الذين يقرأون سلسلة قصص الخيال العلمى «ملف المستقبل» يسمعون بالتأكيد عن الشاشات الهولوجرافية، حين تظهر المذيعة مشيرة محفوظ لتتلو الأخبار فى شبكة أنباء الفيديو، كما يعرفها الذين شاهدوا النجم توم كروز فى فيلم Minority Report وهو يشاهد ذكرياته مع ابنه المفقود من خلال صور ثلاثية الأبعاد تظهر على حائط المنزل، وأيضا مثل البيئة التخيلية الموجودة فى الغرفة هولوديك فى السفينة إنتربرايز فى سلسلة أفلام ستارتريك. معظم مكوّنات هذه التكنولوجيا أصبحت جاهزة بالفعل، حيث سيصبح بالإمكان التقاء الأصدقاء وجهاً لوجه بالمعنى غير المجازى، حتى لو كانوا على بعد آلاف الأميال فى الحقيقة. يطلق العلماء على هذه التقنية اسم Tele- immersion. بالدمج بين الكاميرات والاتصال عبر الإنترنت وُلدت تقنية مؤتمرات الفيديو Video Conferencing التى يقيم بها وزير التعليم لدينا المؤتمرات فى موسم الثانوية العامة، دون أن ينتقل- هو أو أىّ من وكلاء الوزارة المبجّلين - من مكاتبهم. تقنية Tele immersion هى الخطوة التالية، حيث تقوم بخلق بيئة تخيّليّة مركزية، بحيث يمكن أن يلتقى الناس فى غرفة افتراضيّة واحدة، دون أن يغادر أى منهم مكانه. فى السطور التالية سنعرف كيف يمكن للموظفين فى القاهرة ولندن وباريس ونيويورك وطوكيو التلاقى والاجتماع معاً، ومصافحة الصور الهولوجرافية لزملائهم دون أن يغادر أىّ منهم موقعه. هكذا ستكون الصورة فى مكاتب العمل فى المستقبل: لن يكون هناك هاتف، وإنما ستقول : «اطلب لى أيمن». وعندها سيقوم الكمبيوتر بإتمام الاتصال فى لحظة. سيومض الحائط المقابل لمكتبك وترى أيمن جالساً هو الآخر إلى مكتبه كما لو كان معك فى الغرفة فعلاً. وأيمن أيضاً سيحدث معه نفس الشىء فى مكتبه. هل قمت من قبل بتجربة الالتقاء مع شخص عبر كاميرات الإنترنت web cams؟، إذا كنت قد قمت بذلك فلابد أنك تعرف أن كاميرات الويب ليست الوسيلة المثالية لإجراء الاتصالات. صحيح أن الصورة تتحرك بطريقة متزامنة تكاد تقترب من الوقت الحقيقى، لكن كثيراً ما تحدث تأخيرات تؤدى إلى اهتزاز الصورة، أو فقدان التزامن بينها وبين الصوت. أيضاً فإن مجال الكادر الخاص بالكاميرا ضيق جداً، وكثيراً ما يخرج الشخص الذى تحدثه من الكادر فلا ترى منه سوى كتفه أو رقبته. فى التقنية الجديدة Tele immersion لا يمكن الخروج من الكادر، بل إنك تستطيع أن ترى من تحدثه من زوايا مختلفة حسب الزاوية التى تنظر منها، تماماً مثلما يحدث عندما تنظر من النافذة. سيتم «توليد» البيئة الهولوجرافية بواسطة أجهزة كمبيوتر أسرع آلاف المرات من ذلك الجهاز الموجود فى منزلك، حيث يقوم الكمبيوتر (بالتعرف) على حركة الأجسام والأشخاص الموجودين، ثم يقوم (بتوليد) الصور، وبعدها يطلق الصورة النهائية على سطح خاص يسمى Stereo- immersive surface . هناك مؤسسة اسمها National Tele Immersion Initiative ويرمز لها بالرمز NTII كل مهمتها هى تطوير