كشف فريدريك هوف، مدير مركز رفيق الحريري للشرق الأوسط في أتلانتيك كاونسيل، مفاجأة من العيار الثقيل بتأكيده أن سيرجي شويجو، وزير الدفاع الروسي تقدم في 20 مايو الجاري باقتراح يدعو إلى تنسيق أمريكي- روسي لشن غارات جوية ضد مواقع لجبهة النصرة في شمال غرب سوريا. وأضاف أنها الطلقة الأولى في محاولة تبذلها روسيا من أجل عقد شراكة عسكرية بين واشنطن والنظام في دمشق، و"هي مبادرة يجب رفضها بالمطلق". وفي الواقع، أدى وجود جبهة النصرة، فرع القاعدة في سوريا وسط جماعات مسلحة تحارب (على خلاف داعش) نظام الأسد، إلى تعقيد مساعٍ لوقف حقيقي للعمليات العدائية في سوريا. ويقول هوف إنه كداعش، لم يكن تنظيم جبهة النصرة جزءاً من اتفاق وقف العمليات العدائية، ولا هو مستفيد من بنود حمايتها المشبوهة. فقد استخدم كل من نظام الأسد والروس إدراج اسم جبهة النصرة على قوائم الإرهاب، كعذر لقصف مناطق سكنية، ومواقع لجماعات مسلحة وطنية سورية أخرى. ومن شأن جر سلاح الجو الأمريكي إلى تلك الحملة أن يعد إنجازاً بنظر موسكو. ويشير الكاتب إلى أن هدف روسيا الرئيسي يكمن في تسهيل إقامة شراكة مع بشار الأسد لمحاربة الإرهاب. وركز الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على هذا الادعاء في كلمته أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة في سبتمبر 2015، قبل أيام من تدخله العسكري في سوريا لصالح الأسد. ويلفت هوف إلى موقف الإدارة الأمريكية حيال الأسد الذي يدحض أية ادعاءات بشأن عزمها على تغيير نظامه بالعنف، ولكن بوتين يتظاهر بأن ذلك التهديد فعلي. كما أن سلبية الإدارة تجاه عمليات القتل الجماعي التي ترتكبها قوات الأسد بمساعدة روسيا، يساعد زعيم الكرملين على الاعتقاد أنه يستطيع تحقيق حل عسكري في سوريا أكد الغرب مراراً استحالته. ورغم ذلك، يشير هوف إلى سعي وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، لإيجاد أرضية مشتركة مع روسيا من أجل التوصل إلى حل سياسي لا يشارك فيه الأسد، ويتم التفاوض عليه بإجماع سوري. ومن ثم يتساءل الكاتب عما إذا كان هناك مجال للتوصل إلى أرضية مشتركة عندما ترى موسكو في الأسد تجسيداً لدولة تحاول إنقاذها، فيما تنظر إليه واشنطن كمجرم حرب، وأكبر مصدر لتجنيد مقاتلي داعش في المنطقة؟ ومن الناحية النظرية، يمكن تصور التوصل إلى وضع يؤمن الفوز للجميع. فقد يمنح الرئيس أوباما نظيره الروسي ما يريده، اعترافاً منه بأن بشار الأسد هو الرئيس الشرعي للجمهورية العربية السورية (شيء تعترف به الولاياتالمتحدة)، واستعداده للعمل مع الأسد وروسيا عسكرياً ضد الإرهابيين في سوريا، بداية بداعش. وقد يستطيع بوتين منح نظيره الأمريكي ما يريده، أي أن يضمن أن يترك الأسد السلطة مع قرابة 50 من كبار مجرمي النظام في مدة 90 يوماً، ومن ثم تشكيل هيئة حكم انتقالي، ربما يشارك فيها بعض رموز النظام الحالي. وبري هوف، ثمة مشكلة كبيرة في مثل ذلك الترتيب. فهل تستطيع موسكو إبعاد كل المسؤولين عن انهيار الدولة السورية، وبروز داعش، وهم آل الأسد وحاشيته، مع عدم وجود ما يثبت أن الأسد مستعد للتنحي؟ وهناك إيران التي ترفض خروج الأسد من السلطة لما يمثل وجوده لها من تأكيد لسيطرتها على دمشق، ومن ثم على بيروت، من خلال حزب الله. ويظن بعض السوريين أن قتل مصطفى بدر الدين مؤخراً في دمشق كان من تدبير روسيا، وأن اغتياله كان رسالة إلى النظام وإلى إيران، بأنه عندما يحين وقت فتح ملف الأسد، فإن موسكو هي المكلفة بالمهمة. ويبدي الكاتب اقتناعه بأن موسكو لا تنوي إزاحة الأسد وفريقه الحاكم، وليست لديها القدرة على ذلك. ولهذا السبب، يقول هوف، رفض بوتين قرار الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن، والذي أمكن التوصل إليه في جنيف عام 2012، حول تطبيق حل سياسي في سوريا. ويختم هوف بأن قبول العرض الروسي من أجل شن عمليات مشتركة أمريكية سورية ضد جبهة النصرة، لن يؤدي سوى إلى إفقاد أمريكا ما تبقى من مصداقية في سوريا، وفي المنطقة وأوروبا والعالم... إنه عرض مرفوض.