما شديد أمام «غرفة «جيكا»، إلى أن ظهر سيد حامد صاحب محل الدهانات الذى كان يعمل به جابر، حيث كان يعمل فى هذا المكان منذ نعومة أظافره، رافضا أن يصرف عليه أحد، مصمما على تكفل نفسه بشكل كامل، ومع ذلك كان يدرس ويحصل على أعلى الدرجات والتقديرات، قال بصوت متقطع، مزقته الدموع على فراق جابر «مكانش فيه حد زى جابر فى صدقه وأمانته، ولا هيبقى فيه، الوحيد اللى كنت ممكن أستأمنه على المحل والفلوس، وكل حاجة، ومحدش عمره اشتكى منه، وللأسف مكنتش أعرف إنه هينزل محمد محمود، لو كنت أعرف كنت منعته ولو بالقوة، بس والله ما كنت أعرف». قتل جزاء إنقاذ صديقه مغلقا المصحف الذى بيده، ومحاولا الحديث عما يعرفه قال يوسف على، البالغ من العمر 20 عاما، إنه تعرف على جابر منذ بداية ثورة يناير، وقررا النزول معا يوم الاثنين الماضى للتظاهر فى ذكرى محمد محمود، وبقى معه حتى الثانية عشرة بعد منتصف اليوم وعلم أنه بعد ذلك جاء فى صباح الثلاثاء وأصيب فى العاشرة صباحا. ولكن يحيى خالد عضو بحركة 6 إبريل زميل «جيكا» قال إنه شاهد، مضيفا: «فى حوالى الساعة العاشرة صباح الثلاثاء شاهد جيكا زميلا لنا يقع على الأرض، بسبب الضرب فجرى عليه ليأخذه، وقام ضابط بالتصويب على جابر فقتله، وبعدها بحاولى ربع ساعة نقلناه إلى مستشفى الطوارئ»، مضيفا: «لم يكن بالقرب من وزارة الداخلية ولم يطلق المولوتوف عليها، ولم يفعل شيئا، فقط اقترب لينقذ زميله. طوارئ قصر العينى: القاتل يريده وحده وصف الدكتور محمد شهاب، نائب مدير مستشفى استقبال طوارئ قصر العينى، حالة «جيكا» ب«المنتهية»، ولم يكن من الممكن عمل أى شىء لها، مؤكدا أن ما حدث لجابر «فعل إجرامى بحت»، وأن من أطلق عليه الرصاص يريده هو بعينه فمن الواضح أن الإطلاق تم من مسافة قريبة جدا، فالأمر ليس بالعشوائى. ودلل على ذلك بأنه ليس هناك أى حالة حتى الآن سوى جابر أصيبت بالخرطوش، ولو الأمر عشوائى لكانت هناك إصابات أخرى تأتى بإصابة الخرطوش. وأوضح شهاب أن التقرير المبدئى للمستشفى لا يمكن أن يثبت شىء لأنه قانونا لا يذكر التقرير سوى أنه مات بسبب دخول جسم غريب فى جسم المصاب أو المتوفى، مشيرا إلى أن الطب الشرعى هو المخول بالتفاصيل، وتوضيح سبب الوفاة، وإخراج الطلق من جثة المتوفى، وهو التقرير الذى يعول عليه فى التحقيقات، وليس التقرير المبدئى لمستشفيات الطوارئ.