فى ظل اهتمام العالم بإفريقيا، وجه الكثير من الدول أنظارها صوب القارة السمراء، أملًا فى خلق فرص استثمارية، وتحقيق تنمية، تساعد تحسين مستقبل القارة، لكن الصراعات والتوترات داخل العديد من البلدان الإفريقية تمثل عائقًا لتحقيق التنمية لأبناء القارة السمراء. وفى هذا الإطار عقدت الحكومة البريطانية الأسبوع الماضى مؤتمرًا دوليًا حول الأوضاع فى الصومال، بالتعاون مع الحكومة الصومالية، والأممالمتحدة، وبمشاركة العديد من الهيئات الدولية كصندوق النقد الدولى، والجامعة العربية. مصر شاركت فى المؤتمر بقوة يتمثل فى حضور المهندس شريف إسماعيل رئيس مجلس الوزراء، لتمثيل مصر فى جلسات المؤتمر، يأتى ذلك فى إطار اهتمام مصر الدائم بالقضايا الإفريقية، وتطلعها لدعم الصومال، التى استكملت استحقاقاتها الانتخابية فى أوائل هذا العام، ومساعدتها فى تحقيق الاستقرار السياسى وبدء عملية التنمية الاقتصادية، وتحقيق خطة الأمن والازدهار، والاستعانة بالقدرات الدولية فى تحقيق الرخاء والنهضة والتنمية للشعب الصومالى التى طالما حلم بها. شهد المؤتمر اهتمام عدد كبير من الدول بالحضور خاصة الدول الأوروبية، والاتحاد الإفريقى، وعدد من المنظمات الدولية منها الأممالمتحدة، والاتحادات الممولة، وكانت أهم المحاور التى تم تناولها هى ظاهرة الاإرهاب التى ضربت الصومال منذ زمن بعيد، وأغرقته فى فوضى حتى الآن، ما أدى إلى استفحال ظاهرة القرصنة التى طالت عددًا من السفن وما زالت مستمرة حتى الآن. كما تناول المؤتمر أيضًا، كيفية العمل على استقرار الأوضاع الداخلية بالصومال، علاوة على إقامة حياة سياسية تشارك بها جميع أطياف المجتمع، ما يؤدى إلى تنمية اقتصادية حقيقية، علاوة على الاستفادة من ثروات الصومال، وموقعها المتميز. على الرغم من نجاح المؤتمر إلى حد كبير، وحضور عدد كبير من الدول والمنظمات، بالإضافة لتحقيق وأجندة وأهداف المؤتمر، إلا أن بعض دول شرق إفريقيا تحفظت على المشاركة، إذ اعتبرت دول «الإيجاد» أنه تجاوز لدور الاتحادين الإفريقى والأوروبى، حيث إن الاتحاد الأوروبى هو الداعم المادى للصومال، بينما يعتبر الاتحاد الإفريقى الغطاء السياسى والأمنى له. واعتبر عدد من دول «الإيجاد» أن المؤتمر مجرد دعاية سياسية لبريطانيا، وقد امتنع عدد من الدول عن الحضور أهمها جيبوتى، وأوغندا، والسودان، المؤتمر بحث سبل دعم الاستقرار فى الصومال وضمان تحقيق خطة الأمن والازدهار 2020 من خلال تعزيز الأمن ومواجهة ظاهرة الإرهاب فضلًا عن مواجهة التحديات الاقتصادية. وناقش المؤتمر القضية الصومالية، عبر أربعة محاور أساسية بهدف ضمان التقدم الذى أحرزه على مدى السنوات الخمس الماضية، منذ اجتماع لندن الخاص بالصومال عام 2012، حيث كان أهمها الوضع الأمنى وسبل تحسينه لمنع عودة الصراع المفتوح فى الصومال، عبر تسليح وتدريب الجيش الوطنى الصومالى لمكافحة الإرهاب وحمايه المدنيين وحقوق الإنسان، ما يؤدى إلى استقرار وتنمية اقتصادية وسياسية. كما ركز أيضًا على عملية الإصلاح السياسى ونظام الحكم وكيفية الالتزام بالإصلاحات الدستورية والتشريعية بمساعدة المجتمع الدولى، ودعم الاقتصاد وتنميه مواردها، ما ينعكس إيجابيًا على عملية التنمية الاقتصادية، ويؤدى لاستقرار البلاد. التعاون بين الحكومة والقطاع الخاص فى الصومال، والمانحين الدوليين، يساعد على انتعاش الاقتصاد خلال السنوات المقبلة، بالإضافة لتوقيع عدد من الاتفاقيات، أهمها شراكة بين المجتمع الدولى والصومال لدعم الاقتصاد الصومالى، ومحاربة الفساد والإرهاب والقرصنة، والالتزام بعدد من الإصلاحات السياسية والدستورية وتنمية الدولة. ومن المعروف أن مثل هذه المؤتمرات لها أثر إيجابى وصدى كبير يساعده على تحقيق أهدافه، مثلما حدث فى المؤتمر الذى استضافته لندن أيضا حول الصومال عام 2012، والذى ساهم فى تأسيس حكومة اتحادية شرعية، واستقرت بعدها قوات حفظ السلام، التابعة للاتحاد الإفريقى فى أجزاء كبيرة من البلاد حتى الآن. ومن أبرز الظواهر التى يسعى المجتمع الدولى للقضاء عليها هو الإرهاب الذى ضرب الصومال أكثر من مرة حتى الآن، فهو يعتبر من أبرز الدول الحاضنة للإرهاب، فخلال ثلاثة أشهر الأولى لولاية رئيس الجمهورية الجديد محمد عبدالله فرماجو، حدثت أكثر من ثمانية انفجارات، خلفت مئات القتلى والجرحى، حيث إن الصومال