قال الله تعالي.. بسم الله الرحمن الرحيم: «الّذينَ يأكلونَ الرِّبا لا يقومونَ إلاّ كما يقومُ الذي يتخبَّطُهُ الشيطان من المسِّ، ذلك بأنَّهم قالوا إنّما البيعُ مثلُ الرِّبا وأحلَّ الله البيعَ وحرّمَ الربا، فمن جاءه موعظةٌ من ربِّه فانتهي فلهُ ماسلف وأمره إلي الله ومَنْ عادَ فأولئك أصحابُ النارهُم فيها خالدون ü يمحقُ الله الرِّبا ويُربي الصَّدقاتِ والله لايُحبُّ كُلَّ كفار أثيم... يا أيُّها الّذينَ آمنوا اتَّقوا الله وذروا مابقي مِنَ الرِّبا إن كُنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بِحرب من الله ورسوله وإن تُبتم فلكُمْ رؤوسُ أموالكم لا تَظلِمونَ ولا تُظلَمون".. صدق الله العظيم «سورة البقرة». إن هذه الآية الكريمة تضعنا علي قمة الحدث الذي هز مصر كلها خلال الساعات الماضية بعد أن فاجأ الرئيس مرسي المصريين ووافق علي الاقتراض من البنك الدولي، فلم يتخيل المصريون أن الرئيس الذي جاء علي خلفية دينية والذي يحفظ كتاب الله يمكن أن يعود بهم إلي دائرة الاقتراض والسقوط في دائرة الفائدة الربوية، وكما أوضح كبار العلماء وكبار رجال الدين من فقهاء ومشايخ أجلاء أن المقصود في الآية الكريمة هو القرض الذي تمارسه البنوك الربوية، وحذروا من عواقبه التي تغضب الله سبحانه وتعالي وتخالف شرائعه، وقال الألباني في تفسير تلك الآية وتعريف القرض: هو القرض الذي يجر منفعة، وتقوم عليه البنوك الكبري، والقاعدة العامة في الشريعة "كل قرض جر نفعا فهو ربا"، والقرض يجب ألا يكون معه أي نفع حتي لو كان النفع بعقد ثان مقرون بعقد القرض، فإنه ربا، ولقد قدم كبار العلماء عشرات الأمثلة لتفسير قوله تعالي عن الربا، فلا يجوز أن نسمي "القرض" أسماء أخري حتي لا نكون كذابين علي الله سبحانه وتعالي، ومن تلك الأمثلة أن يقول شخص لآخر "نبيعك الأرض بالدين بشرط أن نكون نحن الذين نبنيها لك، وهذا لا يجوز لأنه جر نفعا" فما بالنا بقرض تصل قيمته إلي مليارات وبالتالي تصل فوائده مهما كانت محدودة إلي ملايين الدولارات!! وفي العصر الحديث كان علماء الدين وكبار الفقهاء حريصين علي تقديم الأمثلة للناس حتي لا يختلط الحق بالباطل ووصل الأمر ببعض فقهاء وعلماء الدين إلي تحريم الفائدة البسيطة التي يحصل عليها المواطن من بطاقة الائتمان، وصدرت الفتاوي المتتابعة من علماء العصر والصادرة عن المجامع الفقهية بحرمة أخذ فوائد البنوك، فمن ذلك فتوي الشيخ بكري الصدفي مفتي الديار المصرية «سنة 1325ه 1907م» عن دار الافتاء المصرية، وكذلك الشيخ عبدالمجيد سليم «سنة 1348ه 1930م» بتحريم استثمار المال المودع بفائدة، والفتوي الصادرة عنه «سنة 1362ه 1943م» بأن أخذ الفوائد عن الأموال المودعة حرام ولا يجوز التصدق بها، كما أفتي الشيخ محمد أبوزهرة «1390ه 1970» بأن الربا زيادة الدين في نظير الأجل وأن ربا المصارف حرام ولا شك فيه، وأن تحريم الربا يشمل الاستثماري والاستهلاكي في رد دامغ للذين يرددون أن الضرورة تلجئ إلي الربا، ولقد أفتي الشيخ جادالحق علي جادالحق مفتي الديار المصرية «سنة 1399ه 1976م» بأن سندات التنمية وأذون الخزانة ذات العائد الثابت تعتبر من المعاملات الربوية المحرمة، وأن إيداع المال بالبنوك بفائدة ربا محرم سواء كانت هذه المصارف تابعة للحكومة أو لغيرها، كما صدر عن المؤتمر الثاني للمصرف الإسلامي بالكويت «سنة 1403ه 1983م» بحضور كوكبة من أبرز العلماء والاقتصاديين بيان بأن ما يسمي بالفائدة في اصطلاح الاقتصاديين هو من الربا المحرم. وفي السنة النبوية الشريفة قال رسول الله صلي الله عليه وسلم «الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلا بمثل، سواء بسواء، يدا بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد». فلا يجوز بيع مائة جرام ذهبا قديما بتسعين جراما ذهبا جديدا، وكذلك الفضة ولا يجوز بيع كيلتين من قمح رديء بكيلة من قمح جيد، وهكذا بقية الأصناف. والذين يأكلون الربا ليسوا هم الذين يأخذون الفائدة الربوية وحدهم، إنما هم كل المتعاونين علي إجراء العملية الربوية. وكان الدكتور محمد مرسي علي دراية بكل هذه الشرائع السماوية وبأحاديث النبي صلي الله عليه وسلم ووقف في البرلمان المصري رافضاً القروض لأنها ربا وحرام شرعا وقال