اهتمت صحيفة "ذي جارديان" البريطانية اليوم بنشر مقالا لمراسلها مارتن تشولوف بعث به من بيروت يقول فيه انه رغم ان قادة حزب الله نفوا مشاركة رجالهم في الصراع الدائر بين المعارضة والنظام في سوريا، الا ان تورط الجماعة المتشددة الشيعية في سوريا اضحى اليوم وسام شرف للعائلات التي تدفن قتلاها الذين سقطوا داخل سوريا. وفي ما يلي نص المقال: "كان العمال منهمكين في الحجرة التي يكرم فيها حزب الله موتاه. وفي احدى زوايا مقبرة الشهداء في بيروتالجنوبية، جلست اربع نساء بالملابس السوداء القرفصاء قرب احد القبور الجديدة وهن يتلون آيات من القران الكريم. وعلى بعد بضعة امتار، غطى علم الجماعة الاصفر حفرة جديدة في مكان زين بالرخام الابيض. وملأت نفحة رائحة بخور انحاء الغرفة. كان هناك قبر اخر، من الاسمنت المسلح لم يجف بعد، اذ لم يكتمل بناؤه. وفي المجموع كانت هناك سبع حفر جديدة. ولم يبتعد الحفار عن ذلك الموقع كثيرا. اذ كان ينتظر استلام المزيد من الجثث يوم الجمعة (أمس). وعلى هذا الاساس، فان الحجرة الصغيرة، وهي الضريح الذي اقامته حركة حزب الله للرجال الذين يقتلون في الصراع الدائر في سوريا، سوف تمتلئ عن آخرها عما قريب. والحركة الدؤوب في مقبرة الشهداء كانت اكثر الايام ازدحاما للحركة منذ حرب العام 2006 ضد اسرائيل، التي يقدر عدد القتلى بين افرادها ب400. اما القبور الجديدة هناك فقد حفرت خلال الايام العشرة الماضية. وهناك العديد من القبور الاخرى التي يغطيها العلم الاصفر والاخضر المعتاد في قرى لبنان حيث التذمرات من حرب مختلفة تمخضت عن تضحيات وخسائر. والجثث التي وصلت حديثا حملت معها حقيقة جديدة لحزب الله، استغرق الكشف عنها علنا عامين من الانتفاضة والحرب في سوريا المجاورة: وهي ان جميع القتلى فقدوا حياتهم في مقاتلة العرب في سوريا وليس اليهود في اسرائيل. وهذا التغيير في الاتجاه، وهو الذي ظلت قيادة الحركة تنفيه لفترة طويلة، تحفظه عائلات القتلى باعتباره شعار تكريم. وقال كثير من الاقارب الذين التقت بهم صحيفة "ذي غارديان" ان ابناءهم واخوتهم كانوا يدافعون عن لبنان ضد المتآمرين الاجانب – وفي هذه الحالة السلفيون من الشرق بدلا من الصهاينة من الجنوب. وقال احد الاقارب المكلومين في ضاحية الشياح في بيروت يوم الجمعة "يأتينا التهديد من كل جانب. غير ان وراء ذلك كله يدا خفية لاسرائيل". جاء كثير من الاقارب الى مقبرة الشهداء لدفن طلب فضل الذي قتل اثناء مقاتلة الثوار في بلدة القصير السورية. امتطى رجال بالملابس الزيتية الخضراء الدراجات النارية في الطرقات جيئة وذهابا، وكلها مغلقة بحواجز حديدية بينما كانت الاجراءات تتخذ للدفن في قاعة الجنازات المجاورة. واوقفت شاحنة عند زاوية الطريق تملأ المكان بترنيمات الشهداء في مختلف شوارع وحارات اراضي الحركة الخفية. واستعدت فرقة موسيقية نحاسية لمن سيصل في الثانية بعد الظهر. واخذت تعد نفسها بالافادة من زيارة وفد ايران قبل ساعات، وصدحت بالموسيقى الثورية، اكثر من الالحان الحزينة التي تصاحب الخسائر في الارواح. جاء 70 من الايرانيين في حافلتين، واتجهوا جميعا نحو