الرئيس السيسي يقود سفينة الوطن نحو التنمية الأضخم في تاريخها المعاصر    كتاب دوري بشأن نشر أية معلومات وبيانات عن نشاط صناديق التأمين الحكومية    المؤتمر: مبادرات الدولة المصرية بملف الإسكان تستهدف تحقيق رؤية مصر 2030    رئيس الأركان الإسرائيلي: مصممون على تدمير البنى التحتية لحزب الله قرب الحدود    فصائل عراقية: هاجمنا هدفًا في جنوب إسرائيل بطائرة ذات قدرات متطورة    أخبار الأهلي: شوبير يكشف مفاجأة في مصير علي معلول مع الأهلي    أخبار الأهلي: شوبير: لجنة الانضباط قررت إيقاف مروان حمدي 6 شهور.. واتحاد الكرة رفض    تشكيل مانشستر يونايتد الرسمي أمام بورتو في الدوري الأوروبي    بيان مهم بشأن حالة الطقس غدًا الجمعة.. والأرصاد تحذر من ظاهرة جوية تضرب البلاد (تفاصيل)    محافظ كفرالشيخ يتفقد مستشفى فوه للتأمين الصحي بقوة 193 سريرًا    بعد ضبطه بمخدرات وسلاح أبيض.. إحالة تاجر حشيش وآيس في التبين للجنايات    تحرير 84 محضرا تموينيا متنوعا في حملات على الأسواق والمخابز بالإسكندرية    افتتاح فعاليات الندوة العلمية الموازية لمهرجان الإسماعيلية الدولي للفنون الشعبية    مخرج الفيلم القبرصي بمهرجان الإسكندرية: العمل يجمع بين الضحك والبكاء    إيمان العاصي تكشف عن مفاجأة في الحلقات القادمة من مسلسل برغم القانون    أمين الفتوى: الاعتداء على حريات الآخرين ومجاوزة الحدود من المحرمات    دينا الرفاعي وجهاز الفراعنة تحت 20 عاما يحضرون مباراة وادي دجلة والطيران (صور)    قافلة طبية لأهالي «القايات» في المنيا.. والكشف على 520 مواطنًا    مصر تعيش بروح أكتوبر    اقتحمناه في 4 ساعات.. اللواء محمد فكري: معركة "جبل المر" أصابت العدو بالذعر    أمين عام الناتو يزور أوكرانيا ويقول إنها أصبحت أقرب لعضوية الحلف    "القاهرة الإخبارية": الحكومة البريطانية تطالب رعاياها بالخروج الفورى من لبنان    تكريم أوائل الطلاب بالشهادات الأزهرية ومعاهد القراءات بأسوان    3 وزراء يفتتحون مركزًا لاستقبال الأطفال بمقر "العدل"    لهذا السبب.. منى جبر تتصدر تريند "جوجل"    «الثقافة» تناقش توظيف فنون الحركة في فرق الرقص الشعبي بمهرجان الإسماعيلية    في يوم الوحدة الألمانية.. السفارة الألمانية بالقاهرة تحتفل وتشيد بالشراكة المتميزة مع مصر    صندوق النقد الدولي يؤكد إجراء المراجعة الرابعة للاقتصاد المصري خلال الأشهر المقبلة    موتا: الشجاعة منحتنا الفوز على لايبزج    افتتاح المؤتمر الدولي السابع والعشرون لأمراض النساء والتوليد بجامعة عين شمس    رئيس الطائفة الإنجيلية يشهد احتفال المستشفى الأمريكي بطنطا بمرور 125 عامًا على تأسيسها    حكم صلة الرحم إذا كانت أخلاقهم سيئة.. «الإفتاء» توضح    أضف إلى معلوماتك الدينية| فضل صلاة الضحى    سفير السويد: نسعى لإقامة شراكات دائمة وموسعة