«مافيا» لجمع المحاليل من المخازن والصيدليات وتهريبها إلى الإرهابيين بليبيا وسوريا ليبيون: تجار الأسلحة يجلبون المحاليل المصرية مهربة.. و«داعش» يبيعها إلى تشاد منذ ما يقرب من 8 أشهر، يعانى ملايين المرضى المصريين للحصول على عبوات المحاليل الوريدية، وغالبًا ما يكون سبيلهم إلى ذلك الواسطة والرشوة، كأنهم يحصلون على خدمة بعيدة المنال، والمنال فى ظل هذه الظروف هو البقاء على قيد الحياة، ولا أحد يدرى ما السر فى اختفاء المستحضر الطبى الذى كان متوافرًا وبثمن رخيص، وهو الطبيعى فى أى دولة، وما زاد الأمر غموضًا أن شركات الأدوية تؤكد أنها ما زالت تضخ المنتج الحيوى بنفس الكميات للمستشفيات والصيدليات، وتحت أعين وزارة الصحة.. ولأن الكثيرين يرون أن مثل هذه الأزمات واردة وتنتهى بمرور الوقت، انتظر الجميع حل المشكلة سريعًا، لكن ذلك لم يحدث، فقررت «الصباح» تقصى الأمر، وتوصلت على مدار 3 أشهر من البحث إلى كلمة السر فى الأزمة.. «مافيا التهريب». البداية كانت منذ ما يقرب من 3 أشهر، حينما تفاقمت كارثة نقص المحاليل بشكل خطير، إذ كشف الدكتور شريف السبكى العضو المنتدب للشركة المصرية لتجارة الأدوية، وهى الشركة الوحيدة المتحكمة فى توزيع المحاليل فى مصر، أن الشركة توزع نفس الكميات التى تنتجها شركات صناعة الدواء على المستشفيات والصيدليات بشكل طبيعى، مؤكدًا إلى أنه لا يوجد أى نقص فى الكميات الموزعة على المستشفيات، وشدد على أن هناك شيئًا آخر يؤدى إلى نقص المحاليل. وفى إطار جهود وزارة الصحة والسكان لبحث الأزمة، أعلنت الإدارة المركزية لشئون الصيدلة التابعة لها، عن ضبط 30 ألفًا و500 عبوة محاليل بثلاثة مخازن للأدوية بمنطقة قصر العينى، خلال حملة تفتيشية بالتنسيق مع مباحث التموين، موضحة أن العبوات التى تم ضبطها لمحاليل وريدية مثل الجلوكوز ومحلول الملح والرينجر، ومحاليل أخرى.
عمليات التهريب الأمر كان مثيرًا للتساؤل بشكل كبير حول وجهة تهريب هذه المحاليل، وهو ما ربطته «الصباح» بتساؤل آخر بشأن كيفية حصول الميليشيات الإرهابية، فى الدول التى تشهد صراعات مسلحة، على الأدوية والإسعافات اللازمة لمقاتليها، خاصة أنها لا تستطيع الحصول على الأدوية من مصادر رسمية، فى ظل انتهاء ما تستولى عليه من المستشفيات لا يكفى –منطقيًا- إلا لفترة قصيرة. سليمة على، إحدى الأمهات الليبيات، وصلت إلى مصر مؤخرًا لعلاج والدتها المصابة بالفشل الكلوى، بعد الصعوبة التى وجدتها فى مواصلة العلاج بطرابلس، حيث لا تتوافر المحاليل التى تحتاجها والدتها، وهو ما كان يضطرها للبحث عنها لتجدها بصعوبة عبر التواصل مع العديد ممن يقطنون أماكن بعيدة، إلا أنها أكثر من مرة كانت تلجأ للمحاليل المصرية التى لا تعرف مصدرها، وكانت تشتريها بما يعادل 200 جنيه للعبوة الواحدة. الأمر لم يكن بعيدًا فى سوريا، حيث يحكى «م. الشامى» أنه حين أصيب ولده وذهب به إلى المستشفى بمدينة الرقة، اضطر إلى شراء محاليل من صيدليات تعمل دون مراقبة، حيث عرض عليه الصيدلى محاليل مصرية وأخرى أوروبية. وبعد التواصل مع عشرات المصادر فى ليبيا، ظهر طرف الخيط عند المواطن الليبى «عماد. س» الذى يقطن بين الحدود المصرية والليبية، وتحديدًا بين منطقة «مساعد» الليبية والسلوم وسيدى برانى المصرية، حيث كشف أنه كان شاهد عيان على عشرات عمليات التهريب، إلا أنه لم يستطع الإبلاغ عن الأمر خشية «تصفيته