على مدار سنوات عديدة ظلت "مصر للألومنيوم" التى تُزين نجع حمادى وتعد إحدى شركات القابضة للصناعات المعدنية التابعة لوزارة قطاع الأعمال العام، إحدى أهم قلاع الصناعة الإستراتيجية فى مصر، ولم يشهد "عملاق الدولة" فى صناعة الألومنيوم يومًا خسارة على مدار تاريخه الذى يمتد لأكثر من 40 عامًا، حتى فى أحلك الظروف وأصعبها وقفت "مصر للألومنيوم" صامدة فى وجه التحديات بل ودعمت الاقتصاد القومى وساهمت فى وفرة الدولار وقت الشح والندرة، أما الآن فالوضع أصبح كارثى حيث تواجه قلعة الصناعة بالصعيد خطر الإفلاس والانهيار، فالأوضاع متردية، والتحديات كثيرة، والخسائر بالملايين، والوضع الغامض يلف مصير آلاف العمال، وكل ذلك وسط تعالى الصرخات والاستغاثات لانتشال الشركة من انهيارها وخسائرها المتلاحقة. آخر هذه الاستغاثات أرسلتها النقابة العامة للعاملين بالصناعات المعدنية والهندسية والكهربائية برئاسة المهندس خالد الفقي، إلى الرئيس السيسى، ورئيس مجلس الوزراء، للتدخل العاجل لإنقاذ مجمع الألومنيوم بنجع حمادى من الانهيار بسبب الخسائر الناجمة عن الارتفاعات المتواصلة في سعر الكهرباء، موضحة أن الكهرباء عنصر مشغل للمنتج بنسبة 41% من التكلفة، ورغم ثبات خام الألومنيوم إلا أن الكهرباء بارتفاعها يؤدي إلى المزيد من الخسائر، وكل زيادة في أسعارها ترفع تكلفة الإنتاج، ولافتة إلى أن الزيادة الأخيرة رفعت تكلفة الكهرباء من 33% من تكلفة الإنتاج إلى ما يقرب من 50%. النقابة العامة قالت، في بيان لها: "منذ تأسيس المجمع كنا نشترى الكهرباء ب3 مليم للكيلو وات، وصل في 2009 – 2010 إلى 9 قروش، لكن مع زيادة أسعار الكهرباء إلى 111 من 1-7-2019 بزيادة قدرها 102 قرشًا، شهدت التكلفة زيادة تبلغ 502 مليون جنيه مقارنة بأسعار 2018-2019، حيث بلغ إجمالي تكلفة الكهرباء للعام 2019-2020، 5455 مليون جنيه، في حين كانت العام السابق 4268 مليون جنيه، بزيادة قدرها 1087 مليون جنيه، فكل قرش زيادة في أسعار الكهرباء يكلف الشركة الواحدة 50 مليون جنيه سنويًا". ورصد تقرير مالي صادر عن مجمع الألومنيوم أهم المؤشرات الرئيسية لمشروع الموازنة التخطيطية 2019-2020، والذي حذر من خسائر متوقعة بسبب الاستمرار في ارتفاع أسعار الكهرباء مع التراجع في سعر الدولار الذي جرى تقييم حالة أو قيمة الصادرات الأخيرة على أساسه، لتبلغ الزيادة المتوقعة على الخسائر الحالية 2388 مليون جنيه "2 مليار و388 مليون جنيه" منهم حوالى 800 مليون جنيه فرق هبوط سعر الدولار. النقابة العامة حذرت فى استغاثتها من خطر الإفلاس والإغلاق لمجمع الألومنيوم وكذلك شركة السبائك الحديدية بنجع حمادي وإدفو بسبب الارتفاعات المتواصلة في سعر الكهرباء، وهو ما يُهدد بكارثة مرتقبة تنذر بتسريح أكثر من 8000 عامل، إضافة إلى القضاء على صناعة وطنية لها تاريخ مما سيتسبب في ضياع موارد مؤكدة من النقد الأجنبي وتصدير الطاقة بقيمة مضافة لا تتحقق إلا من خلال تلك الصناعات. وقالت إن مجمع الألومنيوم بنجع حمادي يواجه منافسة غير عادلة، حيث أن أسعار الكهرباء في مصر أعلى معدل في العالم قبل الأرجنتين وسلوفينيا، فى حين أن الهند وتركيا والصين وروسيا وهي دول منافسة تعتبر أقل أسعار في الكهرباء، موضحة أن تلك الصناعة كانت تُحقق أرباحًا كبيرة، ومؤهلة للعودة إلى سابق عهدها بشرط وضع