لا تكفى المواجهة الأمنية للقضاء على الإرهاب، فثمة مدن عالمية كبرى مثل مدريد ولندن ونيويورك، لم تسلم من حوادث إرهابية متكررة رغم الخطط الأمنية المحكمة، لذلك فإلى جانب الحل الأمنى لابد من تضافر عدة عوامل أخرى لمواجهة الإرهاب بشكل فعَّال، أهمها منع مصادر التمويل عن الإرهابيين ومن يساندهم. تجفيف منابع التمويل، وتشديد الرقابة عليها يخنق الخلايا الإرهابية، وهو ما بدأته الحكومة عن طريق تجميد أرصدة الجماعة فى جميع البنوك المصرية، ومصادرة أموالها التى تستخدمها عناصر الجماعة فى دعم الأعمال الإرهابية استهدفت مؤخرا قوات الشرطة والجيش والسائحين، مما اضطر الجماعة إلى اللجوء لأساليب تمويل جديدة نكشف النقاب عنها فى هذا التحقيق، تعمدوا فيها أن تكون خارج إطار رقابة الدولة المصرية، ويسهل من خلالها استقبال وتحويل الأموال عبر الحدود دون رقابة من البنك المركزى. أبرز الأساليب التى يستغلها أعضاء الإخوان لتمويل أعمالهم الإرهابية هى سوق «الفوركس»، فى حين تأتى عمليات الصرافة - والتى يستحوذ أعضاء جماعة الإخوان المسلمين على 75% من الشركات العاملة بها فى السوق المصرى وفقا للخبراء- فى المركز الثانى. الفوركس كلمة «فوركس» تشير إلى «البورصة العالمية للعملات الأجنبية»، وهى اختصار للمصطلح الاقتصادى من اللغة الإنجليزية «Foreign Exchange Market» أى «سوق تداول العملات الأجنبية» و«الفوركس» يعتبر أحد الأسواق الخفية التى تعمل خارج رقابة البنك المركزى المصرى والهيئة العامة للرقابة المالية، وتديره بعض الشركات بدون تراخيص رسمية، ويعتبر سوق الفوركس هو أكبر سوق مالى فى العالم بالمقارنة بسوق البورصة، ويتم عن طريق الإنترنت بين مستثمرين فى مصر والخارج. هذا النوع من النشاط المالى بدأ فى الانتشار فى مصر بنهاية عام 2008بعدها تحول إلى ظاهرة، واستخدم كغطاء لجمع الأموال مع بداية عام 2009 خاصة مع استمرار هبوط البورصة المصرية، من خلال ترخيص استشارات مالية لبعض شركات السمسرة، ورغم أن حجم تجارة الفوركس اليومية يتجاوز 4 تريليونات دولار عالميا، إلا أن الحكومة المصرية مازالت لا تعترف به، مما يعطى الفرصة للمتعاملين خارج إطار القانون بتكثيف أنشطتهم المشبوهة ضد مصر. خبراء فى تداول الأوراق المالية ومتخصصون فى تجارة الفوركس أكدوا ل«الصباح» وجود نشاط غير مسبوق مؤخرا من بعض صغار المستثمرين الذين ينتمون لجماعة الإخوان، وبواسطته يقومون بإدخال أموال التنظيم الدولى إلى داخل مصر بأسماء وهمية يصعب الوصول إليها، خاصة أن حجم هذه الأعمال ليس كبيرا فى سوق الفوركس، فقيمة المستخدم فى العمليات الإرهابية من تمويل الفوركس حتى الآن لا يتجاوز فى تقديرهم نسبة 20% من التمويلات التى تستخدمها الجماعات الإرهابية. الخبراء رجحوا تنامى هذه النسبة خلال الفترة المقبلة، خاصة مع تشديد الدولة للحصار على منابع حركة أموال الجماعة فى كل البنوك المصرية، وتجميد أجزاء كبيرة من أنشطتهم فى البورصة المصرية، بما يلقى باللوم على الجهات الرقابية فى مصر من ضرورة تقنين تلك الأسواق ووضعها تحت السيطرة، خوفا من تضخمها خلال الفترات المقبلة. سوق الصرافة يعتبر أحد أبواب الجماعة الخفية للتمويل، خاصة أنها تساهم فى تسهيل حركة نقل الأموال عبر الإنترنت، وعمليات