«زورونى كل سنة مرة.. حرام تنسونى بالمرة».. كلمات تغنى بها سيد درويش فى واحدة من أشهر أغانيه، لنأتى نحن بعد ما يقرب من مائة عام، ونزور منزله القديم تزامنًا مع ذكرى رحيله ال 95، حيث توفى فنان الشعب فى العاشر من سبتمبر 1923، تاركًا وراءه تراثًا فنيًا مازال محفورًا فى قلوب محبيه، إلا أن الظروف الغامضة لرحيله، أثارت العديد من الروايات، التى تناقلتها الأجيال من بعده. منزله تحول إلى «خرابة».. وجيرانه ينفون موته بسبب تعاطيه الكوكايين ويؤكدون: «مات على يد قوات الاحتلال» فى واحدة من الحارات القديمة بمنطقة كوم الدكة، يقع شارع سيد درويش، كما أطلق عليه لوجود منزله القديم، الذى تربى وعاش به، لكنه أصبح الآن أطلالًا ولم يتبق منه سوى جدران يحاصرها الإهمال. وداخل أحد المنازل القديمة، المتاخمة لمنزل سيد درويش، يسكن كيلانى السيد، وشهرته «التيتى» 79 عامًا، ويسرد الروايات لكل من يود أن يعرف عن فنان الشعب، حيث قال: «تربيت فى منزل محمد البحر الابن الأكبر لسيد درويش، وكان يحفظ ألحان أبيه عن ظهر قلب ويتذكره جيدًا؛ رغم أن سيد درويش قد رحل فى عمر صغير 31 عامًا، وقد كان عمر ابنه فى ذلك الوقت 14 عامًا، حيث تزوج سيد درويش، وهو فى السادسة عشر من عمره». سيد درويش وافته المنية أثناء تحضيره لحفل سعد باشا زغلول وتابع «كيلانى» قائلًا: «تنقل درويش خلال مشواره الفنى بين القاهرةوالإسكندرية، ولحن وغنى الكثير من الأغانى العاطفية والوطنية، فكان متأثرًا بثورة 1919 وبالزعيم سعد زغلول، حتى أنه يوم وفاته حضر إلى الإسكندرية للتحضير لحفل إهداءً منه لسعد باشا، إلا أنه لفظ أنفاسه أثناء تحضير تدريبات الحفل، وقد أثار موته جدلًا كبيرًا، لكن لا صحة لما يتردد حول موته بسبب تعاطيه الكوكايين، فهو مات مسمومًا على يد جيش الاحتلال، وهذا ما يعرفه أهله وأصدقاؤه المقربون وتناقله أبناؤه فهو من تغنى قائلًا: يحرم علينا شربك ياجُوزة.. روحى وأنتى طالقة مالكيش عوزة.. دى مصر عايزة جماعة فايقين». خطوات قليلة من منزل سيد درويش، تفصلنا عن ساحة كبيرة تقع بها «قهوة منعم»، والتى أطلق عليها قهوة سيد درويش، فبداخل المقهى تجد بروازًا كبيرًا بداخله صورة قديمة لفنان الشعب، حيث أنُشئ المقهى عام 1913، وكان سيد درويش يغنى دائمًا ويقيم البروفات والحفلات به وفى ساحته؛ فأطلق اسم سيد درويش على المقهى وأصبحت مزارًا لعشاقه. «كبير وصغير؛ الكل يحب سيد درويش ويسعد بأنه من منطقته»، هكذا بدأ حديثه السيد رأفت 67عامًا، أحد أقارب مالكى قهوة سيد درويش، مضيفًا: «مازالت تقام أمام المقهى الحفلة السنوية لإحياء ذكرى خادم الموسيقى سيد درويش، فقد تربينا على موسيقاه وأغانيه التى مازالت تعيش فى وجداننا». وقال: «كنا نحلم بأن يبقى تاريخ سيد درويش من خلال منزله الذى هُجر منذ أكثر من عشرين عامًا، وقد طلب أقاربه وأحفاده أن يقام به متحف لعرض مقتنياته، لكننا لم نر أى خطوة إيجابية، فالمنزل أهمل تمامًا ولم يتبق منه سوى حطام، لكن سيد درويش سيبقى دائمًا بقلوبنا، فقد كان يقدم فنًا حقيقيًا يسمو بالروح، وكان فنانًا وطنيًا نتغنى بنشيده الوطنى، وكل مطربى مصر والعالم العربى مازالت تردد أغانيه، فعلى مدار سنين طويلة أحيا ذكراه الكثير من الفنانين وتغنوا بألحانه، ومازلنا نحكى سيرته، وكل من يعرف عنه ينقل لغيره لتبقى ذكراه خالدة». أما سليمان إبراهيم، 65عامًا، أحد جيران فنان الشعب، فقال: «أحببنا سيد درويش من الحكايات التى تروى عنه، والتى تصلنا أيضًا من خلال أغانيه، فهو قدم رسالة وفنًا حقيقيًا، وهو ما جعل الشباب يرسمون صوره على جميع جدران المنطقة، فرغم تفاوت الأعمار وصغر سن الكثير، إلا أن موسيقى درويش تتربع على عرش قلوب الكبير والصغير».