خطة للنهوض والتطوير ومن بينها تخفيض سعر الطاقة. وبالرجوع إلى المؤشرات المالية لشركة مصر للألومنيوم، نجد أنها كشفت عن تحول الشركة للخسائر خلال النصف الأول من العام المالى 2019-2020. الشركة أوضحت، في بيان لبورصة مصر، أنها حققت صافي خسائر بلغت 595.7 مليون جنيه خلال الستة أشهر المنتهية في ديسمبر 2019، مقابل أرباح بلغت 758.3 مليون جنيه في الفترة المقارنة من العام المالي الماضي. "مصر للألومنيوم" أرجعت تحولها للخسارة إلى ارتفاع تكلفة الطاقة الكهربائية ومستلزمات الإنتاج الأخرى، وانخفاض السعر الأساسي للمعدن ببورصة المعادن العالمية بلندن. وأضافت الشركة: "التحول للخسارة إلى انخفاض سعر صرف الدولار، واستغناء الشركة عن نسبة كبيرة من استثماراتها المالية للوفاء بالتزاماتها المالية، ما أدى إلى انخفاض العائد من هذه الاستثمارات". وتراجعت إيرادات الشركة إلى 3.58 مليار جنيه خلال النصف الأول من العام المالي الجاري، مقابل 7 مليارات جنيه في الفترة المقارنة من العام المالي 2018-2019. وتحولت الشركة إلى الخسائر خلال الربع الأول من العام المالي 2019-2020، بسبب ارتفاع تكلفة الطاقة الكهربائية ومستلزمات الإنتاج الأخرى خلال الربع الأول من العام المالي الجاري. وحققت الشركة خلال 2018-2019 صافي ربح بلغ 570.93 مليون جنيه منذ بداية يوليو 2018 حتى نهاية يونيو 2019، مقابل 2.71 مليار جنيه أرباحًا خلال العام المالي السابق (2017-2018). وتراجعت إيرادات مصر للألومنيوم خلال العام المالي الماضي بنسبة 9.73 بالمائة، لتصل إلى 12.19 مليار جنيه بنهاية يونيو، مقابل 13.5 مليار جنيه خلال العام المالي السابق له. وزير قطاع الأعمال العام، هشام توفيق، أكد أيضًا أن الخسائر التى سجلتها شركة مصر للألومنيوم ترجع إلى زيادة أسعار الكهرباء من 42 قرشًا إلى 112 قرشًا. الوزير قال إن الشركة التابعة لوزارته تدرس إنشاء محطة طاقة شمسية، تستفيد فيها من موقعها المميز، وتُساهم في تحسين أدائها، وإنه يجري حاليًا تقييم للعروض المقدمة لبناء محطة الطاقة. مدحت نافع رئيس الشركة القابضة للصناعات المعدنية، قال إن شركة مصر للألومنيوم تعتبر أعلى شركة فى العالم من حيث تكلفة شراء الكهرباء بواقع 6.8 سنت لكل كيلو وات مقارنة ب 1.3 سنت فى السعودية و2.4 سنت فى الإمارات ونحو 3 سنتات فى البحرين. شركة مصر للألومنيوم، قالت إن 5 شركات تقدمت لمشروع تطوير الخط السابع، بتكنولوجيا متقدمة، لإنتاج 250 ألف طن من الألومنيوم المصهور سنويًا. وأوضحت الشركة في بيانها، أن ال 5 شركات التي تقدمت للمناقصة، هي ( BECHTEL – HATCH - HOME INTERNATIONAL – PROJECAS). وتنفذ الشركة، مشروع توسعات على مساحة حوالي 80 فدانًا لرفع إجمالى الطاقة الإنتاجية للشركة إلى 570 ألف طن سنويًا، من خلال خط إنتاج جديد بخلايا كهربائية لاستخلاص الألومنيوم بنظام "Side by Side". ودعت الشركة، في 15 نوفمبر الماضى، الشركات العالمية المتخصصة في إنشاء وتطوير الطاقة، لتقديم عروضها لبناء وامتلاك محطة طاقة شمسية في الشركة، وفقًا لبيان أرسلته للبورصة حينها. وأوضح بيان الشركة، أن المحطة المزمع إنشاؤها ستعمل بقدرة 300 ميجا وات عن طريق اتفاقية شراء الطاقة لمدة 25 عامًا، وسيتم استخدام الطاقة المتولدة لتوفير جزء من استهلاك المصانع من الشبكة القومية. ومنذ شهر تقريبًا، طالب المهندس محمد فرج عامر، رئيس لجنة الصناعة بمجلس النواب، الحكومة بوضع الخطط العاجلة التى تكفل استغلال خام الألومنيوم فى الصناعات المصرية من خلال إنشاء مجموعة من صناعات الألومنيوم داخل شركة مصر للألومنيوم بنجع حمادى يكون منها صناعات مخصصة للتصدير لمختلف أسواق العالم خاصة الأسواق العربية والإفريقية. "عامر" أكد أن لجنة الصناعة بمجلس النواب ستضع مشكلات صناعة الألومنيوم على أجندة عملها، إضافة إلى أنها ستُنظم بزيارة ميدانية لتفقد شركة مصر للألومنيوم على الطبيعة، فضلًا عن عقد لقاءات مع المهندس محمود سالم، رئيس مجلس إدارة الشركة، وجميع القيادات والعاملين بهذا الصرح الصناعى الكبير، مضيفًا أن مصنع الألومنيوم نجع حمادى هو الأكبر من نوعه فى الشرق الأوسط حيث وصل إنتاجه إلى 320 ألف طن بعد انتهاء تطوير الخلايا عام 2010، ولكن يمر حاليًا بظروف ومشكلات تتطلب التدخل السريع والحاسم من الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، والدكتور محمد شاكر وزير الكهرباء والطاقة، والدكتور هشام توفيق، وزير قطاع الأعمال العام، وفى مقدمة هذه المشكلات ارتفاع أسعار الكهرباء. وفى 2 يونيو 2019، أكد العاملون بشركة مصر للألومنيوم، أن شركتهم ستتحول من شركة رابحة إلى خاسرة، وذلك لارتفاع سعر الكهرباء مقارنة بانخفاض سعر المعدن ببورصة المعادن بلندن. وطالب العاملون بإلغاء التعامل بسعر ساعات الذروة وتثبيت سعر الكهرباء بسعر موحد بعيد عن ساعات الذروة، وربط سعر الكهرباء بسعر طن المعدن في بورصة المعادن بنسبة عادلة للشركة ووزارة الكهرباء، بحيث أذا أرتفع سعر المعدن يرتفع سعر الكهرباء وذلك للخروج من المشكلة التي ستتعرض لها الشركة، حيث أنها شركة وطنية يعمل بها أكثر من 10 آلاف عامل، وتعتبر جزءً كبيرًا من الدعامة الأساسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، كما تمتلك متخصصين من المهندسين والعاملين في صناعة الألومنيوم. المهندس ياسر الجالس رئيس اللجنة النقابية بشركة مصر للألومنيوم، أكد أيضًا أن الشركة تواجه كارثة بكل المقاييس ومطالبًا بتدخل رئيس الوزراء، ووزير قطاع الأعمال لإنقاذ هذه الشركة العريقة وهذه الصناعة من الضياع والإغلاق. وأشار "الجالس" أن مجمع مصانع الألومنيوم، بنجع حمادي من الصناعات كثيفة الاستخدام للطاقة الكهربائية وفكرة إنشاء المصنع قائمة على إنتاج الكهرباء عن طريق السد العالي، حيت أنه لم يكن من الطبيعي نقل الطاقة عبر خطوط 500 فولت للوجه البحري لأسباب فنية دقيقة تتعلق بحدود التوازن الاستاتيكي للشبكة نقل الكهرباء. وأضاف أن دراسة الجدوى الاقتصادية لمصنع الألومنيوم تتوقف على سعر "ك وات ساعة "المنتج عبر الطاقة المائية، علمًا بأن استهلاك مصنع الألومنيوم ، ل 85 ميجا وات ساعة يُعنى ارتفاع سعر الكهرباء قرش واحد فقط مما يؤدى إلى زيادة 50 مليون جنيه سنويًا. وأكد الجالس، أنه مع زيادة سعر الكهرباء وانخفاض سعر الألومنيوم ببورصة المعادن في لندن ستتحول الشركة من الربحية إلى الخسارة. واقترح رئيس اللجنة النقابية بشركة مصر للألومنيوم، ياسر الجالس والمهندس محمد عبدالهادي عزب عضو مجلس الإدارة المنتخب أنه للخروج من هذه الأزمة يجب إلغاء التعامل بسعر ساعات الذروة وتثبيت سعر الكهرباء بسعر موحد بعيد عن ساعات الذروة، وكذلك