القبور الجديدة، وسألوا المرشدين عن المكان الذي قتل فيه كل منهم. وامضوا وقتا اطول امام احد القبور في وسط الحجرة، وكان ذاك قبر آخر عضو في حزب الله يقتل في سوريا قبل الانتفاضة، وهو عماد مغنية، الذي كان القائد الاستراتيجي والعسكري الرئيسي للحركة، الذي اغتاله اسرائيليون في دمشق في شباط (فبراير) 2008. وقام بعضهم بالانحناء تكريما للقتيل وانحنوا ليلمسوا الغطاء الرخامي للقبر. بينما لمس اخرون بهدوء جدران الحجرة تكريما لجميع القتلى، الجدد منهم والقدامى. والى جانب مغنية كان هناك قتيل وصل حديثا هو رابية السعدي، وقد غطي على غير ما هو متبع بعلم احمر. والى جانبه كان هناك هادي، ابن الامين العام لحزب الله حسن نصر الله الذي قتل على ايدي الجنود الاسرائيليين في جنوبلبنان في العام 1997. وجثم رجل في منتصف العمر امام قبر ابنه ذي ال17 ربيعا الذي قتل في المعركة خلال تلك السنة. وضع يدا على زاوية القبر واجهش في البكاء. وعندما وقف ليغادر المكان قال "البكاء هو الثمن الذي ندفعه لاحبائنا". وفي عالم حزب الله الخفي هناك شيء يحمل مشاعر الايحاء في المقبرة. فاعضاؤها يعيشون داخل اسرارهم، لكنهم يموتون من دونها. ومع تصاعد عدد القتلى والجرحى خلال الاسبوع الفائت، ظهرت صورة اكثر وضوحا في ما يتعلق بمدى انغماس الجماعة في سوريا، وهي المعركة التي ظل نصر الله ينكر لفترة طويلة انه يشارك فيها. غير ان صدى هذه الانتقالة يصم الاذان في انحاء لبنان وخارجها. فالتوترات الطائفية التي تفجرت في غير مكان مع ما حملته من ارهاق، اصبحت الان اكثر وضوحا وفاعلية مما كانت عليه لعقود كثيرة. وقالت لاجئة من القصير هذا الاسبوع، وهي ام سنية لثلاثة: "ربنا يحمينا. الناس يقولون انهم يخشون من نشوب حرب عالمية. لكننا نفضل حربا عالمية على هذه الحرب. فاما ان نموت او نعيش بكرامة". وقد اعلن نصر الله الذي قلما يظهر في العلن خلال سلسلة خطابات القاها اثناء العامين الماضيين، تأييده المطلق لبشار الاسد، الذي كان نظامه ضروريا للحافظ على قوة حزبه. لكنه رفض ادعاءات المعارضة بانه يقوم بدور اكبر من مجرد مؤيد معنوي. ففي الاشهر الثمانية الاخيرة غير زعيم حزب الله من لهجته، اذ قال في البداية ان رجالا من الحزب "لم يشاركوا بعد" في سوريا، ثم سلط الاضواء على التهديد الذي تتعرض له اضرحة الشيعة هناك وخاصة مسجد السيدة زينب في دمشق، باعتبار ان ذلك سبب للنظر في المشاركة. وهذا العام بدأ تلفزيون "المنار" التابع لحزب الله يبث تسجيلات فيديو قصيرة تظهر مقاتلين على مقربة من المسجد – وكان ذلك اعترافا ضمنيا بالدعم العسكري المباشر. ولم يلبث موقع "فيسبوك" ان اظهر القتلى من اعضاء الحزب، ثم كانت هناك التعازي على قنوات حزب الله ومواقعه الالكترونية، ولكن من دون تفاصيل. ولم تكشف الحركة الا الاسبوع الماضي عن دورها في سوريا بعد ان شعرت ان بامكانها ان تفعل ذلك، ولعل ما اجبرها على ذلك عدد القتلى والجرحى العائدين من القصير. الا ان صخب المقابر وعظمة الشهادة لم تدفع قادة حزب الله حتى الان لمعالجة موضوع التورط المباشر – وهو خطوة يحمل تداعيات كبيرة في