مدير ابن خلدون التقى محمود عزت ومحمود حسين فى منزل أيمن نور بإسطنبول إبراهيم أدار مناقشات عن المبادرة مع ممثلى الوسط و 6 إبريل وشباب الجماعة خلف الأبواب المغلقة، تدور تفاصيل وخبايا الطبخة السياسية، بكل أسرارها وتحالفاتها وصراعاتها، خيوط تحاك دائمًا قبل الخروج إلى العلن. ولم تكن المعركة التى أشعلها الدكتور سعد الدين إبراهيم، مدير مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية، وعالم الاجتماع المثير للجدل، خلال الأيام الماضية، بتبنيه لمبادرة جديدة للصلح بين جماعة الإخوان الإرهابية وبين السلطة، سوى إحدى تلك المعارك التى تبدو وكأنه تم الكشف عنها بالصدفة، بينما هى مُعدة سلفًا، وإعلانها كخبر مجرد جس نبض للشارع. بدأت الأزمة بعد تعرض الإخوان للعديد من الخبطات الموجعة، بداية من أزمة الصراع بين الشباب وبين الحرس القديم بالجماعة، مرورًا بالأزمة المادية وعدم قدرة الجماعة على التواصل مع أعضائها فى مصر وإمدادهم بالأموال اللازمة مما زاد السخط عليها، بالإضافة إلى الأزمة الأخير داخل الكونجرس الأمريكى بعد أن اعتبرت اللجنة القانونية بالكونجرس جماعة الإخوان جماعة إرهابية، ورغم صعوبة التوصل لقرار نهائى يمكنه أن يصيغ قانونًا أمريكيًا رسميًا بإرهابية الجماعة، إلا أن المشروع فى حد ذاته يعد تحولًا نوعيًا فى العلاقات الأمريكية بالجماعة، الأمر الذى اضطر قيادات الجماعة للتحرك فى أكثر من اتجاه يضمن لهم الوجود والاستمرار فى المشهد السياسى. وكان من الطبيعى أن تلجأ الجماعة فى بداية تحركها لعراب المصالحات سعد الدين إبراهيم، ليس فقط لتحسين العلاقة مع الجانب الأمريكى، ولكن أيضًا للتواصل مع السلطة المصرية ومحاولة البحث عن حلول تنهى الأزمة بين الإخوان ونظام الرئيس السيسى، فقد سبق لإبراهيم تبنى مبادرة شبيهة، منتصف العام الماضى، ودعا حينها الرئيس عبد الفتاح السيسى لمعاملتهم كما عامل الرسول أهل قريش، ولكن مبادرته تم رفضها وعدم الالتفات إليها، وقبل كل ذلك فإن إبراهيم صاحب الفضل فى خلق علاقات إخوانية أمريكية بعد أن قدم الجماعة للمسئولين الأمريكان عام 2003. وأرسلت الجماعة للدكتور سعد الدين مبادرة مكتوبة للصلح وفتح بابًا جديدًا للحوار مع السلطة وحددت ملامح المبادرة، ودعت سعد الدين لتبنيها، وبالفعل رحب سعد الدين بالمبادرة، مع تحفظه على بعض بنودها، وعمل على تنظيم عدة لقاءات داخل مركز بن خلدون بينه وبين عدد من أبناء القوى المدنية قبل توجهه إلى تركيا بعدة أيام، وبعد مناقشات اشترك فيها حزب الوسط وحركة 6 أبريل وبعض الأحزاب الإسلامية وبعض شباب الإخوان بمصر، وكلها كانت عبارة عن جلسات حوارية منفردة مع كل تيار، حتى لا يثار الأمر إعلاميًا، ثم توجه سعد الدين إلى تركيا لمناقشة ما توصل إليه مع قيادات الإخوان بالخارج وعلى رأسهم محمود عزت نائب المرشد والقائم بأعماله، ومحمود حسين أمين عام جماعة الإخوان تحت رعاية أيمن نور وفى منزله فى إسطنبول، وخلال اللقاء قدم سعد الدين ملاحظاته على بنود المبادرة، وأكد للإخوان أن شعبية السيسى لا تزال قوية ومن الصعب قبول المبادرة إلا بعد تقديم بعض التنازلات مع فتح باب حوار مع كافة التيارات المدنية لضمان ظهير قوى يساند المصالحة، ويمكنه مواجهة الرفض الذى سيحدث عند طرح الأمر للنقاش، ولم تبد الجماعة، خاصة الشباب، أى رفض لحديث سعد الدين ولكن لم تبد ترحيبًا أيضًا، وأكد سعد الدين خلال اللقاء الذى حضره الرئيس التونسى السابق منصف المرزوقى، حليف إخوان تونس، أنه سيكمل الحوار مع باقى التيارات المدنية والأحزاب بشكل سرى حتى يتم الوقوف على رأى محدد