تمر الذكرى الأولى لرحيل أنيس منصور في أجواء سياسية متضاربة ، ولو كان موجوداً بيننا لكانت له وجهة نظر مختلفة فيما يحدث الآن ، فهو دائماً صاحب رؤى ومواقف جريئة لما إمتاز به من الشجاعة الأدبية . بدأ حياته في عالم الصحافه في مؤسسة أخبار اليوم ، ثم مالبث أن تركها وتوجه إلى مؤسسة الأهرام سافر بعدها إلى أوروبا، وفي ذلك الوقت قامت ثورة 23 يوليو 1952، وقام أنيس منصور بإرسال أول مواضيعه إلى أخبار اليوم ،ثم تدرج من صحفي صغير إلى أن أصبح رئيسا لتحرير عدد من الصحف والمجلات منها : الجيل ، أكتوبر ، آخر ساعة وغيرها .. عاصر فترة جمال عبد الناصر ، وأنور السادات ، ومحمد حسنى مبارك .. وكانت له علاقات بهم ، حيث تأثر بهم وأثر فيهم ، لدرجة أنه كتب عنهم من وجهة نظره الخاصة . علاقته برؤساء مصر: الرئيس جمال عبد الناصر : تميزت مواقفه مع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بالتناقض ، فكان مؤيداً له في حياته ، بل وكتب في رثائه "إننا في عصر ما بعد عبد الناصر نخاف أكثر فقد كان عبد الناصر هو الأمان ". ولكن نراه بعدما استقر الأمر للرئيس السادات انقلب على عبد الناصر وثورته ، وكأنه كان ينتظر رحيل عبد الناصر حتى يصب جام نقده عليه ، لا على سيرته فقط ، بل على نهجه وفكره وأصدقائه . وسجّل أفكاره عن عبد الناصر في كتاب بعنوان «عبد الناصر المفترى عليه والمفتري علينا»،زعم فيه أن الرئيس عبد الناصر استطاع أن يخدع شعبًا ويضلل أمة .. ومن هنا بدأ صراعه مع الناصريين . يقول سيد عبد الغني - عضو المكتب السياسي للحزب العربي الديموقراطي الناصري- آراء أنيس منصور في الرئيس جمال عبد الناصر لا يؤخد بها ، لأن أنيس ليس من المثقفين الذين انتموا للثقافة العربية ، وإنما للثقافة الغربية ، وهؤلاء المتغربين الذين انتموا للثقافة الغربية انتاء روحي وعقلى لايمكن القياس عليهم في قضايا بلادهم ، لأنهم يرطبوا بالثقافة الغربية أكثر من ثقافة بلدهم ، فأنيس أعتبر أن المشروع الصهيوني هو المشروع الغربي النموذج في المنطقة العربية والشرق الأوسط . كما قال صلاح الدسوقي – وكيل مؤسسي المؤتمر الشعبي الناصري - أن أنيس منصور كان مغموراً في عهد عبد الناصر ، وليس له وزن يجعلنا نقارنه بعبد الناصر ، فهو إنسان منافق يغير جلده حسب النظام الحاكم ، ويكاد أن يكون عميل صهيوني ، فنراه يفتخر بعلاقته مع إسرائيل ، وحاول أن يبث مفهوم التطبيع لدى المصريين من خلال مقالته "مواقف" كما كان أنيس منصور من أهم رجال الرئيس السادات في مسألة تسيير التطبيع مع اسرائيل ، وعندما ينتقد عبد الناصر فهذا شئ لا يزعجنا . الرئيس أنور السادات .. امتازت مواقفه مع الرئيس السابق أنور السادات بالتأييد المطلق ، حيث كان صديقاً له ، وسافر معه إلى القدسالمحتلة ، وكان الرئيس السادات يحب التمشية مع أنيس منصور ، خاصة في غيطان قرية ميت أبوالكوم ، ويذكر أنه ذات مرة ظل السادات وأنيس منصور، يمشيان ويتحدثان ، وفجأة توقف الرئيس السادات ، وأخرج ساعته ونظر فيها بدهشة ، ثم قال لأنيس منصور : ايه ده يا أنيس ، تعرف أننا بنمشي بقالنا 3 ساعات ، ولا حسيت . يقول السياسي د.