مع مصر في مجال الرعاية الصحية    لطفي لبيب عن نصر أكتوبر: بعد عودتي من الحرب والدتي صغرت 50 سنة    إصابة شاب بسبب خلافات الجيرة بسوهاج    مصرف «أبو ظبي الإسلامي- مصر ADIB-Egypt» يفتتح الفرع ال71 بمدينتي    تأهل علي فرج وهانيا الحمامي لنصف نهائي بطولة قطر للإسكواش    تعديلات قطارات السكك الحديدية 2024.. على خطوط الوجه البحرى    العرض العالمي الأول لفيلم المخرجة أماني جعفر "تهليلة" بمهرجان أميتي الدولي للأفلام القصيرة    باحث: الدولة تريد تحقيق التوزان الاجتماعي بتطبيق الدعم النقدي    الرئيس السيسي يستقبل رئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بمطار القاهرة    بيراميدز يخوض معسكر الإعداد فى تركيا    تعدد الزوجات حرام في هذه الحالة .. داعية يفجر مفاجأة    منها «الصبر».. 3 صفات تكشف طبيعة شخصية برج الثور    محافظ الغربية يبحث سبل التعاون للاستفادة من الأصول المملوكة للرى    ألفاظ نابية أمام الطالبات.. القصة الكاملة لأزمة دكتور حقوق المنوفية؟    اتفاق بين منتخب فرنسا والريال يُبعد مبابي عن معسكر الديوك في أكتوبر    الأمن يكشف لغز العثور على جثة حارس ورشة إصلاح سيارات مكبل في البحيرة    مجلس الشيوخ.. رصيد ضخم من الإنجازات ومستودع حكمة في معالجة القضايا    وزير الخارجية السعودي: لا علاقات مع إسرائيل قبل قيام دولة فلسطينية مستقلة    ضبط 17 مليون جنيه حصيلة قضايا اتجار بالنقد الأجنبي خلال 24 ساعة    الصحة: تطعيم الأطفال إجباريا ضد 10 أمراض وجميع التطعيمات آمنة    نائب وزير الصحة يوصي بسرعة تطوير 252 وحدة رعاية أولية قبل نهاية أكتوبر    مركز الأزهر للفتوى يوضح أنواع صدقة التطوع    بالفيديو.. استمرار القصف الإسرائيلي ومحاولات التسلل بلبنان    الحالة المرورية اليوم الخميس.. سيولة في صلاح سالم    أستون فيلا يعطل ماكينة ميونخ.. بايرن يتذوق الهزيمة الأولى في دوري الأبطال بعد 147 يومًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«بروتوكولات حكماء الإخوان» للسيطرة علي مليارات الجمعيات السياسية في أوروبا
نشر في الموجز يوم 01 - 04 - 2014

يوم بعد آخر تتكشف أبعاد وتفاصيل الشبكات العنقودية والتشكيلات التي سعت جماعة الإخوان إلي تشكيلها منذ تأسيسها عام 1928 علي يد حسن البنا وحتي الآن وهي شبكات هدفت إلي التوغل في المجتمعات الإقليمية والدولية بهدف تجنيد الشباب والحصول علي التمويلات اللازمة من أجل خدمة أهداف الجماعة.
من هذا المنطلق تأتي هذه الدراسة التي أعدها الباحث الإماراتي سليم ضيف الله والتي يرصد فيها أبعاد وكيفية تسلل الإخوان إلي المجتمعات الأوروبية مستغلين في ذلك الجمعيات والمنظمات غير الحكومية كواجهة لتجنيد الشباب الوافد إلي العواصم الأوروبية وكذلك للحصول علي التمويلات اللازمة حتي وإن كانت من خلال طرق غير مشروعة.