هذه التكنولوجيا التى كان أول نجاح حقيقى لها فى مايو 2000 عندما استطاع شخص يجلس فى جامعة نورث كاليفورنيا أن يجتمع مع الصور ثلاثية الأبعاد لشخصين آخرين، أحدهما فى فيلادلفيا والآخر فى نيويورك. ربما تتشابه تقنية Tele immersion مع تقنية أخرى اسمها Virtual Reality أوالواقع الافتراضى، لكن هناك فرقاً واضحاً بين التقنيتين. فالتقنية الثانية تسمح لك بالتحرك وسط بيئة مخلقة، ثلاثية الأبعاد يمكن رؤيتها دون التفاعل معها. يمكن للأطباء التدرّب على العمليات الجراحية فى بيئة افتراضية. الجنود أيضاً يستطيعون التدرّب على العمليات العسكرية فى أجواء شبيهة جدا بالجو الحقيقى الذى تدور فيه المعارك. تخيّل أن تزور أقاربك الذين يسكنون فى بلد آخر دون أن تغادر غرفتك، أما الألعاب الإلكترونية فستتحول إلى شىء آخر تماماً لا يمكن وصفه. حتى الآن فإن النماذج الأولية التى تم صنعها تحتم على المستخدمين ارتداء أجهزة خاصة على الرأس ليستطيعوا رؤية البعد الثالث للأشخاص الافتراضيين الذين يتقابلون معهم، وفى الناحية الأخرى يتم تصوير هؤلاء الأشخاص بواسطة مجموعة مكونة من سبع كاميرات فيديو، بالإضافة إلى كاميرتين أخريين وظيفتهما تتبع حركة الضوء فى الغرفة لحساب المسافات وظهور الصورة المجسمة بطريقة صحيحة. تكون الصورة على الشاشة متراكبة ولا يمكن رؤيتها دون جهاز الرأس، لأنه تكون هناك صورة لكل عين، يقوم الجهاز بدمجها معاً وهكذا يتعرف المخ على الصورة ثلاثية الأبعاد. يشبه هذا الأمر الأفلام ثلاثية الأبعاد التى كانت تعرض فى التسعينات فى سينما ريفولى بوسط البلد، التى تشاهد بواسطة نظارات خاصة. فى التجربة التى أجرتها جامعة نورث كاليفورنيا كانت الصورة تهتز أحياناً مثلما يحدث فى مؤتمرات الفيديو، ذلك لأن معدل إنعاش الصورة كان يبلغ ثلاث مرات فى الثانية. إذا أمكن إيصال هذا المعدل إلى 10 مرات فى الثانية ستصبح الصورة بنفس وضوح المنظر حين ننظر من النافذة. لكى تنجح هذه التقنية، يجب أن تنجح أولاً تقنيات أخرى مرتبطة بها : إنترنت 2: الشبكة التى ستحل محل شبكة الإنترنت الحالية، وهى أسرع منها 1000 مرة، وهى الأمل الوحيد لنقل الكمية الهائلة من البيانات التى تحتاجها تقنية Tele immersion . شاشات جديدة: بأحجام كبيرة جداً ومكونة من مواد جديدة تتوافق مع التقنية الجديدة. مجسات هابتيك Haptic sensors : تقنية تجعل من الممكن لمس أشياء خيالية كما لو كانت حقيقية. وهى التقنية التى استخدمها بعض العلماء مؤخراً للتصافح عبر الإنترنت. أجهزة كمبيوتر خارقة Super Computers : تستطيع إجراء مليارات العمليات الحسابية اللازمة لخلق البيئة الهولوجرافية. ربما يتم تحقيق هذا الأمر عن طريق ربط مجموعة كبيرة من الأجهزة معاً فى شبكة واحدة. ليست هذه التقنية بالصعوبة التى تجعلها تتأخر علينا كثيراً، وعندما تنتشر لن يحتاج الناس للخروج من منازلهم، وعندها فقط ستنفك الأزمة المرورية فى القاهرة!