حثت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية الصادرة اليوم الأربعاء الحكومة والمعارضة في تونس على التعاون سعيًا لعلاج التحديات التي باتت تهدد وتقوض فرص تقدم تونس نحو حكم ديمقراطي حقيقي. وأشارت الصحيفة الأمريكية -في سياق مقالها الافتتاحي الذي نشرته وأوردته على موقعها الإلكتروني اليوم- إلى أن التوترات الجديدة بين الحكومة الإسلامية المعتدلة وأحزاب المعارضة الليبرالية في تونس، والتي أثارتها الموجة الأخيرة من أعمال العنف هناك، بما في ذلك الهجمات على السفارة الأمريكية في تونس الشهر الماضي، حول دور الإسلام وأفضل السبل للتعامل مع من وصفتهم ب"المتطرفين"، إنما تمثل أكبر التحديات التي تشهدها تونس في الوقت الحالي. ولفتت إلى أنه بالرغم من أن تونس لديها أفضل الفرص بين دول الربيع العربي للانتقال والتحول إلى حكم ديمقراطي تام، نظرًا لقيادتها الإسلامية المعتدلة ذات العلاقات الوثيقة مع القوى الغربية، إلا أن أسلوب التعامل مع هذه التوترات فضلاً عن إدراك ما إذا كان الإسلام والديمقراطية يمكنهما التعايش سويًا من شأنه أن يحدد مستقبل تونس.
ورأت الصحيفة أنه منذ فوز حزب "النهضة" الإسلامي المعتدل في انتخابات الجمعية الدستورية (البرلمان) في أكتوبر 2011، وهو يحاول أن يسعى لطمأنة التونسيين بأنه سيحترم القيم الديمقراطية الليبرالية ولن يسعى لفرض الشريعة الإسلامية مطلقًا.
وقالت: "بالرغم من ذلك، أثار موقف حزب "النهضة" الإسلامي المعتدل المتسامح مع التيار السلفي الانتقادات والتي لم تكن من قبل العلمانيين فقط الذين يسعون حاليًا لحشد زخمهم للتغلب على حزب النهضة في الانتخابات القادمة".
ونقلت الصحيفة عن تقرير صدر مؤخرًا عن منظمة "هيومان رايتس ووتش" الأمريكية لحقوق الإنسان قوله: "إن السلطات التونسية بدت غير قادرة أو غير راغبة في حماية الأفراد من هجمات المتطرفين الدينيين، كما انتقد القيود المتزايدة على حرية التعبير، ولاسيما على الفنانين والصحفيين ومنتقدي الحكومة تحت ستار الحفاظ على النظام والآداب العامة".
ورجحت صحيفة "نيويورك تايمز" أن يكون الهجوم الذي وقع على السفارة الأمريكية والذي أضر بصورة تونس، إضافة إلى الجهود المبذولة لإنعاش الاقتصاد التونسي المتعثر، قد أجبر حزب النهضة، الذي سعى لدمج التيار السلفي المتشدد في النظام الديمقراطي، إلى إعادة التفكير في ذلك.
وقالت: "أشار بعض مسئولي حزب النهضة- في مقابلات أجريت الأسبوع الماضي – إلى أنه سيتم محاكمة المتطرفين الذين يمارسون أعمال العنف وذلك وفقا للقانون، وهو ما ظهر الأربعاء الماضي، وقت صدور حكم من محكمة تونسية على زعيم جماعة "أنصار الشريعة" بالسجن لمدة عام بتهمة التحريض على الهجوم على السفارة، كما اعتقلت السلطات 144 شخصًا.
ومن ناحية أخرى، أوضحت الصحيفة أن مقترحات حزب النهضة الدستورية، التي من شأنها أن تفرض تطبيق الشريعة الإسلامية، وأن تمنح المرأة جزءًا من حقوقها وليس كاملها، أثارت حدة الانتقادات ضده مرة أخرى، معتبرة أن ما وصفته بأنه "مناورات" من قبل قادة النهضة الذين يسعون إلى دمج التيار السلفي في العملية الانتقالية مع الحفاظ على دعمهم السياسي، منح العلمانيين سببًا آخر للشك في مدى اعتدال النهضة.
ونوهت الصحيفة إلى أنه في ظل النظام الديمقراطي الذي باتت تشهده تونس، لم يعد من الممكن استبعاد الإسلاميين من السلطة مهما كانت أخطاؤهم، وهذا ما يدركه التيار الليبرالي الذي شكل ائتلافًا للمعارضة بقيادة الباجي قائد السبسي رئيس الوزراء التونسي المؤقت السابق، الذي خدم في حكومة الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة، والذي له الحق أيضًا في انتقاد أخطاء حزب النهضة.
وخلصت الصحيفة إلى أن أهم التحديات التي تواجه تونس حاليًا ويجب التعامل معها ومعالجتها سريعًا هي: الضغط على حزب النهضة لوضع الدستور الذي يحمي حقوق الشعب التونسي، في ظل نظام عادل يقوم على قدم المساواة ويخلق فرص عمل، فضلاً عن الضغط على العلمانيين لإيجاد أفضل السبل للتعاون مع النهضة لبناء دولة أفضل، وهو ما يتطلب المزيد من التوافق والالتزام تجاه الصالح العام من قبل الجانبين اللذين يتعين عليهما إظهار استعدادهما لذلك في الوقت الراهن.