لم يكن أحد يصدق أن يوما سيأتي ويقوم فيه محمد مرسي الرئيس الإخواني بالسلام علي زوجة الرئيس الراحل محمد أنور السادات، الذي تم اغتياله علي يد إسلاميين، وفي نفس اليوم الذي فقدت فيه الأرملة زوجها خلال العرض العسكري الذي أقيم احتفالا بالذكري السنوية لحرب أكتوبر عام 1981. زوجة السادات والرئيس الإخواني وعلي الرغم من أن جيهان السادات كانت قد أعلنت وعائلتها صراحة خلال الانتخابات الرئاسية أنها تؤيد أحمد شفيق منافس مرسي في الانتخابات موضحة خلافها مع منهج الإخوان، الذي بدا للكثيرين وكأنه ثأر قديم بينها وهؤلاء المنسوب إليهم قتل زوجها إلا أنها لم تخف سعادتها بتكريم زوجها، وقدمت الشكر لمرسي في موقف قد لا يصدقه عقل، معتبرة أن تكريم السادات بعد الثورة يعد تكريما لم يكن يحظي به خلال ثلاثين عاما حكم فيها مبارك وتجاهل فيها تكريم السادات بالشكل اللائق وفقا لتعبيرها. هذا المشهد الفريد يدفعنا إلي البحث في تاريخ هذه المرأة القوية التي عاصرت فترات حرجة من التاريخ المصري وأصبحت شاهدا عليه. الميلاد والنشأة ولدت جيهان السادات في 29 أغسطس 1933، بالقاهرة وكانت الابنة الأولي بعد ولدين، وكانت أسرتها تنتمي إلي الطبقة الوسطي العليا، ووالدها كان جراحا، ووالدتها مدرسة موسيقي، إنجليزية الجنسية، وكانت ابنة هنري كوتيرلي، وكان يعمل مراقبا بشرطة مدينة شيفيلد، ونشأت علي التقاليد الإسلامية وفقا لرغبة والدها، لكنها ارتادت مدرسة مسيحية للفتيات بالقاهرة. اللقاء الأول وتروي جيهان وفقا لكتاب سوليفان الذي نشر في منتصف الثمانينات، أنها كانت تتابع محاكمة شباب الضباط في فترة الأربعينات واتهام السادات بمقتل أمين عثمان، وكانت تقرأ كل الصحف من شغفها بهذه القضية، وحين تم الإفراج عن السادات أصبح يمثل لها البطل الثوري.. وكان اللقاء الأول بينهما في حفل عيد ميلادها الخامس عشر، بعد خروجه من السجن بفترة وجيزة، وتزوجا في 29 مايو 1949، علي الرغم من معارضة والديها، حيث كان السادات في تلك الفترة مفصولا من عمله، وكان في تلك الفترة منتميا إلي تنظيم الضباط الأحرار. تشجيع السادات واستكمال الدراسة وعندما التقت به تزوجته وهي لا تزال في سن مبكرة، حيث لم يتعد عمرها 16 عاما، ولم تكمل تعليمها في ذلك الوقت، حيث أسست حياة أسرية تقليدية، وأنجبت ثلاث فتيات وولداً إلا أنها كانت تحلم دائما بأن تكمل تعليمها، وأن تعد نفسها لمنصب رسمي وفي عام 1972 حصلت علي الثانوية الإنجليزية، والتحقت بجامعة القاهرة في العام التالي وشجعها السادات علي استكمال دراستها وكان يرغب في أن تدرس الأدب الإنجليزي، إلا أنها فضلت اللغة العربية، وبالفعل حصلت علي الشهادة الجامعية في عام 1978، وفي عام 1980 حصلت علي درجة الماجستير في الأدب العربي، وأصبحت عضواً بهيئة التدريس بالجامعة وبدأت تعد نفسها للدكتوراه. ويقول سوليفان في كتابه إن جيهان