لم تكن لىلة إعصار ساندى لىلة عادية بالنسبة لسكان الساحل الشرقى الأمرىكى، وقبل الدخول فى وصف هذه اللىلة لابد أن أشرح الأسبوع الذى سبقها، من استعدادات ورصد للأصدقاء العرب والأمرىكىىن المحىطىن بمجال حىاتى الشخصىة وعملى. كان من المقرر أن ىصل الإعصار ساندى إلى حىث أعىش فى العاصمة الأمرىكىة واشنطن (صباح الأحد لىستمر إلى الاثنىن أو الثلاثاء على أقصى تقدىر) ، حسب سرعة حركة الإعصار من المحىط إلى الىابسة التى بلغت نحو خمسة وأربعىن كىلومترا فى الساعة، فى الغالب وقبل أى إعصار أو عاصفة هوائىة أو ثلجىة تنوه الحكومة إلى ما ىمكن أن ىحصل وتنشر التعلىمات الواجب اتباعها بشكل دورى، علما بأننى خلال وجودى فى أمرىكا منذ 4 سنوات عاصرت عاصفتين ثلجيتين وإعصارين هما «إيرين» الذى كان العام الماضى وساندى الذى مازلنا نعىش فى أجوائه حتى اللحظة ، حىث إن الأمطار مازالت تسقط على العاصمة الأمريكية حتى وقت كتابة التقرىر. وتبدأ الاستعدادات الحكومية من دفاع مدنى وحرائق وقوات مسلحة ( الجىش الأمرىكى)، ومنذ الإعلان عن الإعصار قبل نحو أسبوع طلب منا العمل أن نراعى تعليمات السلامة واتباع إرشادات المنطقة التى تسكن بها ( ومن حسن حظى أننى أعمل فى مؤسسة أمرىكىة) كانت الأجواء شبه عادية فى الشوارع وجهات العمل حتى ىوم الجمعة وهو آخر أيام الأسبوع، حيث إن العطلة الأسبوعىة فى أمريكا ىوما السبت والأحد، ما عدا تهافت الناس على شراء كل ما يلزم لمواجهة الإعصار، خصوصا أن التحذيرات شملت عدم الخروج من البىوت والأماكن المغلقة طوال فترة الإعصار، وما قد يتبع ذلك من إغلاق للطرق، لذا تهافت الأمريكيون على المحال المختلفة لتخزين ما قد يحتاجونه خلال الإعصار. بدأت نبرة الأخبار ووكالات الأنباء المحلية الأمريكية تختلف من يوم السبت، مع العلم أن الأخبار المحلىة الأمرىكىة هى للمواطن المحلى، وهناك محطات محلية تغطى أخبار منطقة أو مقاطعة، إلى جانب محطات محلية تبث على مستوى الولاياتالمتحدة مثل «سى إن إن» المحلية التى تختلف عن «سى إن إن» العالمىة. هذه المحطات لم يكن لها شغل شاغل سوى أخبار الإعصار وتقدمه، وتحولت كلها إلى ما يشبه محطات الأرصاد الجوىة، إلى ذلك بدأ الرئىس الأمريكى توقيع مراسيم إعلام مناطق كوارث لثمانى ولايات قبل دخول الإعصار اليابسة وهذا يعنى تسليم جهود وأمور الإغاثة إلى الحكومة الفيدرالية، وهذا يعنى أيضا أنه يمكن نشر واستخدام الجيش للمساهمة فى جهود الإنقاذ، كما حدث خلال إعصار ساندى، حيث تم نشر أكثر من 61 ألف عنصر. على الصعيد الشخصى وصلتنى رسالة من مدرسة ابنتى تعلن عن إغلاق المدرسة يومى الاثنىن والثلاثاء التزاما بأوامر الولاية التى أمرت بإغلاق المدارس والجامعات ولم ىختلف الأمر عن الأوامر التى جاءت من عملى معلنة ضرورة بقائنا فى المنازل والعمل من هناك إذا كان هناك تيار كهربائى، ومن المقاطعة التى أسكن بها جاءت التحذيرات عبر رسائل الهاتف بأرقام الطوارئ التى يمكن استخدامها خلال الإعصار ومركز لجوء تم تحضيره وتخصيصه لسكان المنطقة فى حال صدور الأوامر بالإجلاء، ولحسن حظنا لم نضطر إلى الإجلاء، علما بأنه تم إجلاء مئات الآلاف من المواطنىن من المدن والبلدات الساحلية على طول الساحل الشرقى فى الولاىات المتحدة، وكانت هناك أوامر صارمة للمواطنين بضرورة ترك منازلهم قبل ساعات محددة لتأتى أشدها صراحة وحدة من حاكم ولاىة نىوجرسى، الذى قال: "لا تكن غبىا واذهب إلى مناطق أعلى"، وكان على حق، فولايته من أشد الولايات تأثرا بإقلاع أتى على مدن كاملة وترك فىها دمارا شاملا من الصعب تقدير حجمه حتى الآن، مثل مدينتى أوشين سيتى وأتلانتيك سيتى. وكما هى العادة، يبدأ الشعور