أكد الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية أن ما تحمله أمتنا الإسلامية بين جنباتها من القيم الأخلاقية والروحية ليمثل المعنى الأصيل لمفهومِ الحضارةِ الإنسانية، التي تضعُ ترقية العقل والروح والفكرِ في مكانة أسمى وأعلى من أية منجزات مادية قد أنتجتها الحضارات المعاصرة. جاء ذلك في كلمة مفتي الجمهورية، التي ألقاها اليوم الأحد خلال افتتاح أعمال المؤتمر الوزاري الإقليمي الأول لتعزيز الحرية الدينية ودور التعليم والتسامح الديني في مكافحة الفكر المتطرف، المنعقد في أبوظبي خلال يومي 24 و25 فبراير الجاري. وقال علام "إن عنوان المؤتمرِ (المؤتمر الوزاري الإقليمي الأول لتعزيز الحرية الدينية ودور التعليم والتسامح الديني في مكافحة التطرف)، قد حمل عدة مصطلحات لها من الأهمية والخطورة والدلالة ما يدعونا إلى الوقوفِ عندها والتأملِ فيها، وما يحدونا إلى تناولِه بالبحث والدرس والمناقشة الواعية الجادة؛ رجاء أن يكون ناتج هذه التأملات والجهود نفعا لأمتنا الإسلامية ونبراسا فكريا، وإشعاعا حضاريا ينير للأمة دربها وهي تحاول أن تستعيد وعيها الحضاري، ومكانتها السامية، وريادتها المناسبة لتاريخها وتراثها". وأضاف أن من أهمّ المصطلحاتِ التي وردت في عنوانِ المؤتمرِ، هو مصطلح الحرية الدينية، وهو من المبادئِ القرآنية المهمة التي أرساها الإسلام وحث عليها القرآن الكريم، حيثُ قال الله تعالى: {وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} [الكهف: 29].. فالله تعالى الذي خلق البشر وهو العليم بهم جعل لهم العقولَ والأرواح والضمائر على هيئة لا يتصور معها الاتفاق الكامل بحال من الأحوالِ، خاصة في مجالِ العقائد، فكانت إرادة اللهِ تعالى التي لم تتخلف هي وجود التنوعِ والتباين والتمايزِ في الأفكارِ والمعتقدات {ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين*إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم} [هود: 118، 119]. وأوضح علام أنه على الرغمِ من وضوح هذا المعنى وثباته في جميع مراحل حياة رسولِ الله (صلى) المباركة، فقد جاءت جماعات الضلال والفتنة بمفهوم عجيب غريب عن دين الإسلام وعن أخلاق رسولِ الرحمة، ذلك المفهوم يتلخص في دعوى أنه بانقسام الخلق إزاء دعوتِه صلى الله عليه وسلم إلى مسلمين وكفار انعقدتِ العداوة بين الفريقين، فجعلوا دعوةَ الإسلام دعوة صدام حضاري وكراهية أُممية وعداوة دينية لكل من رفض الدخول في الإسلام. وتساءل مفتي الجمهورية "هل انعقدت العداوة فعلا بين النبي وبين المشركين عامة لمجرد عدمِ قبولِهم دعوة رسول الله؟، وهل كان الإسلام طرفا في تلك العداوةِ؟".. وأجاب "لا.. والدليل القاطع شاهد الواقع.. فالناظر في سيرة النبي يعلم يقينا أن العداوة والكراهية كانتا أبعد شيء عن قلبِ وخلق رسولِ الله، فرسول الله دعا قومه وأهله إلى دينِ الل تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة حرصا عليهم ورغبة في هدايتهِم ورأفة بهم، ولم ينابذ أحدا بالعداء ولا بالكراهية". وأشار إلى أنه رغم ما لاقى النبي وأصحابه الكرام من صد عن الإسلام وعداوة وتنكيل وحصارٍ وتهجير ومصادرة أموال ورمي بالباطل، أَمر الله نبيه بمقابلة ذلك كله بالصفحِ وبذل السلام لا بالعداوة والبغضاء. واستطرد "ترتب على ما أسلَفنا من إقرارِ مبدأِ الحرية الدينية بشكل كامل كمبدأ قرآني إسلامي نبوي أن يكون هذا المبدأ قاعدة ثابتة راسخة في مناهجِنا التعليمية والتربوية والتثقيفية، حتى تنشأَ الأجيال عليها، وتتشربها العقول والأفئدة". ولفت إلى أن جماعاتِ التطرف والإرهاب قد زورت التاريخ، وقلبت الحقائق بصورة معاكسة مغايرة تماما لما في كتابِ الله تعالى وسنة رسولِ الله، فضَمنت مناهجها العلميةَ والتربوية مفاهيم العدوان والصدام وعقيدة وجوبِ قتل من لم يؤمن بالإسلام عند أتباعهم وأنصارِهم ممن لم يستنر عقله بالمنهجِ النبويّ الصحيحِ. وتابع علام "من هنا تأتي أهميةُ التعليم بكل ما يحمله ويعنِيه مصطلح التعليم من شمولٍ وسعة في محاربة التطرفِ والإرهابِ، ونعني بالشمولِ التعليميّ هنا كلّ مصدرٍ يتلقّى الإنسان منه علما أو قِيما أو أخلاقا، ابتداء منَ الأسرة والوالدينِ مرورا بالمدرسة ثم المسجد ثم النادي ثم مواقعِ التواصلِ الاجتماعي، إلى آخرِ ما يصلح أن يكون مصدرا للتلَقي والمعرفةِ وتكوِين العقولِ الواعية الناضجة". واختتم مفتي الجمهورية، كلمته، قائلا "إن إدراكنا الواعي لضرورةِ أن تتقدم أمتنا الإسلامية لاستكمال مشاركتها الحضارية والإنسانية لن يتأتى أبدا في ظل شيوعِ أفكارِ ومبادئِ وقيمِ الصدامِ والصراعِ والقطيعةِ بيننا وبين العالمِ". وهنأ المفتي دولة الإمارات الشقيقةِ قيادة وحكومة وشعبا على الإنجازات الحضارية المشهودة في مجالات عديدة، والتي تأتي في مقدمتها تلك المنجزات المهمة في مجالِ ترسيخِ القيم والأخلاق التي تمَثل قلب وروح الحضارةِ الإسلامية والعربيةِ العريقة، وفي مقدمتها قيم التسامحِ والتعايشِ والرحمةِ.