بالنص في احدي جلسات البرلمان عندما كان نائباً بمجلس الشعب عام 2005: "المعاملات الربوية ماحقة"، وفي جلسة أخري وجه مرسي كلامه لمحمود محيي الدين وزير الاستثمار أثناء مناقشة البرلمان لبيان الحكومة قائلا "أموال التأمينات والمعاشات يا معالي الوزير بتدفع الحكومة للصندوق وتاخد من بنك الاستثمار بفائدة تصل ل 10% معالي الوزير هذا هو الربا بعينه.. هذا هو الربا بعينه"، وبذلك أصبح الدكتور محمد مرسي هو البرلماني الوحيد الذي وقف صامدا أمام محاولات حكومة نظيف لتمرير القروض وإكسابها طابع الحلال، فلماذا تجاهل الدكتور مرسي كل هذه الحقائق والتشريعات السماوية ولجأ إلي الاقتراض؟!.. وكيف يمكن أن يتحول الموقف من الرفض الكامل استنادا إلي آيات الله البينات والسنة النبوية إلي الموافقة الكاملة والسقوط في دائرة الاقتراض الربوي المحرم؟! وبكل أسف خرجت أصوات المؤيدين للدكتور محمد مرسي لتبارك تلك الخطوة رغم علمهم بأنها حرام وأن النص القرآني كان واضحا بشأنها. وعد الدكتور محمد مرسي المصريين بالرخاء والأمان واتباع منهج الشريعة الإسلامية، كما وعد في برنامجه الانتخابي بتوفير مبلغ 200 مليار جنيه فور وصوله إلي الحكم، فأين ذهبت الوعود وكيف تحولت الوعود بالنهضة وبمشروعها إلي العودة إلي دائرة الاقتراض من الغرب والوقوع تحت طائلة وضغط البنك الدولي؟! فوجئ المصريون ببعض المشايخ والفقهاء يقومون بتبرير القرض وتقديم الحجج والمبررات الواهية لكي يقتنع الناس بأنه حلال. ولكن وسط حملات النفاق للرئيس ووسط حالة التبرير وتقديم المبررات كانت هناك أصوات كثيرة من المشايخ والفقهاء وعلماء الدين التي ترفض الاقتراض وترفض أيضاً الغرق في الربا وما قد يستتبع القروض من مصائب وكوارث سياسية ودينية ومن هؤلاء الدكتور يونس مخيون، عضو اللجنة العليا لحزب «النور» الذي اكد أن حزب «النور» يرفض الاقتراض بنظام الربا، لأنه مخالف للشريعة الإسلامية، مؤكدًا أن "الله لا يبارك في المال الحرام، ولن ينجح اقتصاد قائم علي الربا"، كما رفض الشيخ الداعية السلفي وحيد عبدالسلام عضو مجلس شوري العلماء، الاقتراض من البنك الدولي، قائلاً: "أرفض رفضاً باتًا ما قامت به حكومة هشام قنديل بالاقتراض الربوي من صندوق النقد الدولي لأمرين، أولها الربا محرم بالقرآن والسُنة والإجماع، والربا يمحق البركة ويدمر الاقتصاد لقوله تعالي "يمحق الله الربا"، مطالباً الدكتور هشام قنديل رئيس الوزراء بالتراجع عن طلب قرض من البنك الدولي، قائلاً: "لذا أهيب برئيس الوزراء أن يسلك طريقًا مشروعًا آخر فخيرات البلد كثيرة.."، فيما أعلن الشيخ محمد حسين يعقوب، عضو مجلس شوري العلماء، في تصريح صحفي له، رفضه التام للاقتراض من البنك الدولي، مطالباً بقيام الحكومة المصرية بالاقتراض من أي من الدول الإسلامية تجنباً للتعامل بالربا، قائلاً: "التزاماً بأحكام شريعتنا الغراء، أرفض هذا القرض الربوي من الغرب، وليكن هذا الرفض عزةً للإسلام وعزةً لمصر بالإسلام وإن كان لابد منه فليكن قرضًا حسنًا من أي من الدول الإسلامية". ومن هنا وبعد عرض كل هذه الآراء الفقهية والاستناد لكتاب الله نتوجه بالسؤال إلي الرئيس محمد مرسي وإلي كل مؤيديه: كيف يتم تبرير "القرض" وكيف يتم استبدال الحق بالباطل وما هو موقف الشعب المصري تجاه تلك السياسات التي تعيدنا إلي العهود السابقة بل وتسقط بنا في دائرة الربا الحرام والعياذ بالله؟! إن الموقف لم يعد في حاجة إلي توضيح فلقد سقطت حكومة الدكتور هشام قنديل سقوطا مدويا باللجوء إلي هذا القرض وممارسة الربا باسم الشعب، كما سقطت أيضاً كل وعود الرئيس مرسي التي سبقت وصوله إلي الحكم.. فهل سوف تستمر تلك السياسة في ارتكاب الأخطاء بل وفي عدم الوفاء بالوعود والتي وعدنا خلالها بالرخاء والنهضة وعدم الاعتماد علي الغير؟!.. إن دولة محمد مرسي الجديدة تضيف إلي خطايا النظام القديم خطايا جديدة وتسقط في دائرة الوعود الكاذبة وسوف يتحمل هؤلاء جميع ذنوب المصريين الذين تم الاقتراض باسمهم.. وحسبنا الله ونعم الوكيل. إن الموقف لم يعد في حاجة إلي توضيح فلقد سقطت حكومة الدكتور هشام قنديل سقوطا مدويا باللجوء إلي هذا القرض وممارسة الربا باسم الشعب، كما سقطت أيضاً كل وعود الرئيس مرسي التي سبقت وصوله إلي الحكم