لا صوت يعلو على صوت معركة المواجهة الفاصلة للوصول إلى مونديال 2014، بعد أن أوقعت القرعة منتخب مصر أمام نظيره الغانى «النجوم السوداء»، الأمر الذى أسفر عن ردود أفعال متباينة بين تفاؤل وحذر وقلق من هذه المواجهة. وبعيداً عن الانطباعات التى تبنى من الأساس على خلفيات الماضى، أو نتائج المنافس الأخيرة فى التصفيات، فإن الملف الأهم يتعلق بملعبى مباراتى الذهاب والإياب، لاسيما بعد أن خدمت القرعة منتخب مصر بإقامة لقاء العودة الحاسم على ملعبه ووسط جماهيره. والمدهش أن كل المراقبين ركزوا على لقاء الإياب بمصر من دون أن يفكروا فى ملعب الذهاب، والذى توقع كثيرون أن يكون ستاد العاصمة الغانية أكرا،إلا أن الاتحاد الغانى أعلن عن إقامة اللقاء على ستاد بابايارا فى كوماسى الذى تم تجديده فى 2007، ويسع 40 ألف متفرج، كما حدث فى مباريات التصفيات السابقة، الأمر الذى يصب فى صالح منتخب مصر تماماً، لعدة أسباب.. أبرزها أن معظم لاعبى منتخب مصر يحفظون هذا الملعب عن ظهر قلب، منذ أن شارك عدد كبير منهم فى أمم 2008، وربما لا يعرف كثيرون أن شعبية لاعبى مصر لا تقل سطوة عن شعبية نجوم غانا الكبار فى كوماسى أمثال «أندريه أيو» «وأسامواه جيان» و«على سولى مونتارى» و«مايكل أيسين» و«كريستيان أتسو» و«كيفين برنس بواتينج»، بسبب إقامة منتخب مصر فى المدينة الهادئة لمدة أسبوعين، وتفاعل الأهالى والأطفال والشباب مع نجوم منتخب مصر. وعايشت بعينى «كاتب هذه السطور» الفرحة الغامرة التى كان عليها أهل كوماسى جميعاً، عندما يصل منتخب مصر من مقر إقامته فى فندق «جولدن تيوليب»، إلى ملعب المران فى إحدى المدارس، وكان وقت مران منتخب مصر بمثابة عيد لأهل المدينة، لأن النجوم الكبار محمد أبوتريكة ووائل جمعة والحضرى وعمرو زكى وعماد متعب وحسنى عبدربه وسيد معوض وأحمد فتحى وأحمد المحمدى ومحمد صبحى - وجميعهم لا يزال يلعب فى منتخب مصر حتى الآن باستثناء عصام الحضرى الذى سيعود خلال أول معسكر للمنتخب - كانوا يصرون على توزيع كونتينر مياه بالكامل على مئات المتواجدين، من أهالى المدينة، وهو أمر ذو قيمة كبيرة لارتفاع أسعار المياه هناك، التى تصل إلى ما يعادل 4 جنيهات مصرية للزجاجة الصغيرة «1لتر»، مع ملاحظة أن مياه الشرب هناك نادرة، ولا يمكن تناول المياه من المصادر الطبيعية مباشرة بسبب الأوبئة والميكروبات، ولا تستخدم مياه الصنابير إلا للاستحمام فقط، حتى فى الفنادق القليلة التى تتواجد فى المدينة.. وبات مران منتخب مصر هو الأكثر شعبية بين تدريبات المنتخبات الإفريقية التى شاركت مصر مجموعتها، وهى منتخبات الكاميرون وزامبيا والسودان، ما أذهل وسائل الإعلام العالمية والغانية على حدٍ سواء، وبات أى فريق يواجه منتخب مصر يشعر أنه أمام صاحب الأرض من فرط التشجيع الجنونى من أهل كوماسى للمصريين. هذا الحب الغامر يرجع إلى التواضع الشديد من نجوم منتخب مصر الذين طلبوا من طاقم الحراسة المكلف بتأمين بعثة منتخب مصر طوال فترة وجودها فى كوماسى بعدم اعتراض ألأهالى، والسماح لهم بالتعامل مع نجوم المنتخب دون حواجز أو أسوار شائكة. ولفت الأمر أنظار الضابط المسئول عن طاقم الحراسة، وكان مسلماً ويدعى «الحسين»، وبدوره ارتبط بشكل كبير بنجوم منتخب مصر، وعلى رأسهم محمد أبوتريكة، وحرص «الحسين» على أداء جميع الصلوات مع نجوم المنتخب فى جماعة، ومن فرط حفظه للقرآن وصوته العذب، تراجع أبوتريكة عن إمامة اللاعبين فى صلاة الجماعة ليفسح له المجال.. وبكى «الحسين» متأثراً فى أحضان تريكة، لحظة رحيل البعثة المصرية الأراضى الغانية عقب الفوز بكأس الأمم الإفريقية، ووعده المسئولون المصريون بقيادة الراحل أحمد شاكر أمين صندوق اتحاد الكرة، وسمير زاهر رئيس الاتحاد بزيارة الأزهر الشريف على نفقتهما الخاصة، تكريماً لدوره الكبير فى التفاعل مع اللاعبين، وتوفير كل سبل الرعاية للفريق. ومن فرط هذا الارتباط الكبير بين منتخب مصر وأهالى كوماسى، قرر نجوم الفريق ذبح عجل قبل كل مباراة للمنتخب، وتوزيع لحومها على أهالى كوماسى، مما عمق من مشاعر حب الغانيين ونجوم منتخب مصر، نتيجة هذا السلوك المبهر الذى لم تعتد عليه الجماهير الغانية حتى من لاعبيها المحترفين الكبار فى أوروبا. علاقة منتخب مصر الذى لا يزال يضم بين صفوفه عدداً كبيراً من نجوم 2008 بأهالى كوماسى، سيكون لها مردود رائع على لقاء الذهاب، لأن الماضى القريب سيجعل عامل الجمهور أمراً لا يشكل عبئاً على المصريين، وعلى الأقل سيؤدى لتحييد هذه الجماهير واستمتاعها باللقاء، خاصة أن أهل كوماسى بشكل عام يتميزون بالطيبة الشديدة، عكس أهالى العاصمة الغانية الذين تبدو عليهم العصبية بعض الشىء، ورغم أن الغانيين شأنهم شأن معظم دول الغرب الأفريقى يميلون لأعمال السحر والشعوذة، إلا أنهم يرفضون اللجوء لهذه الوسائل أمام الأندية والمنتخبات التى يحترمونها.