بين جدران سجن القناطر كثير من الحكايات التى لا تكشف عما يدور بداخله، قدر ما تفضح أحوال المجتمع، الذى دفع بعدد من النساء لارتكاب جرائم، أدت بهن لقاعة المحاكمات، ثم قضاء الليالى الطويلة فى حزن على مستقبلهن الذى ضاع، ومعه حلمهن فى أن يكنّ أمهات. الفقر أحد الأسباب الرئيسية فى اندفاع المرأة لعالم الجريمة، خاصة إذا كانت تمتلك قدرا من الجمال والطموح الزائد، أفلام كثيرة صورت هذا المشهد، الفتاة التى تستخدم جسدها من أجل المال، لكن الواقع يبدو دائما أشد قسوة من أى فيلم. حكاية «جميلة الجميلات» عمرها لا يتجاوز ال27 عاما، لجمالها الذى لا يختلف عليه أحد، كانت محط أنظار زملائها فى كلية الآداب، تعرفت فى السنة الثانية على زميل لها، وتروى «ع» قصتها مع هذا الزميل الذى دفعها لقفص الاتهام: «بعد حصولى على الثانوية العامة، تم توزيعى بمعرفة مكتب التنسيق على كلية الآداب جامعة القاهرة، فاضطررت للإقامة فى المدينة الجامعية، والابتعاد عن أسرتى التى كانت فى حالة مالية سيئة». وكما يحدث فى الأفلام حدث فى الواقع، فقد تعرفت «ع» على زميل لها، وتطورت العلاقة بينهما، حتى اصطحبها للتعرف على والدته، فلفت نظرها تواضع منزله، على الرغم من أنه يبدو على تعاملاته المالية فى الجامعة الثراء، فبرر ذلك أنه يعمل فى مجال التجارة والسمسرة، وتعددت اللقاءات فى بيت عائلته، وتطور الأمر إلى ممارسة الجنس، وفض بكارتها باسم الحب. وعلى عكس الأفلام لم يتهرب الحبيب من مسئوليته وتقدم للزواج منها، وبالفعل وافقت أسرتها، ولكن كان ذلك مقابل قدر من التنازلات البسيطة منها، بأن تجلس مع راغبى المتعة من العرب فى الشقق المفروشة، حتى يمكن الحصول على قدر من المال لإعداد منزل الزوجية. فى بداية الأمر رفضت «ع» الفكرة، إلا أنها وافقت بعد إلحاح منه، وبعد إغداق الهدايا والملابس عليها، وبالفعل بدأ الحبيب النذل باصطحاب «ع» إلى العديد من الشقق فى بعض الأحياء الراقية فى القاهرة، التى يتردد عليها العرب، وبعد أقل من عام أصبح معهما مبلغ كبير من المال تمكنا به من شراء سيارة وشقة فى حى راق، وقد تم كتابة هذه الممتلكات باسم الزوج، واستمرت «ع» فى علاقتها الجنسية غير المشروعة لمدة 3 سنوات، وفى إحدى المرات، قبضت عليها الشرطة فى حالة تلبس، ليصدر ضدها حكم بسنتين سجنا. الزوج والشقيق تجار مخدرات أما الحكاية الثانية من حكايات سجن القناطر التى لا تنتهى، فهى لفتاة من أسرة كثيرة العدد، لم يهتم الأب بشىء سوى الإنجاب، فجاء ترتيبها الرابع بين ثلاث بنات وأربعة ذكور، وهى تسكن فى إحدى الأحياء الشعبية الفقيرة، ولم تحصل سوى على الشهادة الابتدائية، ولم يكتف الأب بزوجته وأولاده الذين لا يستطيع الإنفاق عليهم، فتزوج من أمرأة أخرى، تاركا مسئولية الأولاد لزوجته فازادت الأوضاع سوءا، واستمرت البنت فى هذا الوضع حتى بلغت ال18 من عمرها، لتتزوج من صديق شقيقها الأكبر، وهو تاجر فاكهة. ومضت الأيام على ما يرام، وبعد ثلاث سنوات اكتشفت أن زوجها ما هو إلا تاجر مخدرات، وأن شقيقها زميله فى هذه التجارة، فى بداية الأمر رفضت «ك» قبول هذا الوضع، ولكن بعد فترة قصيرة تكيفت مع الوضع، بل أصبحت مساعدة له فى هذا النشاط، وبعد سنة ونصف السنة يسقط زوجها فى يد الشرطة، وتقضى المحكمة بحبسه خمسة أعوام، لتتحمل هى المسئولية نيابة عنه، وتتوسع فى النشاط ليشمل «الهيروين»، ولكن يتم ضبطها ومعها مجموعة من «التذاكر» كانت تقوم بترويجها، وألقى القبض عليها، وقدمت للمحاكمة التى قضت عليها بالسجن. «السرقة على كبر» ومن أغرب حكايات القناطر، قصة الأب الذى تعلم السرقة على كبر، من خلال تردد أشخاص يحترفون سرقة المنازل على الكشك الخاص به، فقد توطدت علاقته بهم، ليعرضوا عليه رغبتهم فى أن يشترك معهم فى سرقة بعض الشقق، فوافق، وبعد مرور سنوات، قرر أن يعمل بمفرده بمساعدة ابنته «ه» وأخيها. وتقول «ه»: «استمرينا فى ممارسة هذا النشاط لعدة سنوات وبشكل منتظم، ولكن ذات مرة وجدوا خزينة فى إحدى الفيلات لدى قيامهم بسرقتها، فقرر أبى ضرورة الاستعانة بشخص يجيد فتح الخزينة، وبعد تفكير عميق انتهى إلى أن الشخص الذى يصلح لذلك ابن عمتى وهو فى نفس الوقت زوجى باعتباره حاصلا على دبلوم صنايع قسم حدادة، ويمكن أن يكون عنده فكرة فى كيفية فتح الخزن، وبالفعل تم تجنيده واستمر فى نشاطه معنا. وتضيف: «وبعد عدة سنوات من زواجى، قمنا بممارسة سرقة المساكن بشكل منفصل عن والدى وشقيقى، وأصبح لنا منطقة سكنية خاصة بنا ندرس أحوال المساكن فيها، وحينما نجد مسكنا مناسبا يصلح كضحية للسرقة نقوم بإعداد خطة جيدة لسرقته، وفى إحدى المرات قبضت علينا الشرطة، وقدمتنا للمحاكمة ومنها إلى هذا السجن». ابن الجيران.. السبب ومن الحكايات التى نسمعها من إحدى السجناء، أن «ن» كانت من أسرة فقيرة، وأجبرها والدها على الزواج من رجل كبير، ولم يستجب لرفضها: «فتحت ضغط وتسلط الأب امتثلت للأمر وتم الزواج، وعاشت بصورة طبيعية لمدة سبع سنوات» ولكن بعد هذه الفترة، حدث تغير فى العلاقة الزوجية، بعد أن دخلت فى علاقة عاطفية مع ابن الجيران، وقرر العشيق والزوجة التخلص من زوجها، حتى ترثه وتتزوج بمن تحب، فقررا قتله، ولكن انكشف أمرهما بعد ارتكاب الجريمة بقليل، وأجرى التحقيق معهما واعترفا بارتكاب الجريمة وحكم عليهما بالأشغال الشاقة المؤبدة. جرائم الآداب فى الصدارة ويرجع د. ناجى فى كتابه «جريمة المرأة فى المجتمع.. دراسة اجتماعية عن نزيلات سجن القناطر» الصادر عن هيئة قصور الثقافة، طبيعة الجرائم التى ارتكبت فى الحالات السابقة لعددة أمور منها: انخفاض المستوى الاقتصادى للأسرة ومن مؤشراته قلة الدخل وتواضع السكن، تمتع الحالة بقدر من الجمال والجاذبية، انتشار السلوكيات المنحرفة بين أفراد الأسرة، زواج الأب بامرأة أخرى، وهجره لمنزل الزوجية، ومن ثم عدم قيامه بواجباته الأسرية من إنفاق ورعاية الأبناء، عدم التكافؤ فى الزواج من ناحية السن، وجود سمات وخصائص شخصية واجتماعية مهيئة للانحراف، كالطموح الشديد الذى لا يتفق مع الواقع. ويقدم مؤلف الكتاب أكثر من جدول تحليلى لنوعية الجرائم التى ترتكبها النساء، فاحتلت جرائم الآداب المركز الأول، وجاءت الجرائم الأخرى من حيث عدد السجينات كالتالى: المخدرات، القتل، السرقة، التزوير، الخطف، الزنا، كما تكشف الدراسة أن أكثر الأعمار ارتكابا للجرائم من 20- 30 سنة، وأقلها من 50- 60 سنة، وأن الجرائم تنتشر بين المتعلمات، خاصة من حاصلى المؤهلات المتوسطة، فنسبتهم أكثر من غير المتعلمين. ويعزو د. ناجى تعدد الجرائم فى المجتمع، خاصة فيما يخص النساء، إلى التطورات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التى شهدتها مصر منذ السبعينيات، وظهور خصائص وملامح جديدة لهذا التكوين، واتسامه بسمات اجتماعية وثقافية تختلف عن تلك التى كان يتسم بها فى السابق.