تزامنا مع شبكات التمويل والدعم التي أنشأها الإخوان علي امتداد السنوات الطويلة الماضية، والتي تشكّل الوجه الأول لاستراتيجية التمدد الإخواني، أشارت الدراسة إلي وجه ثان من الاستراتيجية والمتمثل في التمدّد والتسلل إلي المجتمعات والتنظيمات المختلفة في الخارج لإحكام الإطباق علي العالم العربي، وتمهيداً للخطة الإخوانية الدولية، التي تحتل فيها أوروبا والقارة الأمريكية مكانة هامة، لتدعيم الحضور الإخواني علي الساحة الدولية خاصة فيما يتعلق بأوروبا.
وأشارت الدراسة إلي أنه منذ الظهور الأول، للحركة وبروز نجمها علي يد المؤسس حسن البنّا الذي جعلت منه "بروبجاندا" الحركة المصرية والدولية وآلتها الدعائية لاحقاً الملهم الأول والزعيم الخارق لم يكن للحركة من توجه استراتيجي سوي الاختراق والبحث عن التمويلات في جدلية مباشرة ومثيرة.. موضحة أن هذا الاختراق يضمن للحركة مواطئ قدم في المجتمعات والدول المختلفة ما يعني القدرة علي التجنيد والاستقطاب والحصول علي التمويلات، التي تسمح بدورها في ضمان مسار الاختراق في ديناميكية ميكانيكية مستمرة.
وتابعت الدراسة: علي هذا الأساس قامت استراتيجية الإخوان بعد تطورها بمرور الزمن إلي تشكيلة متشعبة من الفروع والمنظمات الإقليمية والدولية، وذلك قبل البرنامج السياسي وقبل الولاء أو المعايير الأخلاقية والمبدئية، فكل ذلك تفصيل يمكن التعامل معه بطريقة سحرية وفعالة، عبر أكثر من جهة أولها تقديم الجانب الديني مع ما يعني ذلك من صدق لسان وإخلاص في العمل، وثانيهما استغلال المخزون العالي من التدين والقابلية المرتفعة لدي الإنسان الشرقي عموماً لكل ما هو خطاب ديني، خاصة إذا ترافق ذلك مع بعض الإنجازات والوقائع القابلة للمشاهدة والمراجعة، الأمر الذي من شأنه نسف الدعاية المضادة أو الحملات المناوئة التي فاتها في أكثر من مناسبة التعاطي مع هذا البعد.
ولهذا السّبب -كما يوضح الباحث- فشلت الحركة منذ البداية سياسياً، ولكنها نجحت وكان لها قدرة عالية علي الاختراق الاجتماعي والسياسي في مصر أولاً ثم في بقية الأقطار العربية المجاورة قبل أن تنطلق لسائر الأقطار والدول.. ولبيان ذلك يكفي الإشارة إلي أن حسن البنا والرعيل الأول من قيادات الحركة، قبل وبعد إشهار الحركة وعلي امتداد عقدين تقريباً، لم ينجح ولا مرة واحدة في الدخول إلي مبني البرلمان، رغم محاولاته المتكررة هو شخصياً وبعض أقرب مساعديه، مثل أحمد السكري، الشخصية البارزة في الجماعة بعد البنا، وكأن الناخب المصري في القرن الماضي كان أكثر وعياً وإدراكاً من ابنه وحفيده في القرن الراهن، إذ كان يقبل علي ما توفره الحركة من فرص اجتماعية من قروض صغيرة ومساعدات وغيرها، ولكنه لم يمنحها صوته وثقته أبداً وفضل عليها دائما الوفد والسعديين والأحرار وغيرهم من الوطنيين والليبراليين.
الصباح والبنّا
وأوضح سليم ضيف الله في دراسته أن الفشل والإخفاق لم يمنعا البنا من المضي قدماً وفق الخطّ المرسوم منذ أول ظهور للرجل في الإسماعلية مبشراً بحركته، حتي كأنه في تفاصيل كثيرة يذكر بحسن آخر لا يقلّ شهرة وشراسة، هو حسن الصباح صاحب قلعة الموت الشهير، فكلاهما اعتمد الخطاب المزدوج، وعدم كشف النوايا الحقيقية وخاصة الكمون قصد التمكن وتشكيل الخلايا وتنشيطها حسب الطلب.