لبنان وفي المنطقة على حد سواء. حتى الآن، يترك التبرير للقاعدة المؤيدة للحزب، والتي يبدو قسم كبير منها مؤيداً للقرار، مستشهداً بضرورة توجيه ضربات استباقية الى جناعات المتمردين التي يعتقدون انها ستأتي لمقاتلتهم في ما بعد. قال محمد عبد الله احد سكان الضاحية: "انا مع حزب الله في هذا القرار لأن من الافضل ان نقاتلهم هناك على ان نقاتلهم هنا". واضاف: "الناس لا يفكرون بصورة تحليلية. (يقولون) اذا ارد حزب اله ان يفعل ذهذا فانه مقبول. يعتقدون ان حزب الله يعرف ماذا يفعل". وردد شخص آخر من سكان الضاحية شعوراً يسمع التعبير عنه على ناطق واسع في اوساط انصار حزب الله – ان المعارضة السورية تقودها "القاعدة" وتتجه الى لبنان. وقال ذو الفقار حمزة، 23: "انهم ارهابيون يتظاهرون بانهم مسلمون. يريدون ان يأخذوا السلاح من حزب الله ويؤيدون بصورة غير مباشرة الصهاينة واليهود. "كانوا خائفين حتى الآن من ان يقولوا ان حزب الله يشارك في القتال في بلدان اخرى بسبب الرأي العام العالمي". ويعبر انصار آخرون عن ارتياحهم تجاه التحول في مبرر وجود الحزب. وقال البائع علاء عترس: "انه قرار كبير طبعاً، ولكنه ضروري. اتظن انه لا توجد طائفية في الكويت او المملكة العربية السعودية؟ انهم يضهدون الشيعة هناك". بقي الزعماء المدنيون اللبنانيون صامتين الى حد بعيد عن احداث هذا الاسبوع. وبحلول امس الجمعة، اعيد على الاقل 30 من اعضاء حزب الله في اكفان. وجرح آخرون يعدون بعشرات كثيرة. وقدر انصاره ان الخسائر في الارواح اعلى بكثير، وقالت بعض المصادر الوثيقة الصلة ان طائرة نفاثة سورية قصفت عن طريق الخطأ مجموعة كبيرة من اعضاء حزب الله وقتلت منهم عدداً يبلغ 20 الثلاثاء. وفي مدينة بعلبك في الشمال – وهي مركز استراتيجي لحزب الله، على بعد 15 ميلاً فقط من مدينة القصير على الخط الامامي – كان اللاجئون الحديثو الوصول يتخذون ملاجىء من الحرب. وعلى مقربة، كان الهرمل الذي هو من القطاعات الرئيسية الاخرى للحزب حيث اجري استعراضه التأسيسي في 1982 وفوضته ايران بمقاتلة اسرائيل، يقطع مسافة ابعد على طريق تكييف انصار الحزب مع التغيير. فقد بدأ الاعضاء هنا في اشهار ملصقات ل"الشهداء" تكريماً لهم – وهو ما لم يحصل بعد في بيروت حيث تبقى لافتات تخليد لذكرى قتلى 2006 بارزة. في زيارة الى بعلبك الخميس، قال وزير خارجية استراليا بوب كار ان احداث الاسبوع اشارت الى تحول ملحوظ في الحرب في سوريا. واضاف ان الوضع المتردي هناك "يمكن ان يصبح حرباً اهلية طائفية عبر المنطقة. وستتمثل في حرب بين الشيعة والسنة في انحاء اكثر من بلد واحد وستكون هذه كارثة ضخمة. "هذا وضع خطير جداً الآن. يمكن ان نشهد تفكك دول وتفكك الحدود المتفق عليها التي كنا نراها في الشرق الاوسط". وعودةً الى الضاحية، لم يكن هناك تأمل يذكر في القضايا الاعم ابعد من رأي وجودي قائل ب"نحن مقابلهم"، وهو رأي انحدر الى "افضل لنا ان نضربهم اوَلاً". قال محمد عبد الله: "القتال ضد اسرائيل له معنى آخر ومذاق آخر غير القتال في سوريا". وسئل ايهما افضل مذاقاً فاجاب: "(القتال ضد) اسرائيل، بالتأكيد".