تناولت مجلة "ناشيونال إنترست" الأمريكية , تراجع الدور الريادي لبلادها بسبب انتهاج الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، سياسة خارجية جديدة، تقوم على التعامل مع الخصوم عوضاً عن مواجهتهم. وأوضحت المجلة, العالم بات مكاناً أكثر خطورة مما كان عليه قبل تولي أوباما السلطة، حيث انتشر الإرهاب الدولي بشكل دراماتيكي، وبات الشرق الأوسط ساحة حرب وعدم استقرار، وعوضاً عن إنهائهما، ما زالت حربا العراق وأفغانستان مشتعلتين، وفي حالة العراق، ساءت الأوضاع عما كانت عليه عند وصول أوباما إلى البيت الأبيض في عام 2009. كما بات العالم يواجه تنظيماً أشد شراسة من القاعدة، حيث يسيطر داعش على مساحات واسعة من الأراضي، وله حكومة أيضاً، وأصبحت مناطقه بمثابة ملاذات آمنة لإرهابيين جاءوا إليه من شتى أنحاء العالم. ومن جانب آخر، أصبحت روسياوالصين أكثر قوة وتهديداً مما كانتا عليه في 2008، كما يشعر حلفاء أمريكا بالخوف والاضطراب، فيما قوي ساعد أعداءها. وتشير المجلة إلى كون النظام الجديد الذي يريد أوباما إرساء دعائمه هو، للأسف، نظام لا تستطيع الولاياتالمتحدة أن تحوزه، فهو قائم على مناخ استراتيجي غير متماثل يحقق فيه أعداء أمريكا مكاسب كبيرة على حساب مصالحها الأمنية، دون أن يكلفهم ذلك أثماناً باهظة. ولا يشمل ذلك الصفة النووية الإيرانية فقط، والتي حصدت طهران من خلالها مكاسب مالية، فيما سمح لها بأن تصبح، في خلال عشرة إلى خمسة عشر عاماً، حائزة على أسلحة نووية، كما مهدت سياسات أوباما المتساهلة الطريق أمام روسيا لضم القوم وغزو شرق أوكرانيا، بواسطة قوات روسية بديلة. وتقول المجلة بأن سياسة أوباما الخارجية تمثل فشلاً تاريخياً، ولكن الاعتراف بهذه الحقيقة، لا يعني معرفة كيفية تصحيح تلك السياسة تلقائياً، فمن الصعب العودة بالزمن إلى الوراء، وإعادة رسم العالم كما كان عندما سعى أوباما لتحويله، مشيرة إلى أنه "من الصعب إعادة أمريكا إلى المسار القديم" الآن. وتعتبر المجلة أنه لا مناص أمام أمريكا من تغيير أسلوب أوباما في التعامل مع العالم بشكل جذري، مؤكدة على أنه من المفترض تحدي كل افتراض خاطئ، وبينما يدعي الرئيس الأمريكي بأن الخصوم قد يكونون "أكثر تعاوناً" إن تم التعامل معهم، فإن الحقيقة الناصعة تشير إلى نقيض ذلك، وهو أنهم لا يتراجعون إلا عندما يتم مواجهتهم. وفيما يرى أوباما أن التكاليف التي تتكبدها الولاياتالمتحدة (من الناحية المادية والسلطوية) تقل في حال استرضاء الأعداء، فإنه من واجب صناع السياسة الأمريكية أن يواجهوا تلك الأفكار بنقيضها، حيث ترتفع التكاليف بشكل كبير جداً، كما جرى عندما اعتدت روسيا على أوكرانيا، وحتى عندما أظهرت إيران عدائيتها عشية الصفقة النووية، بحسب المجلة. وفي نفس السياق، يعتقد أوباما بأن أمريكا ستحظى باحترام أكبر فيما لو مدت يداً مفتوحة لخصومها، ولكن استطلاعات الرأي أظهرت نقيض ذلك، وفيما وعد الرئيس الأمريكي بتحقيق سلام "رخيص وسهل" إذا سحب القوات الأمريكية، وأعطى الفرصة لآخرين بتسلم الريادة، فقد عكست حقائق على أرض الواقع زيف ذلك الادعاء، وهو أن تحقيق السلام أمر شاق ومكلف، وأن الآخرين، ومنهم حلفاء أمريكا، يحتاجون لها قوية ورائدة. وجعل أوباما العالم حافلاً بقوى جديدة ليست مصممة على تهديد أمن أمريكا وحسب، بل القضاء على النظام العالمي الذي أوجدته واشنطن، واليوم تحاول روسياوإيران وداعش، وحتى الصين، استبدال النظام القديم بعالم غير مستقر، وربما أكثر فوضوية، وحيث يحققون أهدافهم من خلاله فيما تخسر أمريكا. ومن جانبهم، يمارس خصوم أمريكا لعبة يتحقق فيها الأمن للبعض على حساب الآخر، وسوف تستفيد روسياوالصين من النظام الذي سيخلقونه، ولكنهم سينفذون خططهم حسب شروطهم، وحتى لو كان ذلك على حساب باقي المجتمع الدولي، وفقاً للمجلة. وترى ناشيونال إنترست بأن هناك وسيلة وحيدة لقلب تلك الديناميكية، وهي تشتيت القوى التي تريد القضاء على دور أمريكا الريادي في العالم، وجعل كلفة مواجتهم لقوتها باهظة، مع العمل على خفض أكلاف مواجهتهم. وقد تكون كلفة تلك المراجعة للسياسة القديمة مكلفة على المدى القصير، ولكنها ستثمر لاحقاً لأن الردع أفضل من الاسترضاء، وعندها لن يكون من السهل تحدي الولاياتالمتحدةالأمريكية.