أكد الدكتور محمد المهدى أستاذ الطب النفسى بجامعة الأزهر أن المصريون الآن ينتابهم شئ من القلق والخوف ويتمنوا حالة الاستقرار، و بعد أن جربوا الفعل الثورى الذى بدأ يتراجع تأثيره بعض الشئ نظراً لأن الآلية الثورية استنفذت أغراضها تقريباً ولم تعد كما كانت، وبات ميدان التحرير محل انتقاد ولم يعد مثلما كان فى يناير و فبراير، ونضيف أيضاً إلى ذلك "الأغلبية الصامتة" التى ربما رأت أن الانتخابات هى الآلية التى تناسبها وتستطيع من خلالها أن تعبر بها عن نفسها خاصة أنهم لم يستطيعوا النزول للميدان والتظاهر للمطالبة والتعبير عن رغباتهم، ويكمل المهدى فى تصريحات خاصة للموجز مفسرا ما حدث فى الانتخابات والذى وصفه "الثورة الهادئة" بخروج كل هذه الجموع للصندوق هو دلالة على رغبة هذه الجماهير فى إحداث تغيير وإصلاح وتحقيق ما لم تحققه الإعتصامات والمليونيات، فخرج المصريين رغبة منهم وأملاً فى إنهاء حالة القلق والخوف التى يعيشونها نتيجة الانفلات الأمنى وتدهور الوضع الإقتصادى، وبعدما شعروا أن الفعل الثورى ليس قادراً على الوصول الى الاستقرار الذى يبغونه، وإنما رأوا الفعل الإنتخابى قادر على ذلك بتشكيل برلمان ومن ثم الانتخابات الرئاسية فلجئوا إليه، وأرى أن هذه هى الدوافع وراء الإقبال المتزايد على صندوق الانتخابات، وأرفض تماماُ ما يثار بأن المصريين خرجواً خشية من الغرامة المقدرة ب خمسمائة جنيه، لأنه لم يُغرم أحد من قبل رغم إقرارها منذ سنوات سابقة فى أكثر من انتخابات، ومسألة تطبيق الغرامة ذاتها صعب للغاية، وإن كان لها تأثير فقد يكون ضئيل جداً ويعتقد المهدى أن نتيجة الانتخابات تمثل الخريطة السياسية للشعب المصرى فى الوقت الحالى ، فى حين أن الشعب المصرى بطبيعته متدين والتدين هى إحدى السمات الستة التى يتميز بها الشعب المصرى وهى (ذكى، طيب، مرح، يحب الاستقرار، يتميز بالحس الفنى، متدين) وجاءت هذه السمة نتيجة لطبقات تدين كثيرة عاشها المواطن المصري ابتداء من الديانة المصرية القديمة والمسيحية ومن بعد الإسلام مما جعل المزاج العام للمصريين دينياً وجعل الشخصية المصرية مشبعة بالاتجاهات والطقوس الدينية وذلك نجده ظاهراً فى مفردات الكلام وأسلوب الحياة حتى ممن لم يبدو عليه أنه ليس متدينا، وفى الوقت الحالى توجد تيارات دينية تمتلك قواعد شعبية راسخة كونتها أثناء فترة الجفاف السياسى الطويلة التى عاشها المصريون طوال السنوات الطويلة الماضية، مما دفعهم دفعاً إلى تنظيم مجموعات وتنظيمات دينية وهذا ما جعل للإخوان والسلفيين قواعد شعبية كبيرة جداً، وفى المقابل نجد النخب الليبرالية واليسارية والعلمانية صاحبة ظهور إعلامي كثيف وواضح مما يعطى إيحاء بأن مصر بها تيار ليبرالى وعلمانى قوى، وهذا غير صحيح بالمرة، لأن الانتخابات والاستفتاءات هى التى تحدد الخريطة السياسية الحقيقية، ويختلف المهدى مع من يدعى بأن هناك 30% أميين لا يدركون السياسة هذا إدعاء خاطئ جداً، فليس بالضرورة أن يكون المواطن ملماً بالقراءة والكتابة حتى يعرف مصالحه، ورفض المهدى فى مستهل حديثه ما قيل بعد نتيجة الاستفتاء على التعديلات الدستورية من قبل البعض أن 77% صوتوا بنعم حتى يدخلوا الجنة أو خوفاُ من دخول النار هذا غير المنطقى، ولكن المصرى بطبعه يحب الاستقرار كما ذكرنا فهى أيضا من سماته السته فلذلك قام بالتصويت لصالح نعم، وتعرض الشعب المصرى للاستبداد والقهر من الحكام طوال سنوات طويلة فى مقابل ألا يضحى باستقراره، وما حدث فى 25 يناير كان نتيجة تراكم شديد لظلم وقهر مرير أنفجر بشكل تلقائى وبلا تخطيط ورداً على سؤالنا حول رغبة الشعب المصرى فى الاستقرار قد أدت به إلى الاستسهال والخضوع للحاكم قال المهدى أن الشعب المصرى وصل فى كثير من الأحيان إلى إهانة نفسه وإذلالها مقابل ألا يضحى باستقراره، والرغبة فى الحفاظ على الاستقرار بالفعل قد تؤدى الى الخضوع والاستكانة، وتحدث المهدى عن الخريطة السياسية فى مصر والتى يحسم أغلبها الإخوان والسلفيين جاءت نتيجة إلتحامهم بالشارع طوال فترات طويلة، عكس التيارات السياسية الأخيرة كالتيار اليسارى الذى أحترمه بشده وأعتبره جزء أصيل فى التاريخ والثقافة بمصر إلا أنه لم يعمل وإكتفى القائمين عليه بالثرثرة الاعلامية فقط مبرراً موقفه هو باقى التيارات الليبرالية والقومية بأن النظام السابق أقصاهم وقمعهم، وهذا ما حدث أيضاً مع التيار الإسلامي الذى امتلأت المعتقلات بأبنائه ولكنه لم يستسلم لهذا القمع بل بحث عن مخرج يمارس به احتكاكه بالشارع ليكون له هذه القاعدة الشعبية الضخمة التى مكنته من الحصول على هذه النسبة التصويتية فى الانتخابات، وأحب أضيف أمراً هاماً أن هذه النتيجة تعكس يأس المصريين من التوجهات الأخرى حيث أن المشروع القومى و كان محط أحلام الجماهير مع ظهور عبد الناصر وسطوع نجمه، ولكنه فشل فشلاً ذريعاً مع هزيمة 67، وكانت مصر تعيش لحظتها انكساراً رهيباً ولقد عشت وعايشت هذه اللحظة بنفسى ورأيت كيف يأس الناس جداً من فكرة القومية العربية ، وانكسر هذا الحلم فى وقت كان يبحث المصرى عن الهوية التى تعطيه الإحساس بالعزة والكرامة فلم يجد أمام المصريين الى اللجوء الى الهوية الدينية فلجأ المسلم الى الهوية الإسلامية والمسيحى الى الهوية المسيحية، نظرا لأن الإنسان بطبيعته يبحث عن الهوية والانتماء، ورجع لأكثر نقطة تحقق له حلمه وهى الحضارة الإسلامية فبدأ يستلهم الهوية الإسلامية فى محاولة لاستعادة العزة والكرامة والصلابة فى مواجهة الاستبداد الداخلى والقهر الخارجى ، وبالتالى تجد أن مد الإسلام السياسى مرتبط جداً بهذة النقطة