بالرغم من ان عيون العالم تلتفت للشرق الاوسط باعتباره الحاضن الاول لتنظيم داعش جاءت هذه الدراسة لتكون بمثابة لطمة على وجوه الامريكان حيث كشفت دراسة حملت عنوان "الدولة الإسلامية في الولاياتالمتحدة"، وصدرت عن مركز دراسات التشدّد في جامعة واشنطن، أن مخاوف الأميركيين من تهديدات تنظيم الدولة الإسلامية لها ما يبرّرها، وأن الإدارة الأميركية استخفّت، بالفعل، بتهديد تنظيم الدولة الإسلامية باستهداف العمق الأميركي الداخلي. وبنى معدّا الدراسة لورينزو فيدينو وسيموس هيغز، استنتاجهما استنادا على أمثلة ونماذج فعلية لشباب نشأ على مبادئ المجتمع الأميركي، لكنّه وجد فجأة أن "الدولة الإسلامية" أفضل من الولاياتالمتحدة الأميركية. واللافت في الأمر أن تجنيد داعش للأميركيين تحوّل إلى ظاهرة، بعد أن بلغ الدعم لتنظيم الدولة الإسلامية في الولاياتالمتحدة مستويات غير مسبوقة، إذ وصل عدد المتعاطفين إلى عدة آلاف بالولاياتالمتحدة وارتفع عدد الاعتقالات المتعلقة بالإرهاب في عام 2015، مقارنة بالأعوام الأخرى ومنذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001. وقالت الدراسة، التي اعتمدت على مقابلات وسجلات المحاكم وتقارير وسائل الإعلام، إن ما لا يقل عن 300 أميركي يدعمون نشاط تنظيم الدولة الإسلامية على وسائل التواصل الاجتماعي، ويقومون بالدعاية لهذا التنظيم؛ وهي تدعم بذلك، ما جاء في تقرير صدر عن مكتب التحقيقات الفيدرالي، بأن لديه 900 تحقيق مفتوح بشأن المتطرفين العنيفين محليا، وغالبية هؤلاء على صلة بداعش. وقال مدير مكتب (اف.بي.آي) جيمس كومي إن "مكتب التحقيقات الفيدرالي يجري المئات من التحقيقات في الولايات الأميركية الخمسين حول مؤامرات مستوحاة من نهج الدولة الإسلامية"؛ وقد جاءت تصريحات جيمس كومي، وأيضا دراسة لورينزو فيدينو وسيموس هيغز، بالتزامن مع تصاعد قلق الأميركيين من تهديدات تنظيم الدولة الإسلامية داخل الأراضي الأميركية، وهو قلق مردّه العملية الإرهابية التي قام خلالها زوجان مسلمان بقتل 14 شخصا في سان برناردينو بولاية كاليفورنيا في هجوم مستوحى من نهج الدولة الإسلامية. وقدّرت الدراسة عدد الأميركيين، الذين سافروا أو حاولوا السفر إلى سوريا والعراق للانضمام إلى تنظيم الدولة الإسلامية، بنحو 250 أميركيا، أغلبهم دون ال26 عاما. ويقول فيدينو وهيغز إن أغلب المؤيّدين لهذه الثقافة المعادية لم يمرّوا بعد من حالة الكلام إلى حالة الفعل، ولم ينتقلوا من الحرب الرقمية إلى التشدد الفعلي، لكن كثيرين سينضجون ثمّ يتبيّن لديهم أن الإعجاب بداعش ليس سوى إعجاب مراهقين سرعان ما سينتهي؛ بينما هناك قسم آخر، وهو الذي يشكّل الخطر القادم، وهو أولائك الذين سينتقلون من مرحلة الثرثرة إلى مرحلة الفعل. وهذا يعني، بالنسبة إلى البعض، ركوب الطائرة المتجهة إلى الشرق الأوسط؛ وعند البعض الآخر، التخطيط لتنفيذ هجمات داخل الولاياتالمتحدة. وكانت الولاياتالمتحدة قد شهدت حملة من الاعتقالات شملت حوالي 15 اعتقالا، جراء أنشطة ذات صلة بداعش في عام 2014، إلا أن هذا العدد قد ارتفع إلى أكثر