ربط سعر الكهرباء بسعر طن المعدن في بورصة المعادن بنسبة عادلة للشركة مصر للألومنيوم ووزارة الكهرباء بحيث إذا ارتفع سعر المعدن يرتفع سعر الكهرباء. وفى 6 نوفمبر 2019، تقدم النائب طارق متولى، نائب السويس وعضو لجنة الصناعة بمجلس النواب، بطلب إحاطة موجه إلى رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي، ووزير الصناعة آنذاك الدكتور عمرو نصار، حول معاناة مصر للألومنيوم من عدة مشكلات أدت إلى انخفاض أرباح الشركة. وقال إن تلك المشكلات تُهدد أحد أهم قلاع الصناعة الإستراتيجية في مصر، فهو المجمع الوحيد الذى ينتج الألومنيوم، الذي يدخل في أغلب الصناعات في مصر، قبل أن تشتريه مصانع أخرى لإعادة تشكيله. وأوضح "متولي" أن عشرات الملايين من الجنيهات كانت تحصلها شركة مصر للألومنيوم كأرباح سنوية، حتى عرف مؤشر أرباحها طريقه إلى الهبوط خاصة مع قرار رفع الدعم عن الطاقة، وهو ليس السبب الوحيد لتدهور صناعة الألومنيوم، رغم تحقيقها أرباحًا حتى الآن، فإهدار المال العام داخل المجمع له وجوه متعددة، سواء في ماكينات بعشرات الملايين متوقفة عن العمل، وتدمير أصولها مثل مزارع الفواكه والمحاصيل والماشية والأغنام، وغيرها من أمور تُهدد بقاء صناعة الألومنيوم فى مصر. وأضاف أن إهدار المال العام فى شركة مصر للألومنيوم من خلال المساهمة والتعاقد مع أطراف ذات مصلحة وكذلك عدم سلامة الإجراءات، وأيضًا التعاقدات التي تتم بالأمر المباشر، تتخذ وجوهًا متعددة يدفع ثمنها مجمع مصر للألومنيوم والعاملون به. وطالب النائب بوضع سياسة عادلة لسعر الطاقة الكهربائية لضمان استمرارية الشركة والمنافسة العالمية. المؤسف، أنه منذ عشر سنوات، حذر خبراء عالميون من انتهاء العمر الافتراضى لمصنع نجع حمادى فى غضون 10 سنوات، ولم يتحرك مسئولًا واحدًا وبالفعل تحققت تنبؤاتهم، حيث قالوا:" إن صناعة الألومنيوم فى مصر أصبحت تواجه منافسة عالمية وعربية شرسة، بما يُحتم عليها وضع إستراتيجية لتفادى تعرضها للانهيار، مطالبين فى الوقت نفسه بضرورة وجود خطة لإنشاء عدد من المصانع فى صعيد مصر للألومنيوم، لأن مصنع نجع حمادى سينتهى عمره الافتراضى إن آجلا أو عاجلا وفى غضون حوالى 10 سنوات، وهو ما يحتم وضع استثمارات ضخمة لإنقاذ هذه الصناعة الثقيلة". مجمع الألومنيوم أقيم بمركز نجع حمادي شمالي محافظة قنا هذا الصرح الصناعى العملاق عام 1969 علي مساحة نحو خمسة آلاف فدان من الأرض ليؤسس مدينة صناعية سكنية متكاملة المرافق والخدمات تحول فيما بعد إلي مجتمع متطور متكامل، وتاريخيًا فقد أُقيم مجمع الألومنيوم لاستغلال الطاقة الكهرومائية الرخيصة للسد العالي المولدة من مساقطه المائية ثم أصبح يستهلك اليوم ما يقرب من ثلث إنتاج السد العالي من الكهرباء. ويعمل بالمصنع ما يزيد على 10 آلاف عامل، يُقيم معظمهم فى مدينة سكنية ملحقة بالمصنع تحتوى على الخدمات الأساسية، كالمدارس والمستشفى والنادى الرياضى، ويقوم المصنع على إنتاج وتصنيع وتسويق وتوزيع معدن الألومنيوم ومستلزماته وسبائكه ومشتقاته ومشغولاته فى الداخل والخارج، ويتضمن وحدات رئيسية تشمل عنابر الإنتاج والمسابك الكهربائية والدرفلة، بينما تشمل وحدات إنتاج الخامات الرئيسية وحدات تحميص الفحم ووحدات إنتاج البلوكات الكربونية، كما توجد وحدات للخدمات الإنتاجية ووحدات الخدمات.