من الميليشيات»، وأن الأمر اضطره إلى نقل الإقامة إلى بنى غازى بعدما شعر بخطورة تلك العمليات التى تتم بشكل مستمر، ويقوم بها عدد كبير من المسلحين. يؤكد عماد أنه خلال السنوات التى أعقبت ثورة فبراير الليبية، كان يشاهد تهريب الأدوية بسيارات دفع رباعى تعبر منطقة الألغام والأسلاك الشائكة ليلًا، أو تمريرها نهارًا عبر الجمارك بطرق غير مشروعة على أنها مساعدات طبية للمستشفيات الليبية، ومن ثم تخزينها فى منازل عادية ومخازن عليها حراسات مشددة من الميليشيات، فى درجة حرارة تصل إلى 40º، إلى أن تأتى سيارات أخرى تابعة لميليشيات تحمل الأدوية وتبيعها للصيدليات. وبحسب أحمد مجاور، وهو مواطن ليبى أيضًا، فإن الميليشيات تجد فى المحاليل تجارة مربحة للغاية، فلا يكتفون بتوزيعها داخل ليبيا، بل يهربونها كذلك إلى دولة تشاد عبر الصحراء، حيث تباع بعشرة أضعاف قيمتها، وعليها عبارة «صنع فى مصر». على الصعيد نفسه، يقول «أحمد. س» صيدلى من مدينة سرت، ل«الصباح»، إن عناصر تنظيم «داعش ليبيا» الإرهابى، يبيعون المحاليل المصرية فى مدينة سرت، بعد أن يستقطعوا منها ما يحتاجونه لعلاج مصابيهم، وعلى حسب قلة أو كثرة الفائض يرفعون الأسعار، فكانت تباع بنحو 50 دينارًا تصل فى بعض الأيام إلى 100 دينار، وفى النهاية يكون استخدامها مخاطرة، لأن سوء التخزين غالبًا ما يعرضها للتلف. الأمر ذاته يتكرر فى سوريا، حيث يتولى مهربون يدعون أنهم أعضاء فى «قوافل إغاثة» تهريب تلك الأدوية عبر بواخر لصالح وسطاء يتعاملون مع «جبهة النصرة» و«داعش» فى الرقة، وهناك ووفقًا لما يوضحه «م. ع» المواطن السورى، يحتاج الإرهابيون إلى كميات كبيرة من المحاليل، نظرًا لأنهم يخوضون المعارك بصفة يومية، ما يجعل حاجتهم إلى المحاليل أكبر من أى مكان آخر، ولا تكفيهم الكميات المهربة من تركيا، فيحصلون عليها عبر وسطاء من مصر، حيث يكون السعر أرخص. وتعلق الدكتورة عائشة الدوجانى الأستاذة بكلية الصيدلة بجامعة طرابلس: «يعمل العديد من التجار فى تهريب الدواء بسبب الرغبة فى الربح السريع والفوضى القائمة فى ملف الدواء فى ليبيا وشح العديد من الأدوية»، وتواصل: «لا يوجد أى دور للدولة الليبية فى مسألة الرقابة على سوق الدواء»، مؤكدة أنه «حتى قبل الانفلات الذى تشهده البلاد حاليًا بسبب الحرب لم تكن هناك رقابة بالمعنى الحقيقى، بل كانت شكلية يدخل فيها عامل الفساد والرشوة، إضافة إلى عدم توافر معامل رقابة نوعية داخل البلاد أو بالمنافذ البرية والبحرية». وفى مصر، أكد الدكتور محمد سليم عضو مجلس النواب ل«الصباح»، أن لجنة الصحة بالبرلمان، ومنذ ظهور أزمة نقص المحاليل، شكلت لجنة تقصى حقائق، وتبين لها أن مافيا تجارة الأدوية تبيع المحاليل خارج مصر من أجل جنى مزيد من الأرباح، وهذا ما تسبب فى تعطيش السوق، مشيرًا إلى أن هناك مراجعة لجميع المخازن التى تقوم بصرف المحاليل والأدوية إلى المستشفيات والصيدليات ومراجعة الفواتير التى تخرج منها، وفى حالة اكتشاف أى فواتير وهمية يتم تحويل أصحابها إلى النيابة العامة، فضلًا عن غلق مخازنهم. أما النائب حاتم عبد الحميد، عضو لجنة الصحة بالبرلمان، فأكد أن هناك عددًا من النواب بدأوا بالفعل فى جمع توقيعات على طلب لتشكيل لجنة لتقصى حقائق لفساد الأدوية، تمهيدًا لتقديمه للدكتور على عبد العال رئيس مجلس النواب عقب إجراء انتخابات اللجان النوعية للموافقة