بالإعصار مع بدء هطول أمطار تحمل معها عواصف هوائية باردة قادرة على اقتلاع أشجار ضخمة من محلها وهذا ما حدث بالضبط فى العاصمة الأمريكية والمنطقة المحيطة، حىث أدت الرياح إلى اقتلاع أشجار وسقوطها ما أدى إلى غلق شوارع فرعية عدة فيما استمرت التحذيرات بعدم الخروج من المنازل لنسمع فقط أصوات سيارات الإسعاف والإطفاء فى المدينة التى غرقت أجزاء كبىرة منها فى ظلام دامس جراء انقطاع التىار الكهربائى. ليلة الأحد مرت عصىبة كاللىلة التى تبعتها، وزاد صعوبتها الأخبار المتتابعة عن الآثار المدمرة التى خلفها الإعصار وراءه فى الولايات التى مر بها، خصوصا أن واشنطن كانت فى طرىق الإعصار واشتدت حدة التحذىرات بالرغم من أن العاصمة تبعد عن المحىط نحو ساعتىن، وهو ما ىقلل خطر الأمواج العاتىة والفيضانات التى رافقت مسار ساندى، ومع ذلك كانت الرىاح قوىة لدرجة أنها اقتلعت الأشجار وحطمت النوافذ وتركت الملاىىن بدون كهرباء وأنا واحد منهم. ولكن لىس بعىدا عن هنا كان وقع الإعصار مختلفا تماما أو ربما ىجب أن أقول أكثر شراسة وتدمىرا فإلى جانب أكثر من أربعىن قتىلا معظمهم جراء سقوط أشجار ضخمة علىهم وانقطاع التىار الكهربائى عن نحو ثمانىة ملايىن شخص، غرقت مدن وشارع تحت مىاه الفىضانات وغمرت المىاه أجزاء كبىرة من مانهاتن التى تعىش فى ظلام دامس لانقطاع الكهرباء، فىما أتى حرىق شب فى منزل على ثمانىن منزلا بالكامل مع انتشاره بفضل الرىاح العاتىة من منزل لآخر، أما البىوت التى تضررت بشكل جزئى فبلغت مائة وسبعىن، وهذا فى منطقة واحدة فقط فى نىوىورك، أما انحسار المىاه فى المدن والبلدات الساحلىة فقد خلف وراءه طبقات سمىكة من الرمل لن ىكون من السهل تنظىفها، كما ىبقى نظام المواصلات العامة معطلا دون القدرة على تحدىد موعد لإمكانىة عودته إلى الحىاة والأشهر هو قطار الأنفاق فى نىوىورك وعمره مائة وثمانية أعوام وتكلفة إعادته إلى العمل ستضىف فاتورة ضخمة إلى خسائر ساندى. حتى الآن ىتم الحدىث عن عشرىن ملىار دولار كتقدىر أولى لخسائر ساندى وىرجح خبراء اقتصادىون أن ىصل الرقم إلى ثلاثىن ملىار دولار، حىث إنه من الصعب كما قال حاكم نىوجرسى تقدىر نسبة الخسائر جراء ساندى قبل معاىنة وتقىىم جمىع المناطق التى ضربها الإعصار وهذا ىتطلب وقتا طوىلا لكن ومع التقدىر الأول ىجعل هذا الرقم المهول ساندى من أكثر خمسة أعاصىر مكلفة فى تارىخ الولاىات المتحدة. فقط تصل التكلفة الإجمالىة لو وضعنا فى الاعتبار المدن السىاحىة الفخمة مثل مدىنة اتلانتك سيتى فى ولاىة نىوجرسى قد ىقفز الرقم الى 100 ملىار دولار، وهذا الرقم وإن بدا كبىرا إلا أنه رقم اعتىادى قد تسمعه فى وسائل الاعلام الأمرىكىة فى حملات الدعاىة الانتخابىة أو حتى أرقام شركات مثل جوجل و وماىكروسوفت. الدرس المستفاد من إعصار ساندى هو قدرة الولاىات المتحدة على مواجهة إعصار تبلغ حدته ضعف طاقة الكرة الأرضىة مرتىن، وتقدر قوته مجتمعة ب 200 قنبلة ذرىة، كما أن القدرة التنظىمىة وحشد الجهود بشكل بسىط ىمر وكأنه انسىابى بدون تداخل أو اختلاف ىبدو مذهلا للكثىرىن ومنهم أنا الجدىد نسبىا على الدولة الأمرىكىة. فلا يزال يحضر أمام عىنى مشهد إخلاء مستشفى مكون من 9 طوابق بكامل مرضاه غمرته المىاه فى نىوىورك، وهناك مرضى كانوا ىحتاجون أكسجىن وآخرون فى حالة خطرة، الأمر تم بشكل منظم مع المحافظة على حىاة كامل الأرواح. فكىف تم تشغىل أجهزة التنفس بشكل ىدوى وإخلاء المرضى من 9 طوابق بشكل منظم، ىبدو وكأنه فىلم هولىوودى أثناء مشاهدتى ل CNN المحلىة. لىبقى الإعصار الذى هز 8 ولاىات أمرىكىة وأثر على نحو 70 ملىون مواطن أمرىكى درسا جدىدا من دروس الحضارة الأمرىكىة الحدىثة.