تعرضت للنقد والتشكيك خلال مراحل دراستها الأولي، وكان هناك تعمد في إذاعة مناقشة الماجستير الخاصة بها تليفزيونيا لإثبات أنها حصلت عليها بالفعل ولم تمنح لها لكونها زوجة الرئيس.. ووفقا لسوليفان أرادت جيهان أن تعطي قدوة للنساء لتشجعهن علي التعليم، وأيضا للحصول علي درجات علمية أعلي من البكالوريوس، إلا أن كل هذه الأمور ضاعت وسط الانتقادات التي لحقت بحصول جيهان علي درجة الماجستير، لاسيما أن عددا من الأكاديميين اعتبر أنها أرادت ذلك كنوع من التباهي والتفاخر الذي ميز عهد السادات. ولم تهتم جيهان بهذه الانتقادات لكنها تحولت للدراسة في الولاياتالمتحدة حيث تخصصت في الأدب المقارن واستمرت في التواصل مع جامعة ميريلاند وكانت تقوم بالتدريس هناك. وتقول جيهان إنها فخورة بقدرتها علي الاستمرار في مشوارها بالرغم من التراجيديا التي ملأت حياتها، فقد تجرأت علي الذهاب إلي الجامعة مع أولادها، فقد كانت في الأربعينات من عمرها إلا أنها جلست مع طلاب يصغرونها كثيرا، وكانت تشعر أنها أفضل تجهيزا للنجاح في تجربتها. ووفقا لنيويورك تايمز تسبب أجر جيهان السادات في أزمة داخل هيئة التدريس بجامعة كاليفورنيا، بعدما اكتشف الأساتذة أن أرملة الرئيس المصري الراحل تتلقي مئات الآلاف من الدولارات.. وكان الأساتذة قد كشفوا أن جيهان تتقاضي 300 ألف دولار عن الكورس الواحد حول المرأة في مصر خلال ثلاثة تيرمات. جيهان..مخبر الرئيس خلال فترة حكم السادات كان يظهر من خلال صورها أنها امرأة متميزة، تخفي القوة وراء المشاعر، فقد كانت هي من يتخذ القرار بشكل فعلي ولكن ليس رسميا، وكانت مثيرة للجدل منذ بداية عهد زوجها كرئيس عام 1971، حيث منحها زوجها لقب السيدة الأولي وكان المصطلح جديداً علي المجتمع المصري، فهو وفقا للكاتب الأمريكي تيم سوليفان مصطلح أمريكي، وليس له أي جذور بالتربة المصرية.. وعلي الرغم من أنها لم تكن في دائرة صنع القرار الرئاسي ولم تكن تستشار في معظم القرارات الرئاسية فإنها كانت تعد المخبر الخاص للرئيس الذي يطلعه علي كل ما يحدث في الدولة، بسبب قابليتها وجاذبيتها للمواطنين العاديين، وكان يتم اتهامها دائما بالجرأة والتهور، كما كانت تلام دائما في تأثيرها القوي علي الرئيس، والكثير من النقاد يعتبرونها قد أساءت السلطة في عدد من المواقف. حقوق المرأة أثناء فترة رئاسة زوجها أخذت علي نفسها الدفاع عن حق المرأة في التعليم والعمل، وإيجاد دور سياسي لها، ومثلت مصر في المؤتمر الدولي السنوي للمرأة عام 1975 بالمكسيك، وأسست المنظمات والجمعيات الخيرية المتخصصة في تعليم النساء، والقيام بدور في إصلاح قوانين الأحوال الشخصية.. وكانت جيهان القوة الدافعة وراء إصدار مرسوم 1979 الذي أطلق عليه قانون جيهان، وكان يلزم الزوج بإبلاغ الزوجة قبل تسجيل الطلاق، وأعطت الزوجة الحق في تحريك دعوي للمطالبة بالنفقة، وتم