مقسم إلى عدد من الحركات المتناحرة التى تتصارع مع بعضها البعض، سواء لأسباب دينية أو سياسية، وفى النهاية فالتمويل الأجنبى يأتى لخدمة مصالح دول بعينها على حساب شعب بائس مسكين لا حول له، ويعانى من ويلات الحروب والصراعات والغرق فى الفساد. وحركة الشباب الصومالى الإرهابية، واحدة من أخطر الحركات المتطرفة هناك، وتتمتع بقوة كبيرة، وتملك مصادر تمويل كبيرة، بالإضافة لتمتعها بحكم شبه ذاتى، وسعت الحركة خلال الفترة الماضية لطرد قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الإفريقى علاوة على إسقاط الحكومة، كما أنها تعد من أخطر الحركات التى تهدد الأمن الصومالى خاصة مع دعم عدد كبير من الدول للحكومة الصومالية، منها تركيا التى افتتحت منذ أشهر قاعده عسكرية بالعاصمة «مقديشيو» لتدريب القوات الصومالية لمحاربة الحركات الإرهابية. الصومال تعد مطمعًا للعديد من الدول الخارجية، خاصة مع امتلاكها ثانى أطول ساحل لإفريقيا حيث إنها تعانى حتى الآن من غياب الأمن، خاصة على السواحل منذ عام 1991، وتعرضت السفن الأجنبية التى تمر قرب سواحلها لمضايقات، حتى إيران أرسلت أساطيلها البحرية لسواحل الصومال لحمايته من الإرهاب، والقرصنة، كما تشهد سواحل الصومال عمليات صيد غير قانونية، وإلقاء نفايات ومخلفات خطرة للمصانع والمعامل فى بحر الصومال، ما يؤكد أن تلك الدول لا تسعى لحمايته. الصومال كان وما زال مطمعًا كبيرًا لعدد من القوى الاستعمارية، فقد تعرض لعدد من التدخلات الخارجية بسبب أهميته وموقعه وامتلاكه ساحلًا مميزًا فى إفريقيا منذ اكتشاف بحاره وأهميته عام 1499، ما أدى إلى تعرضه لعدد من الهجمات الاستعمارية. ومنذ عام 1825 حتى عام 1848 تعرضت شواطئ «مقديشيو» لحملة شرسة من إيطاليا، وأصبحت السواحل الصومالية معرضة للاستعمار، واستمرت لمده 50 عامًا. كما ظهرت الصومال كقاعدة استراتيجية عسكرية، لها أهمية تجارية بعد افتتاح قناه السويس عام 1869 ضاعفت الدول الاستعمارية محاولتها فى الشرق الإفريقى حيث اشترك عدد من الدول الإفريقية فى حصار سواحل الصومال عام 1866 حتى عام 1889 ما أدى إلى تدهور الوضع الاقتصادى، ودعم الفساد والرشاوى ونتج عن ذلك تدهور صناعة البواخر ذات الشراع التى كانت تتميز بها الصومال، واضطر بعض السكان إلى الهجرة إلى الأراضى الداخلية، وتغيير نشاطها من الصناعة إلى الرعى والتجارة. اشتهرت الصومال بالقرصنة، لكن خلال السنوات الماضية تراجعت أنشطة القرصنة قبالة السواحل الصومالية، بسبب الدوريات البحرية الدولية، فضلًا عن دعم مجتمعات الصيد المحلية. عام 2011 شهد ذروة عمليات القرصنة، إذ شهد 237 هجومًا، وقدرت الخسائر السنوية لعمليات القرصنة بنحو 8 مليارات دولار، إذ أن هناك عوامل كبيره أهمها الفقر، والجهل، تدفع الكثير من الصيادين على السواحل الصومالية للعمل مع القراصنة. كما تعانى الصومال حاليًا من مجاعة بسبب التغيير المناخى وانحصار المطر، وانتشار الجفاف، وتصحر بعض الأراضى ما أدى إلى زيادة الفقر، والجوع، وتراجع فرص العمل خاصة بين الشباب. السواحل الصومالية ما زالت تتعرض لانتهاكات كبيرة من قبل السفن الأجنبية خاصة الآسيوية المغرمة بصيد الأسماك، حيث تتعرض المنطقة للصيد الجائر دون حساب أو رادع لها. العاصمة «مقديشيو» بدأت فى التقاط أنفاسها من الإرهاب عام 2014، بعد انسحاب حركة الشباب الصومالية المتطرفة منها، لكن بعيدًا عن الأوضاع الأمنية المتوترة بعض الشىء فإن الحياة تسير بصورة عادية، لكن المشكلة الأساسية تكمن فى بيع الأسلحة علنًا دون رقيب، علاوة على تعامل رجال الشرطة المنتشرين بشوارع العاصمة بعشوائية مفرطة خاصة مع الأجانب. وتنعم الصومال ببعض المعالم الأثرية والتاريخية رغم وجود حروب استمرت لعشرات السنوات، أشهرها المساجد المنتشرة فى «مقديشيو» التى تحمل الطابع الفارسى مثل جامع «الحمدويين»، ومسجد فخر الدين، والذى بنى عام 677 هجرية، بالإضافة لوجود كنيستين لم تتأثرا رغم الدمار والحرب الأهلية، ورغم عدم وجود مسيحيين بمدينة مقديشيو إلا أنه تم بناؤهما للأجانب الذين عاشوا فى البلاد خلال فترة الاستعمار. وعلى الرغم من الظروف الأمنية الصعبة التى تعانى منها البلاد حتى الآن، فلا تزال هناك حياة عادية بالمدينة، ويتمنى شعبها مزيدًا من الرخاء والأمن والتنمية كمثيلاتها من الدول الإفريقية.