وبالنظر إلي استشراء الحماية الإخوانية في الدول العربية ثم في العالم، بناءً علي النموذج الذي أرساه البنا وقبله الصباح، يمكن القول إن الإخوان تفوقوا في التغلغل المزدوج أفقياً وعمودياً وبلا حدود، فكلّ منطقة وكل دولة وكل قارة صالحة لبذر نبتة الإخوان، التي تتحول بمرور الأيام وبفضل التخفي والكمون إلي شجرة، والشجرة لا تطرح ثمارها بعيداً عنها في مطلق الأحوال.. وهكذا كانت الحركة منذ البداية، متسللة وحاضنة لكل الحركات التي ظهرت وطفت علي السطح لاحقاً حتي الآن، والتي تزعم اختلافها عن الحركة الأصل وتطرح مفاهيم وآلية لا تتوافر بالضرورة في أدبيات الإخوان وبرامجهم.
الاختراق الأوروبي
وتطرق الباحث إلي أسباب نجاح الحركة في التسلل إلي مجتمعات لا علاقة لها بما تحاول الحركة والتنظيم الدولي ترويجه في المجتمعات الشرقية، وهي المجتمعات المدنية والعلمانية والمختلفة ثقافة وحضارة وممارسة وتركيبة عرقية ولغوية ودينية، مثل فرنسا أو ألمانيا وبريطانيا سابقاً وكندا والولايات المتحدة وأستراليا مثلاً حالياً.. موضحا أنه منذ البداية وفي إطار استراتيجية الطوق العالمي، الذي يذّكر في كثير من تفاصيله ببروتوكولات حكماء صهيون الشهير، فطنت الحركة إلي أهمية الجمعيات قديماً والمنظمات غير الحكومية أو ما أصبح يعرف في الأدب السياسي الحديث بالمجتمع المدني، باعتبارها المدخل القانوني المناسب لاستقطاب الأنصار والمجندين والواجهة المثالية للحصول علي التمويلات الضرورية وتبييض التدفقات المالية الأخري التي يمكن أن تثير الشكوك والشبهات.
وتابعت الدراسة: لأن التمويل ضرورة حيوية في فكر واستراتيجية الإخوان لم تستنكف الحركة ومن بعدها التنظيم الدولي اللجوء إلي المال القذر، ولم تجد حرجاً في السعي إليه، حتي وإن كان مصدره غير شرعي، مثل التجارة غير الشرعية أو التهرب الضريبي أو التوظيف وبيع وهم الثروة، أو التمويلات الأجنبية وأقذرها طبعاً تمويلات أجهزة المخابرات الأجنبية.
وأضافت الدراسة: تعتبر أموال المخابرات منذ المخابرات الألمانية كما تحدثت عنها تقارير ودراسات عديدة داخل وخارج مصر، أو حتي المخابرات المصرية نفسها قبل اندلاع الصدام بين الملك فاروق وجماعة حسن البنا معروفة وشائعة، ويكفي النظر إلي الوثائق المسربة بين الفترة والأخري عن دور يوسف رشاد المقرب من فاروق مثلاً ودوره في التعاون مع الإخوان وتمويلهم قبل إشرافه علي الحرس الحديدي لتصفيتهم، ردأً علي تنظيمهم المسلح، ولكن الجانب المجهول نسبياً في مسيرة الإخوان خاصة في أوروبا والعالم الغربي، هو الصلات الوثيقة بالمخابرات الدولية.
وفي هذا السياق أشارت الدراسة إلي أن صهر البنا زوج ابنته ومستودع أسراره الشهير سعيد رمضان يعد حالة أكثر من نموذجية عن الصلات بين الإخوان في الداخل والخارج والمخابرات الدولية قصد الحصول علي التمويلات وضمان تدفقها، لخدمة برامج الحركة.