من ثلاثة أضعاف، إذ اتهمت السلطات الأميركية 56 شخصا على الأقل حتى الآن في عام 2015. ورغم أن مكتب التحقيقات الفيدرالي يعتقد أن اتجاه المقاتلين الأجانب من الولاياتالمتحدة إلى سوريا والعراق يتراجع، إلا أن مسؤولين أميركيين يقرون بمحاولة سفر أكثر من مئتي أميركي للانضمام إلى الدولة الإسلامية، وقد نجح العشرات منهم. وقالت جين هارمن، الرئيسة والمديرة التنفيذية لمعهد ويدرو ويلسون في واشنطن، وكاتبة مقدمة الدراسة، إن أكثر من 50 شخصا تم اعتقالهم في هذا العام وحده، وهو رقم قياسي جديد، والمئات هم أهداف للتحقيقات الجارية؛ مشيرة إلى أن النظام الديمقراطي الأميركي يكفل حرية التعبير عن النظريات المتطرفة، لكنه لا يكفل أعمال العنف والإرهاب. وتضيف هارمن، التي قدّمت سنة 2007، بصفتها عضوا في الكونغرس وتولت مناصب نيابية في لجنتي المخابرات والأمن الداخلي، قانونا لمكافحة التطرف العنيف والتصدي للإرهاب المحلي، أن التحدي الذي يواجه الأميركيين اليوم هو تحديد مسببات العنف والتدخل في اللحظة المناسبة لمنع ذلك. وتنظيم الدولة الإسلامية في الولاياتالمتحدة يوضح أنه لا يمكن تبني مقياس واحد وجعله مناسبا للجميع. وكان هذا القانون الذي تقدّمت به هارمن البداية لاستيعاب كيف يمكن للإرهابيين أن يتلاعبوا بالإنترنت، وخصوصا موقع تويتر الذي كان عمره وقتها عاما واحدا. وبعد ثماني سنوات، تأكّد أن التطرف الجديد عابر للحدود، ولم يعد الأشخاص المنعزولون يغادروا أقبيتهم لتلقي رسائل متطرفة، بل إن بعض الإسلاميين المتطرفين، وفق جين هارمن، ينسّقون الهجمات المعقدة باستخدام بلاي ستيشن. وهجمات باريس، وبيروت، وإسقاط الطائرة الروسية فوق سيناء: هذه ليست سوى مظاهر لتفشي الوباء الإرهاب. أميركيون يفضلون الدولة الإسلامية على الولاياتالمتحدة الأميركية ☚ 127 عدد الأميركيين الذين اتهموا بالاتصال بتنظيم داعش بين 2014 و2015: * متوسط أعمارهم 26 عاما * 86 ٪ منهم من الذكور * انحصرت أنشطتهم في 21 ولاية * 51 ٪ منهم سافروا أو حاولوا السفر إلى الخارج * تورط 27 ٪ منهم في مؤامرات لشن هجمات على الأراضي الأميركية * تم اعتقال 55 ٪ في عملية شارك فيها أحد المخبرين أو العملاء السريين ☚تختلف حسابات الأفراد المشاركين في أنشطة ذات صلة بداعش في الولاياتالمتحدة على نطاق واسع في مستوى العرق والتعليم والسن والطبقة الاجتماعية والخلفية العائلية. ☚ تلعب شبكات التواصل الاجتماعي دورا حاسما في حشد المتعاطفين مع الدولة الإسلامية داخل الولاياتالمتحدة. ☚ ينشط المتعاطفون مع الدولة الإسلامية في الولاياتالمتحدة بشكل خاص على تويتر، حيث يمكنهم إنشاء حسابات جديدة كلما تم تعطيل السابقة وبذلك لا تنتهي لعبة القط والفأر. ☚ الإعجاب بالدولة الإسلامية لا يقتصر على وسائل التواصل الاجتماعي؛ فهناك العديد من حالات التطرف الفردي التي تعزّز اهتمامها، في وقت لاحق، بروايات داعش. تويتر الفضاء الأنسب ركّزت جين هارمن، في كلمتها، على أهمية شبكات التواصل الاجتماعي بالنسبة إلى تنظيم الدولة الإسلامية، مشيرة إلى أنه عبر تويتر "يمكن لأعدائنا تعقب أهدافهم بشكل دقيق، وبيع أخبارهم، ونحن بحاجة إلى أن نتعلم لنتمكن من المواجهة". وطرحت مجموعة من الأسئلة، من قبيل: ما الذي جعلهم يتبعون خيال داعش؟ كيف يمكننا سحبهم بعيدا؟ كيف يمكننا التعرف على الذئب المنفرد قبل أن يقوم بالإعداد لتفجير القنبلة القادمة؟ وللإجابة على هذه الأسئلة ترى الباحثة الأميركية أن أول خطوة هي "تحيين طريقة دراستنا للتطرّف. لقد كان الساسة بطيئين في التكيّف، حيث أن الجواسيس وصور الأقمار الصناعية ما يزالون بالنسبة إليهم بديلا عن تلقيم فيسبوك (وهي وسيلة لنشر المحتوى المتجدد على الويب بشكل متكرر)". وذات الأمر أكّد عليه جيمس كومي، مدير مكتب اف.بي.آي، حين قال إن "تنظيم الدولة الإسلامية يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي على نحو متقن وبصفة خاصة موقع تويتر للتواصل مع أتباعه المحتملين في الولاياتالمتحدة وأماكن أخرى". وأضاف متحدّثا عن تويتر، "يعمل تويتر كوسيلة لبيع الكتب وللترويج لأفلام ويعمل كوسيلة لخدمات الإرهاب.. للترويج للقتل". وتشير دراسة جامعة جورج واشنطن، التي حملت عنونا فرعيا من "إعادة التغريد إلى الرقة"، إلى أن موقع تويتر الوجهة المفضلة الأكثر استخداما من قبل المتعاطفين الأميركيين مع تنظيم الدولة الإسلامية وهناك نحو 300 أميركي بين مستخدمي موقع تويتر الإلكتروني يحملون أفكار تنظيم الدولة الإسلامية وأيديولوجيته المتطرفة وينشرون عبارات تأييد ودعم له. ويفضل الأميركيون تويتر لأنه يمكنهم من إنشاء حسابات جديدة كلما تم تعطيل السابقة حتى أن بعض الحسابات هي بمثابة المولدات للمحتوى الأساسي، وبعض الحسابات التي تعتمد على إعادة التغريد هي بمثابة مكبرات للصوت، والبعض الآخر (من محدثي الجلبة) هم الذين يشجعون على إنشاء حسابات حديثة للمستخدمين الذين تم توقيف حساباتهم. ويستخدم المؤيدون للتنظيم بشكل عام وسائل أخرى للتواصل الاجتماعي مثل مواقع فيسبوك وغوغل بلس وتامبلر إضافة إلى تطبيقات الرسائل التي تتمتع بقدر أكبر من السرية مثل كيك وتلغرام. وذكرت الدراسة أيضا أن تنظيم الدولة الإسلامية يستخدم برنامج تشفير لمنع أجهزة المخابرات والشرطة من اعتراض اتصالاته مع المرشحين المحتملين للاستقطاب من الولاياتالمتحدة الأميركية. تطور الجهادية في أميركا لا يعتبر التطرف وتأثير الجهاديين ظاهرة جديدة في الولاياتالمتحدة، ففي الثمانينات، سافر عدد قليل من المواطنين الأميركيين والمقيمين في الولاياتالمتحدة إلى أفغانستان للالتحاق بصفوف المجاهدين الذين يسعون إلى التصدي للغزو السوفييتي. وفي التسعينات، تورّطت مجموعات متناثرة من المسلحين الذين يعيشون في الولاياتالمتحدة في نزاعات أخرى في الخارج (مثل البوسنة والشيشان) أو في تقديم الدعم المادي لتنظيم القاعدة وغيره من الجماعات المتطرفة. وتورطت إحدى هذه المجموعات، وهي من نيويورك ونيوجيرسي، في الهجوم الأول على الأراضي الأميركية، والمتمثل في تفجير مركز التجارة العالمي عام 1993. "داعش" يجند الأمريكيين عبر وسائل التواصل الاجتماعي وبعد أحداث 11 سبتمبر عام 2001، اعتمد المجتمع