نبذ وإقصاء، نظرات مترقبة، أماكن العمل تغلق أبوابها، وآثار الألم النفسى التى تترسب مع كل سهم منطلق من أحد العيون تجاه الأثر الذى تركه الحريق على أيدى إحدى الفتيات تفوق عذاب الألم، الألم استعد جيدًا لاستكمال رحلته بما يفوق استعداد الأدوية العلاجية للقيام بمهتمها، ولم يبق لها سوى بذور تحد سقطت منها فى أرض روحها، وروتها الشجاعة حتى أنبتت مبادرة لاحتواء كل مصابى الحروق فى مصر. هند البنا، الفتاة السكندرية التى استطاعت المواجهة مقابل عدم وعى واضح بعدم وجود ما يتحمله صاحب الابتلاء بالحرق من ذنب، هو حادث كغيره ربما يفوق بعض الحوادث الأخرى لما يتركه من أثر نفسى حتى بعد انتهاء العلاج. السوشيال ميديا كانت نقطة انطلاقة مبادرة «احتواء» التى أطلقتها «البنا» للبحث عن العلاج النفسى والعضوى لمصابى الحروق فى مصر، فشهد أصدقاؤها على مواقع التواصل على مراحل تطور المبادرة، بداية من الفكرة وحتى اختيار الشعار الخاص بل واسم المبادرة نفسه، وكانت صفحتها نقطة انطلاق للمبادرة التى انتشرت متخذة مسارها الإلكترونى للوصول للمصابين، ممن أبدوا موافقتهم واحتياجهم للانضمام، وآخرون دعموا الفكرة منهم أطباء ورعاة. لك أن تتخيل كم الأثر النفسى الذى يتركه الحرق فى المصاب به، وقدر القوة الذى يتحصل عليه بعد قراره بتحدى المجتمع المحيط، ومثال لذلك ما كانت عليه هند نفسها، التى رفدت من إحدى روضات الأطفال، بحجة خوف الأطفال من الحال الذى عليه يديها، رغم حصولها على شهادة بكالوريوس خدمة اجتماعية، مما يؤهلها للتعامل مع جميع العقول. فكان قرارها بمواجهة المجتمع بمشكلته، لماذا لا يتحدث أحد عنهم، ومدى الصعوبة التى يواجهونها فى الحصول على وظيفة، التى تصل لصعوبة الجلوس بأمان من نظرات المحيطين فى الأماكن العامة. مصابو الحروق، مرضى لهم ما لهم من الواجبات تجاه المجتمع والتى يجب عليه أن يفى بها، فهم معرضون لمضاعفات طبية وآلام مزمنة ويحتاجون إلى علاج وهى أمور لا يعلم كثيرون عنها، ولربما من هنا يمكن أن نشكر السوشيال ميديا كونها أصبحت منبرًا لخروج تلك المبادرة. ولو سألتها فى رأيك هل تتأثر الفتيات المصابات بالحروق مجتمعيًا أكثر من الذكور؟ فالإجابة هى نعم بالطبع، نحن كفتيات مصابات بحروق نواجه نفورًا من المجتمع أكبر بكثير من الذى يواجهه الرجال خاصّة فيما يتعلق بالارتباط العاطفى والزواج، على سبيل المثال، لا تتقبل العائلات فكرة زواج ابنهم بامرأة مصابة بحرق ودومًا ما يقال للرجل: «لماذا تتزوج من مصابة بحرق وهناك أفضل وأجمل منها؟» سأحكى لكِ مواقف عشتها بنفسى لتتصورى كيف ينظر الناس إلينا، كان لدينا ضيف فى منزلنا ذات مرة وطلبت منّى أمى أمامه أن أقطع الطعام لنبدأ الأكل، حين بدأت فى التقطيع فوجئت به يقول: «من فضلك لا تلمسى الطعام بيديكِ فأنا أشعر بالقرف!» وفى موقف آخر، كانت لى صديقة مصابة بحرق أيضًا ومرتبطة عاطفيًا، واجهت رفضًا قاطعًا من أهل حبيبها لدرجة أنهم قالوا له: «لو أتيت بها إلى المنزل سنقاطعك تمامًا، كيف ستتمكن من العيش معها ورؤيتها وتناول الطعام من يدها؟».