إطالة فترة حضانة الطفل مع الأم، كما أعطي القانون الحق للزوجة بالاحتفاظ بمنزل الزوجية، إذا ثبت أنه ليس لها مكان آخر تذهب إليه.. وكانت جيهان وراء تعيين عائشة راتب كأول سفيرة مصرية، كما عملت علي تثبيت وجود المرأة في البرلمان، وكل هذه الأعمال تسببت في إثارة قطاع المصريين المحافظين الذين يفضلون بقاء المرأة داخل المنزل وعزلها عن المجتمع.. وعلي الرغم من مرور سنوات طويلة منذ سعيها كزوجة للرئيس للحفاظ علي حقوق المرأة، فهي تؤكد أن أفكارها لم تتغير حتي الآن، مشددة علي أن المرأة المصرية يجب أن تحصل علي حقها ووضعها الطبيعي بالمجتمع. وتري جيهان أن حل كل المشكلات التي تواجه مصر يكمن في التعليم، لكن ليس بالضرورة التعليم الجامعي، موضحة أن مصر الآن مليئة بالأطباء بلا عيادات والمحامين بلا مكاتب، إضافة إلي أن الجامعيين يشكلون أكبر شريحة من العاطلين في المجتمع، ولكن يجب أن يكون التعليم بالشكل الذي يفيد ويناسب قدرات كل فرد. وتقول إنها تؤمن بالتدريب المهني وترقيته علي المستوي الجامعي، مؤكدة أن التعليم في مصر يجب أن يكون عمليا. مبارك والثورة وبعد الثورة اهتمت وسائل الإعلام الإسرائيلية بمعرفة رد فعل أرملة السادات حول الأحداث التي تمر بها مصر، وقالت جيهان للقناة العاشرة الإسرائيلية، إن المصريين تفاءلوا بعد إسقاط نظام مبارك، ويشعرون أن المستقبل سيكون أفضل، أما بالنسبة لمستقبل العلاقات المصرية الإسرائيلية، قالت جيهان في رسالة تطمينية للإسرائيليين "لا تقلقوا لن يحدث أي تغيير في اتفاقية السلام ".. كما نقل موقع وإلا الإخباري الإسرائيلي عن جيهان قولها، إن اختيار زوجها لمبارك كنائب له كان خطأ كبيراً، موضحة أن مبارك لم يملأ الفراغ الذي تركه السادات، فمؤسسة الرئاسة بعد السادات افتقدت للقائد الشجاع القادر علي مواجهة الأزمات.. وقالت جيهان إن الشعب المصري لم يكن ليقوم بمثل هذه الثورة ولكن ارتفاع الأسعار وتزييف الانتخابات البرلمانية وفساد السلطة، والرغبة في توريث الحكم، كل هذه الأسباب كانت كافية للقيام بالثورة. وكانت جيهان تعاني من معاملة سيئة في عهد مبارك حيث كان معاشها لا يزيد علي 900 جنيه فقط من الرئيس السادات، موضحة أن هذا المعاش مدني رغم أن زوجها عسكري، ولفتت إلي أن المعاش العسكري وصل حاليا إلي 4000 جنيه، كما أنها لم تحصل علي معاش نجمة سيناء، وكانت قد طلبت هذا المعاش من مبارك ولكنه لم يستجب، كما أنها اتصلت بسوزان مبارك وطلبت زيادة معاشها إلا أن زكريا عزمي رد عليها قائلا بأن النجمة تمنح ولا تعطي. ومع ذلك حاولت جيهان الدفاع بعض الشيء عن مبارك، موضحة أنه لا يمكن إنكار أنه دافع عن البلد ضد أمور عدة، فقد استطاع أن يمنع الحرب، لكن مبارك كان بعيدا عن الشعب، وأشارت جيهان إلي أن الفرق الأساسي بين مبارك وزوجها هو أن الأول كان دائما يخشي من الجمهور واقترابهم منه.