وبنود ترضى جميع الأطراف. ولكن حدث أن تسرب خبر اللقاء إعلاميًا وبدأت تتضارب التصريحات، ففى البداية أكد سعد الدين أن أمين الجماعة طلب منه تبنى المبادرة ثم عاد ليؤكد أنه هو من بادر بها بصفته ناشط سياسى، وذلك بعد أن نفى محمود حسين الخبر وذكر أن اللقاء كان صدفة خلال زيارة صحية للدكتور أيمن نور. وكشف عمرو عمارة، المنشق عن جماعة الإخوان، ووكيل مؤسسى حزب العدالة الحرة، عن حضوره الاجتماع السرى الذى نظمه الدكتور سعد الدين إبراهيم قبل سفره إلى تركيا بأسبوعين لمناقشة المبادرة التى أرسلتها قيادات الإخوان للتصالح وفتح باب الحوار مرة أخرى، وقال «بعد اتصال من دكتور سعد طلب فيها لقاءنا وبعض الشباب المنشقين عن الجماعة وشباب التيار المدنى، قدمنا اعتذارًا عن مناقشة المبادرة، وذلك بوجود أحمد ماهر، لحساسية موقفنا وحتى لا يقال إننا نحاول العودة للإخوان وإنه لا يوجد انشقاق بالأصل، خاصة أن بعض وسائل الإعلام لا تتحرى الدقة فيما تنقل أو تقول، ولكن أشهد الله أننا رأينا أوراق المبادرة، وما تضمنته بما يفيد أن جماعة الإخوان هى التى طلبت تدخل الدكتور سعد. وعن تأكيد سعد على أنه هو من تقدم بالمبادرة، قال عمارة «الدكتور يريد إنهاء الأزمة، لأنه وفقًا للاتفاق كان سيتم التكتم على تفاصيل الاجتماعات واللقاءات التى تتم حتى يخرج بقرار نهائى بين كافة القوى المدنية، وكان سيتم الإعلان عن المبادرة بعدها، بهدف عدم الحشد ضد المبادرة كما يحدث عادة، ولكن بعد كشف كواليس اللقاء، اضطر الدكتور سعد لنسب تقديم المبادرة لنفسه، خاصة أن الإخوان ادعوا أن اللقاء كان صدفة، بينما هو لقاء مدبر من قبل أن يسافر الدكتور إلى تركيا، وقد تعجبت عند قراءة النفى، فهو يوضح لأى مدى وصل الكذب لديهم». ويضيف عمارة «لقد سبق أن أعلنا أننا سوف نتوجه لليمن، بينما فى الحقيقة كان التوجه لتركيا لمناقشة أمر التصالح مع الإخوان، وتراجعنا حتى لا تثار حولنا الأقاويل». وحول بنود المبادرة التى أرسلتها قيادات الإخوان للدكتور سعد قال عمارة «أولًا تشكيل مجلس رئاسى يقود المرحلة الحالية، والإفراج عن قيادات الجماعة المعتقلين، وحل البرلمان الحالى، وتشكيل لجنة لتعديل الدستور، واستبعاد المؤسسة العسكرية من الحياة السياسية ومن الحوار، وبالقطع كان هناك خلافات عديدة حول بنود المبادرة، وهذا ما نقله سعد لقيادات الإخوان».
وفاجأنا عمارة بأن «شباب الجماعة، على عكس ما يشاع عنهم، فإنهم يريدون إنهاء الأمر لأنهم أكثر الفئات التى عانت من الأزمة، سواء الملاحقات الأمنية أو أزمات العمل أو التضييق فى الجامعات، لذلك فإن 80 فى المائة من أبناء الجماعة مؤيدون لمبادرة الصلح ويرغبون فى الحوار، بينما الأكاذيب تثار عن رفضهم له». وفى تصريح ل«الصباح» أكد دكتور سعد الدين إبراهيم على تصريحاته السابقة بأن المبادرة اجتهاد فردى منه وبدون تكليف من أحد، وأن الفكرة فى حد ذاتها ستحقق مزيدًا من الاستقرار وقابلة للتنفيذ، مضيفًا «التقيت بالدكتور محمود عزت وعدد من قيادات جماعة الإخوان بمنزل الدكتور أيمن نور بالعاصمة التركية إسطنبول لبحث آليات التصالح مع الدولة وفتح قناة اتصال جديدة لتحقيق الاستقرار المرجو، خاصة أن المرحلة التى نمر بها تحتاج إلى الحوار البناء». وتابع إبراهيم «هناك ترحيب من قبل شباب الجماعة بالمبادرة يقابلها تحفظ من قيادات الإخوان، وعليه كنت حريصًا على توصيل رسالة مفادها أن سقوط السيسى هو مجرد تخيل فى عقول الإخوان فقط دون غيرهم، وإذا كان هناك تراجع فى شعبية الرئيس فهو بنسبة محددة لا تتجاوز ال 10 فى المائة، بما يعنى أن باقى الشعب لا يزال يدعمه».