عليه، مؤكدًا على أنه تأكد لهم تهريب الأدوية والمحاليل إلى ليبيا وأنه سيتم تشكيل لجنة تقصى حقائق بشأن الأمر. الدكتور على عبد الله مدير مركز البحوث الدوائية ومكافحة الإدمان، أوضح ل«الصباح»، أن هناك أسبابًا إضافية لنقص المحاليل، منها توقف مصنع «المتحدون» الذى كان يعمل على تصنيع المحاليل وتم إغلاقه منذ عامين فى بنى سويف، بعد وفاة أطفال بسبب تشغيلة خاطئة، لكنه استدرك: «وعلى الرغم من أن المحاليل لم تتأثر خلال هذين العامين، فإن النقص ظهر فجأة منذ 8 أشهر فقط، وهذا يعتبر أمرًا محيرًا»، لافتًا إلى أن المحاليل الوريدية والطبية يحتاج إليها ملايين المصريين يوميًا، وتعتبر ضرورية لأى شخص تعرض لحادث مفاجئ أو شعر بإرهاق، فضلًا عن أن أسعارها كانت تتراوح بين 7 جنيهات حتى 15 جنيهًا، أما أسعارها الآن بعدما نقصت فى المستشفيات والصيدليات وصلت ل60 و80 جنيهًا فى السوق السوداء. الدكتور محمد عز العرب استشارى أمراض الكبد ورئيس وحدة الأورام بالمعهد القومى للكبد، أوضح ل«الصباح»، أن مرضى الكلى من الفئات التى تحتاج إلى المحاليل بشكل أساسى، وإذا لم يجدوا محاليل فإنهم معرضون للموت، وهذا أمر كارثى، لافتًا إلى أن على وزارة الصحة أن تقوم بتوفير هذه المحاليل بشكل أساسى وعاجل حتى تحل هذه الأزمة ويجب بحث الأسباب الحقيقة التى تسببت فى هذه الكارثة. ويضيف عز العرب، أن «مريض الفشل الكلوى يحتاج إلى المحاليل لأنه يتم خلطها بأحد الأدوية الأخرى التى تعطى لهم عندما يقومون بغسل كليتهم فالمحلول عنصر أساسى فى عملية الغسيل ولا بد من توفيره»، منوهًا بأن هناك ما يقرب من 40 ألف مريض بالكلى فى مصر يحتاجون إلى هذه المحاليل. من جانبه أكد الدكتور كريم كرم المتحدث باسم الشركة المصرية لتجارة الأدوية ل«الصباح»، أن الشركة تقوم بتكثيف عملها من أجل القضاء على أزمة نقص المحاليل، وذلك عن طريق التعاقد مع شركة النصر، وهى إحدى الشركات التابعة للقطاع العام بتوريد الكميات التى تنتجها من المحاليل الوريدية من أجل توزيعها عن طريق الشركة إلى المستشفيات والصيدليات على مستوى الجمهورية، موضحًا أن الشركة المصرية هى الوحيدة التى ستستحوذ على توزيع المحاليل على مستوى الجمهورية، وتقوم حاليًا بتكثيف عملها من خلال سيارات نقل المحاليل حتى تقضى على هذه الأزمة، وقريبًا ستحل أزمة نقص المحاليل. ومع كل ما تقدم، نفى الدكتور خالد مجاهد المتحدث الرسمى باسم وزارة الصحة والسكان فى تصريح ل«الصباح»، تهريب المحاليل خارج البلاد، وقال إنه فى حالة ضبط أى شخص يقوم بتهريب المحاليل خارج البلاد سيتم تحويله للنيابة العامة مباشرة، وأكد أن وزير الصحة والسكان الدكتور أحمد عماد يتابع شخصيًا أزمة نقص المحاليل، وقد شكل لجنة هو رئيسها من أجل متابعة إنتاج الشركات التابعة للقطاع العام من المحاليل فى مصر، فضلًا عن قيامه بإصدار تعليمات إلى مديرى المستشفيات بأن يتم الإعلان بشكل يومى عن كميات المحاليل المتوافرة لديهم فى وحدات الاستقبال والطوارئ وتوفير أى نقص فى الحال. مجاهد أضاف أيضًا أن «الوزارة تتابع بشكل دورى من خلال حملات التفتيش الصيدلى، ضبط المخازن التى تقوم بتخزين المحاليل من أجل بيعها فى السوق السوداء، فضلًا عن ضبط عدد من المخازن فى شارع قصر العينى كانت تقوم بتخزين محاليل وريدية من أجل بيعها فى السوق السوداء، وهو ما نجحت إدارة التفتيش الصيدلى فى ضبطه».