النصب خارج سيطرة الجهات الرقابية فى مصر، وسيطرة الجماعة على سوق الصرافة المصرى مكنتهم من خلق مناخ آمن لتداول أموالهم داخليا وخارجيا بعيدا عن رقابة البنوك والحكومات، وذلك منذ دخولهم سوق الصرافة المصرى والاستحواذ على أكبر حصة داخل الأسواق المصرية والعربية، حيث برز نشاطهم أكبر قبل دخول سوق الصرافة فى إطار رقابة البنك المركزى المصرى، بالإضافة إلى قيامهم بالاستحواذ على حصص كبيرة فى سوق «الفوركس» خارج الرقابة. د. مختار الشريف، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، أوضح أن الإخوان احترفوا التداول الإلكترونى عبر الإنترنت، لذلك فلن تستطيع الجهات الرقابية التعامل معهم أو ضبطهم، مشيرا إلى أنه من خلال الفوركس يتم تحويل الأموال عبر الإنترنت بشكل غير رسمى، ويتم استخدامها حاليا لأغراض ستظهر آثارها فى الفترات المقبلة فى التفجيرات الإرهابية التى تحتاج إلى تدفقات كبيرة من الأموال عبر الحدود، معتبرا أن الحكومة الحالية فى حالة حرب اقتصادية كبيرة «لن تقدر عليها»، لأن أطرافها منظمات دولية تتركز فى تركيا وأوروبا وتحترف تجارة العملات الأجنبية وتحويلها عبر الإنترنت إلى الداخل المصرى. الشريف فسر استحواذ جماعة الإخوان على سوق الصرافة وتحويل الأموال فى مصر بأن الجماعة تستطيع الحصول على العملة الصعبة من أتباعها المصريين فى الخارج، ليقوموا بتحويلها لأهاليهم فى مصر بالجنيه المصرى، هذه الأموال تصب فى حسابات الجماعة للاستفادة من فارق العملة لصالحهم، مستغلين أن كل هذا يتم دون علم البنك المركزى. وعلى صعيد قطاع الصرافة فى مصر يبلغ عدد الشركات فى مصر حاليا 140 شركة 75% منها يشرف عليه إخوان، وفقا لما أكده «الشريف»، مشيرا إلى أن البنك المركزى قام بإغلاق 40 شركة صرافة تابعة للإخوان حتى الآن، كما أن هناك عددا كبيرا من تلك الشركات ترتبط بشكل غير مباشر بعناصر تنتمى للتنظيم، لهذا فدور التحريات الدقيقة وعمليات جمع المعلومات مهم جدا للوصول إلى تجفيف منابع تمويل العمليات الإرهابية. من جانبه قال محمد النجار، الخبير فى سوق المال إن ترك البنك المركزى سوق «الفوركس» خارج الرقابة يعمل على مضاعفة نشاط هذا السوق فى مصر، خاصة أن من يقومون باستخدامه هم مجموعة محترفين من صغار المستثمرين يصعب ضبطهم، موضحا: « المتعاملون فى هذا السوق غير معروفين لدى الجهات المختصة، كما أن حركة التداول والتحويلات فى سوق الفوركس تحتاج لمبالغ كبيرة جدا لا يقدر عليها أى فرد عادى، ويتم فيها عمليات نصب كبيرة». النجار اعتبر أن هذه هى الطريقة الأسهل لتحويل وتهريب الأموال من التنظيمات العالمية لبعض الأفراد فى الداخل المصرى، وهذ ما يبرر اهتمام بعض القيادات الاقتصادية للإخوان فى الفترات الأخيرة من حكم مرسى بالاستحواذ على العملة الأجنبية واحتكار الدولار فى مصر، لأنهم يعرفون أنها قابلة للتداول فى أسواق غير رسمية بدلا من كشفها عن طريق مباحث غسيل الأموال. من جانبه حذَّر سعيد هلال رئيس شركة «الهلال» للأوراق المالية من خطورة ترك سوق الفوركس بدون رقابة أكثر من ذلك، لأن تأثيره على الوضع الاقتصادى سيكون سلبيا جدا، خاصة أن من يسيطرون عليه الآن مجموعة تحترف النصب على المواطنين والتعاون مع جهات خارجية هدفها الوحيد الإضرار بمصر.