منصور الحسن – أحد المقربين من الرئيس السادات وويز الثقافة الإعلام عام 1979م- أن السادات كان يعتز بصداقة أنيس منصور ، وكان يراه صحفياً وفيلسوفاً ، وتطورت العلاقة بينهما عندما كان يفكر السادات في السلام مع إسرائيل ، ولم يكن لدى الجميع وقتها الجرأة لأن يخترق أو يتعامل مع الإسرائيليين ، فكان لأنيس منصور الشجاعة الأدبية وكسر حاجز الخوف من المجتمع الإسرائيلي ، وقام بالإتصال ببعض الشخصيات الإسرائيلية ، للتمهيد لإتفاقية السلام ، ومن هنا توطدت العلاقة أكثر بينه وبين الرئيس السادات . محمد حسني مبارك : لم تتغير مواقف منصور كثيرًا مع الرئيس السابق حسني مبارك فقد قال عنه في مقال له على صفحات الأهرام : يسعد كثيرًا من يلتقي الرئيس حسني مبارك كما فعلت من أربعين عامًا.. لم يتغير نائب الرئيس عن الرئيس.. إنه نفس الشخص الطيب البسيط .. والذي بعد دقائق عن سؤالك عن صحتك ، تجد نفسك صديقًا له وأخًا، وأكثر من ذلك أنه على استعداد إن يسمعك ويشجعك على أن تقول ، وقد قلنا ما لا يجرؤ وزير أن يقوله للرئيس ، ومقبول منا أي كلام لأننا صادقون مخلصون ، وقد أعطانا الأمان، والأمان من نصيب كل مواطن لأنه لا يظلم أحدًا". لكن نجده بعد أربعة شهور من ثورة 25 يناير ، غيَّر أنيس منصور رأيه قائلاً في حواره مع مجدي عفيفي في جريدة أخبار اليوم : إنه "اتبهدل وانكسرت نفسه ومسحنا بكرامته وكبريائه الأرض ولففنا حول رقبته كل الحبال والسلاسل فلا مهرب له من القيود ولا مهرب من الشيخوخة والمرض . تطلع حرامي وتخسر أولادك وفلوسك حرام ثم تطلع على قناة العربية وتقول أحاسب الناس .. أما صحيح إنك حرامي وطني". يقول د. جابر عصفور : أنيس منصور كان مقرباً من مبارك ، ولكن ليس بمقدار قربه من السادات ، ومنذ سنة 1952 إلى سقوط مبارك لا يمكن أن يوجد صحفي كبير إلا وهو على علاقة كبيرة بالحكان ورؤساء الجمهورية ، وأنيس بدأ حياته شاباً فقيراً وكان لابد وأن يسنده أحداً من الكبار ، وبالفعل قد نال حظوة ومكانة كبيرتين في عهدى السادات ومبارك ، وكان ذلك من قبيل لياقة أنيس منصور . صراعه مع الإسلاميين: دارت الكثير من المعارك بين أنيس منصور والإسلاميين كان أشهرها مع الشيخ عبدالحميد كشك، وبدأ الصراع مع توجيه الكاتب النقد لشركة مصر للطيران بعد منعها تقديم الخمور على متن طائرتها، ورد الشيخ كشك فى إحدى خطبه مهاجما أنيس منصور فرد بدوره متحدثا عن قيام الشيخ بتأسيس شركة للتسجيلات الصوتية من أجل توزيع خطبه مطلقا على الشركة اسم «كشك فون» ليعود الشيخ ويرد على الكاتب مطلقا عليه اسم «أستاذ إبليس مسطول» قائلا إن البرية حارت فى أنيس منصور الذى يكتب فى رمضان عن عمر بن الخطاب ويكتب بعد رمضان عن صوفيا لورين ومارلين مونرو ولم يتوقف هجوم الإسلاميين على أنيس منصور عند عبدالحميد كشك بل امتد إلى الكثيرين الذين استندوا فى هجومهم عليه إلى بعض الأخطاء فى الأحاديث النبوية التى أوردها أحيانا فى بعض كتاباته ، فهاجمه سيد حسين العفانى فى كتابه "أعلام وأقزام فى ميزان الإسلام" ، كذلك هاجمه الشيخ أبو اسحاق الحويني. عداءه للمرأة وكتاباته عنها : عرف أنيس منصور بعداءه الشديد للمرأة والزواج ، وظهر ذلك واضحاً من خلال كتاباته ، حيث يقول في كتابه " عاشوا في حياتي " وجدتني عدواً للمرأة ووجدتني أمسك سلاحاً سرياً أحاول أن أملأه بالاحتقار لها ، يقول كذلك "لم أعرف للمرأة صديقاً، أكثر أعدائها بنات جنسها، المرأة فاضلة لأنها لم تعط فرصة لتكون شريرة!. كما قال عن الزواج "اعتبره عادة اجتماعية وأن الناس يحرصون على الزواج السريع ليندموا بعد ذلك على مهل " ورغم ما كان يقول ويكتبه عن المرأة والزواج نجده يحب زوجته حباً شديداً وكتب عنها يقول : يجتمع في زوجتي الذكاء والحنان ، النار التي تدفئ ، والنور الذي يضئ، والإنسان لا يكون أعزب متشدداً لسنوات طويلة وإنما فقط عندما يبلغ السن التي يراها مناسبة للزواج ويكون ذلك عادة بعد الثلاثين .. وقد تزوجت في الثامنة والثلاثين، ولابد أن تكون الصفات الجميلة لزوجتي هي التي نقلتني من أعزب متشدد إلى متزوج أكثر تشدداً ، أي الجمال والذكاء والتشجيع والصبر على المكاره التي هي انشغالي الكبير واستغراقي في القراءة والكتابة .. وهذه الزوجة رغم أنها صاحبة فضل كبير تكتفي بأن تعيش في الظل قمراً يعكس ضوء الشمس الذي هو الكاتب. كما نراه عندما مرضت زوجته وأصيبت بالجلطة كان لا يفارقها طوال وجودها بالمستشفى و ترك كل شيء من أجل الجلوس بجوارها و ظل يبكى و هو يقبل يدها حتى خرجت من المستشفى . وعن التناقض بين ما يكتبه عن المرأة والزواج ، وبين حبه لزوجته وأسرته ، تقول الكاتبة منى رجب ابنة زوجته وأكثر المقربين له ، أنه كان يعبر عن علاقة الرجل بالمرأة بشكل عام ، و كان دائما ما يكتب عن الزواج بشكل سلبى حتى يدفع الناس لأن تفعل العكس خوفا على استقرار حياتها الزوجية ، اما هو نفسه فكان كريم الأخلاق و العشرة مع أمى بشكل لا يتخيله بشر و كان يحبها حبا لم أر فى حياتى رجلا أحب زوجته مثله . المثقفون في ذكرى رحيله : د.أبو غازى : مات قبل أن يحقق أحلامه : شخصية ثقافية مهمة في تاريخ مصر والثقافة خلال الستون سنة الماضية ، لعب دوراً هاماً في الصحافة المصرية ، كانت له اختياراته الواضحة عندما ترك العمل الأكاديمي واختار العمل الصحفي ، دائما كان صاحب مواقف ورؤى جريئة ، وكان مثير للاختلافات ، لكن كل من اختلف معه من المثقفين كانوا يحترمونه .. وما أريد قوله أن أنيس منصور مات ولديه حلم يسعى لتحقيقه، هو أن يعيد اصدار مجلة الكاتب المصرى . د.شاكر عبد الحميد : آثر على أجيال كثيرة بآراءه كان كاتب وصحفي هام ، آثر على أجيال كثيرة بكتباته وأراءه ، فكتاباته قريبة من الناس ومفتوحة ومتنوعة مابين القصة والرواية والمسرحية وأدب الرحلات ،كما كتب في الفلسفة الوجودية بطريقة بسيطة تصل للناس في سهولة ، وأسلوبه رشيق ومتدفق . الأدباء الشباب وأنيس منصور : القاص أشرف خليل : كتاباته حببتني في القراءة بدأت القراءة في مرحلة مبكرة من حياتي ، وكتابات أنيس منصور هى التى حببتني في القراءة ، فتفتحت عيناى على أدبه وكتاباته ، فأسلوبه سلس وشيق ،وله كتب عديدة شكلت كياني ، كذلك من أسباب حبي الشديد أني كنت مهتم بشخصية العقاد ، فكان منصور هو النافذة التى تعرفت منها على العقاد حيث كان من تلاميذه ، أما السبب الثانى في حبي له أنه عاصر فترة حكم الرئيس السادات وكان هو المستشار الاعلامي له ، وهو من كتب له الخطاب الإسرائيلى في الكينست ، وسافر معه ، فكان منصور أفضل أديباً أرخ للسادات .. القاص شريف عبد المجيد : ضد أفكاره المدافعة عن الأنظمة الأمريكية . كنت أقرأ لأنيس منصور في فترة المراهقة ، لأن كتاباته سهلة وبسيطة ، وله أسلوب راقي ، ويعمل على تبسيط الفلسفة ، كذلك استفتدت من ترجماته للمسرح الألماني ، ولكن ، كان هذا في فترة مراهقتي ، وعندما كبرت وأصبح لي رأي خاص بي بدأت أختلف معه حول توجهاته السياسية خاصة وأنه كان مقتنع بفكرة التطبيع مع اسرائيل ، وينادي بالتعامل معهم طبيعياً ، ومع احترامي له ، لكنى أسجل عليه هذه الجزئية كما أنه كان مع الانفتاح والرأسمالية ، ومع بيع القطاع العام ، وكل هذه الأفكار ضد أوضاع الشعب المصري ، وذلك رغم أن أنيس منصور كانت بدايته شاباً فقيراً ،لكنه تنكر وأصبح يدافع باستماتة عن الأنظمة الأمريكية والاسرائيلية في المنطقة خاصة فكرة توظيف الأموال .