« مات الجرادْ.. أبتاهُ، ماتت كل أسراب الجرادْ.. لم تبق سيدةٌ ولا طفلٌ ولا شيخٌ قعيدْ.. إلا وشارك، يا أبى.. فى حرقِ أسرابِ الجرادْ ». أبيات عمرها أكثر من نصف قرن، للشاعر الراحل نزار قبانى، تحت عنوان: رسالة جندى فى جبهة السويس، كتبها خلال العدوان الثلاثى، متأثرا بملحمة النضال التى جسدها شعب السويس الباسلة، فأبهرت العالم، وردت عن مصر كيد المعتدين.. أسراب الجراد. السويس.. خط التصدى الأول للعدوان الإسرائيلى، المدينة التى تحترف صناعة المقاومة والثورة، تشتعل فورانا وغضبا، ونارها تحت رمادها، لأن حالها لم يتحرك، رغم ما قدمته لثورة يناير من دماء ودموع. «عامان مرا على ثورة يناير، والسويس تسير للخلف، فالأوضاع الاقتصادية من سيئ إلى أسوأ، والشرطة تستوحش، والناس غاضبون وغضب السوايسة بركان لا يهدأ».. هكذا تحدث الدكتور على محمد على، أستاذ ورئيس قسم الفنون، بجامعة السويس، موضحا أن التاريخ يسجل أن السويس خلال مرتين غيرت خريطة المنطقة، ودافعت عن كرامة وحرية الشعب المصرى والعربى، منذ العدوان الثلاثى، مرورا بحرب يونيو فالاستنزاف ثم أكتوبر، حتى ثورة يناير التى قدمت السويس أول شهدائها. ويقول الدكتور على الشهير بعلى السويسى: إن الثورة فى خلايا السويس و«خريطتها الجينية»، إن صح التعبير، فقد حاصرها الصهاينة مائة يوم بدبابات جيشهم الذى طالما قيل إنه لا يقهر، ولم تستسلم، والآن تشعر المدينة بأنها محاصرة بالتجاهل وتردى مستوى الخدمات وقلة فرص العمل هذا بالإضافة إلى حصارها بالمشكلات الأخرى التى تعانى منها مصر، كمشكلات رغيف العيش وأنابيب البوتجاز، موضحا أن كل هذه الضغوط قد تولد انفجارا فى أية لحظة.. و«إذا انفجر غضب السويس فلا أحد يستطيع احتواءه» على حد تعبيره. ويختتم كلامه باستعراض ما يسميه دور السويس فى ترسيخ التجربة الاشتراكية ووقوفها إلى جانب الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، حيث ولد الاتحاد الاشتراكى من رحم المحافظة، وهكذا كانت ومازالت السويس تصنع الأحداث، تصهر كل الذين يقصدونها فى بوتقتها، فيصبحون ثوارا، سواءً كانوا من أصول جنوبية، قادمين من الصعيد، أو يونانيين وإيطاليين وفرنسيين ممن وفدوا إلى المدينة فتمصروا ولم يغادروا مصر. أما الحاج سيد أبوطالب أمين الحزب الناصرى فيشير إلى أن السويس بصفتها البوابة الشرقية لمصر، كان لابد لها أن تكون مدينة ثائرة، معتبرا أنه فى أحيان كثيرة كانت السويس لا تنتظر المواجهة بل تذهب إليها مثلما حدث خلال العدوان الثلاثى، حين توجه أبناء السويس بالآلاف للوقوف إلى جوار إخوانهم فى بورسعيد. ويضيف أن السويس أشعلت شرارة الثورة ضد النظام السابق منذ هتف ثوارها يوم 21 أكتوبر بميدان الشهداء «النهارده فى تونس بكره فى مصر – يا مبارك فندق جدة فى انتظارك» وذلك قبل الثورة بشهرين. من جهته يقول على أمين، القيادى الوفدى: طابع السويس منذ نشأتها وعبر كل عصورها هو المقاومة، ففى عام 1951 وجه فدائيو السويس ضربة موجعة إلى الاحتلال الإنجليزى، حين دمروا معسكر كفر أحمد عبده بمعداته وأوقعوا بينهم عددا كبيرا من القتلى، ما دفع الاستعمار إلى دك منازل الكفر بالكامل، وبعد هزيمة 1967 سجلت المدينة ملحمة بطولية خلال حرب الاستنزاف، ولولا صمود المدينة وتصديها لهجمات جيش العدو بعد حرب أكتوبر لضاع النصر. ويقول: كل بيت فى المدينة له قصة بطولة، وهذه ليست منة تعاير بها السويس الوطن، لكنه واجب تؤديه، ومن ثم يحق لأبنائها أن يتساءلوا: أين واجب الوطن تجاه السويس؟ موضحا أنه شخصيا يفخر بأن أباه قد كان من المقاومين، ووقع تحت الحصار داخل شركة «شل» حتى تمكن ورفاقه من الخروج. ويرى المستشار أحمد الكيلانى، عضو الأمانة العامة للجمعية الوطنية للتغيير، أن السويس كانت فى صدارة المدن التى ترفض نظام مبارك، ووقفت ضد فساد نظام الحكم وما اقترفه فى حق الشعب، موضحا أن مصر الآن دخلت مرحلة جديدة من المقاومة، وهى مرحلة التنمية والإنتاج، وستكون السويس كالعادة فى الصدارة. ويقول طلعت خليل أمين حزب غد الثورة بالسويس إن تجربة السويس فى المقاومة تجربة فريدة وتجسد معنى عظيما حيث تؤكد أن الإنسان المصرى حين يخوض تحديا يهزمه مهما بلغت درجة صعوبته، موضحا أن شعب السويس يريد من الحكومة أن تهتم بالتنمية فى المدينة، لأن الأوضاع الاقتصادية التى تضيق الخناق على المدينة قد تقود إلى انفجار لن يتمكن القائمون على الحكم البلد من كبح جماحه، لأن المارد الذى نام طويلا خرج من قمقم الصمت، وقرر ألا يعود إليه. ************************************** القبلية الانتخابية تتراجع بعد الثورة استقطبت السويس على مدى تاريخها مهاجرين من كل محافظات مصر، وعاش بها رعايا أجانب، من الذين أسسوا مشروعات تجارية أو صناعية فيها، غير أن المدينة احتفظت بطابعها الخاص الذى تغلب عليه القبلية. ويعد حى الأربعين «الحاضنة» الأكثر استيعابا للمهاجرين، حيث يضم 60%، من الجمعيات الاجتماعية لأبناء الصعيد، وعددها 540 جمعية، وكانت هذه الجمعيات تتحكم فى نتائج الانتخابات البرلمانية والنيابية، قبل الثورة، ما كان يدفع المرشحين، بمن فيهم مرشحو الحزب الوطنى المنحل، إلى «دغدغة» المشاعر القبلية للناخبين، هذا مع العلم بأن الكتلة التصويتية للحى الأكثر شهرة هى الأكبر لأنه يضم نحو نصف سكان المدينة. ويضم الحى جمعيات قبيلة أسيوط والموشى، كما يضم جمعيات أبناء بحرى أمثال جمعيات «المنوفيةوالشرقية والغربية» وهناك أيضا الجمعيات الخاصة بأبناء الواحات والفيوم وغيرها. ولم تشكل القبلية فى المجتمع مشكلة، فالطابع الثورى للمدينة يصهر جميع سكانها، من أبنائها الأصليين أو الوافدين إليها، لكن فيما يبدو أن هذا الواقع قد تغير بعد ثورة 25 يناير وما تبعها من نظام اجتماعى وانتخابى وتغيير فى الثقافات أدى إلى تفكيك المنطق القبلى على أرض الواقع الانتخابى. ويقول عبدالحميد كمال، القيادى فى حزب التجمع وعضو الهيئة العليا للحزب وأمين المحليات: إن السويس لها تركيبتها السكانية لكن الثورة غيرت ثقافات كثيرة فى المجتمع وأصبح من يختار لا ينظر إلى الطابع، وأصبح لدى أبناء السويس معايير يلتزمون بها عند اختيار المرشح، حيث اقتصرت تلك المعايير على السلوك والأداء والتاريخ، وتراجعت إلى حد كبير- وإن لم تكن اختفت- النظرة القبلية.