الأميركي موقفا أكثر تشدّدا لمكافحة الإرهاب في الولاياتالمتحدة، مما أدى إلى اكتشاف العشرات من الأفراد والخلايا في مختلف أنحاء البلاد. وشهد نشاط الجهاديين الأميركيين بين أوائل الألفية والعشرية الأولى من الألفية، تفاوتا ملحوظا من حيث الخصوصية والانتماءات التنظيمية، والقدرات التشغيلية. وفي حين كان البعض على علاقة وثيقة بتنظيم القاعدة وفروعه، لم يكن البعض الآخر أكثر من متعاطفين مع الفكر الجهادي ولا يملكون علاقة عضوية بالتنظيم. في عام 2010 أشار النائب العام الأميركي إريك هولدر إلى أن التهديد الإرهابي قد "تغير من مجرد قلق بشأن الأجانب الذين يأتون لمهاجمة الأراضي الأميركية، إلى قلق بشأن الأشخاص داخل الولاياتالمتحدة، وقلق من المواطنين الأميركيين، الذين ولدوا هنا، والذين لأي سبب من الأسباب، قرروا اتباع نهج الراديكالية وحمل السلاح ضد الدولة التي ولدوا فيها". وهو ما يؤكّده لورينزو فيدينو وسيموس هيغز، مشيرين إلى أن عدد الأميركيين الموالين لتنظيم الدولة الإسلامية، المتصاعد، يشكّل تحديا لا يمكن حله من خلال الاعتقالات فقط؛ بل يتطلبّ دراسة متأنية قبل اتخاذ أي خطوات سياسية محتملة، لأنه لا توجد مقاييس للتجنيد، مثلما لا يوجد أيضا أي حل سحري من شأنه أن يخفف من حدة جاذبية تنظيم الدولة الإسلامية. وإدراك هذا التعقيد هو خطوة أولى حيوية بالنسبة إلى الساسة والمسؤولين لإنفاذ القانون ولقادة المجتمع المدني والمعلمين وأولياء الأمور عند صياغة الحلول الفعالة. ومن التوصيات التي تقدّمها الدراسة: * الكثير من المتعاطفين مع داعش في مرحلة مبكرة ليسوا بالضرورة مخالفين للقانون، وبالتالي ينبغي اعتماد نهج وقائي شامل للتطرف. * البديل الفعال للاعتقال هو التدخل للمساعدة في إقناع هؤلاء الأفراد بالابتعاد عن مسار التطرف. * يجب على الباحثين والقادة المدنيين إجراء تحليل للمراسلات التي تؤثر أكثر من غيرها في المستهدفين عادة من جانب داعش. * هناك فرصة غير مستغلة للاستفادة من المجندين الأميركيين الذين أصيبوا بخيبة أمل من الدولة الإسلامية. وقد تخلى هؤلاء عن فكر التنظيم المتشدد لأسباب متنوعة، سواء لأنهم كانوا يعانون من قسوة الحياة في ظله أو لأنهم وجدوا مخرجا أكثر إيجابية للمشاكل التي أدت بهم إلى اتباع نهجه. وينبغي على المسؤولين أن يوفروا لهؤلاء العائدين إطارا مناسبا لسرد قصصهم لثني الآخرين عن الوقوع في شرك التطرّف. ومن المرجح أن تكون رسائلهم مؤثرة ويمكن أن تشكل خطا معاكسا لرسائل داعش. وتخلص الدراسة إلى التحذير من أنّه في الوقت الذي يبدو فيه أن للجهاديين أسبابهم في استدراج المجندين الأميركيين لعدة عقود، فإن الحافز على ارتفاع التأييد لتنظيم الدولة الإسلامية والتسويق المتطور لثقافته بين الأميركيين لم يسبق له مثيل؛ وهنا على القادة السياسيين والمدنيين الأميركيين التحلّي بالجرأة والاعتراف بالخطر ومن ثمّ تبني سياسات ومبادرات جديدة من أجل هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية وحماية كل مواطني دول العالم، وليس الأميركيين فقط، من الوقوع في براثينه.