وأوضحت الدراسة أنه في أواسط الخمسينيات غادر رمضان مصر فارا إلي سويسرا بعد تورطه في محاولة اغتيال الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وبسرعة قياسية أصبح رمضان محل ترحاب شديد من قبل السلطات السويسرية وحصل علي الوثائق الضرورية للإقامة والنشاط، ما أثار دهشة العارفين بماضيه، وظروف لجوئه إلي سويسرا، ولكن الباحثين والمهتمين وضعوا أخيراً اليد علي "مذكرة داخلية سرية بتاريخ 17 أغسطس 1966" من تحرير المخابرات السويسرية تحت العدد أي 4320، تشير"إلي ضرورة التعاطي الإيجابي مع رمضان بسبب علاقاته الممتازة بالأمريكيين والبريطانيين".
وفي 3 يوليو 1967 بعد شهر من حرب 1967، أصدر رئيس الدائرة بوزارة العدل السويسرية قراراً يتمتع بموجبه رمضان بحق الإقامة الدائمة في سويسرا ورفع كل التضييقات عليه، باعتباره معنياً بقرار طرد من البلاد صادر في 31 يناير 1967.
ورغم أن الوثائق التي تهم الخمسينيات والستينيات لا تزال خاضعة لقوانين المنع والحجب في أكثر الدول مثل سويسرا نفسها وبريطانيا والولايات المتحدة بسبب خطرها الأمني، إلاّ أن ما يتوافر من معطيات حتي الآن يسمح بالربط المباشر وبالقول بالتعاون الوثيق بين سعيد رمضان رأس حربة الإخوان في أوروبا، وبعض الأجهزة الدولية.
وفي هذا السياق ذاته أشار الباحث إلي الزيارة السرية لرمضان في 1953 إلي البيت الأبيض، وفيها ظهر في بعض الصور إلي يمين الرئيس دوايت ايزنهاور، الذي قال في كلمة بالمناسبة "إن إيماننا بالله يعطينا هدفاً مشتركاً، مقاومة الشيوعية وإلحادها" في إشارة إلي نظام جمال عبد الناصر المتحالف مع السوفيت.
عش الدبابير
وتابع الباحث: من سويسرا التحق رمضان بجامعة كولونيا وحصل في 1959 علي شهادة الدكتوراه حول الشريعة والقانون الإسلامي، ورغم بقائه في سويسرا، نجح رمضان بفضل صديقه بوب دريهر الأمريكي في الوصول إلي ميونيخ التي تحتضن أكبر جالية تركية مهاجرة في ألمانيا، وأسس بفضل دعم الرابطة الأمريكية لمكافحة البلشفية "امكوملب" الواجهة الرسمية للمخابرات الأمريكية في ألمانيا المقسمة بين شرقية شيوعية وغربية موالية للغرب، أول مركز إسلامي في الغرب، بالمعني المعروف اليوم، أي المسجد الجامع ومركز الأبحاث والجمعية الاجتماعية الخيرية وعند اكتمال بناء جامع ميونيخ في 1973، كان الإخوان أول مجموعة مهيمنة في المنطقة علي المسجد وعلي المركز التابع له.
وبالنظر إلي التحولات السريعة التي حصلت في الدول العربية كلّها تقريباً بعد الستينيات بحصولها علي الاستقلال من جهة، وسيطرة بعض الجهات علي الحياة السياسية علي شكل أحزاب قابضة بزمام الأمور، وبظهور مشاكل التنمية والتخلف التي رافقت الدول الوطنية الناشئة، وبعد ظهور الصدام المباشر بين الإخوان وأغلب هذه الدول، أصبحت أوروبا ساحة صراع جديدة بين الإخوان الذين سبقوا الدول إليها، فعملوا علي اعتماد طريقة سعيد رمضان، في تجنيد الشباب المتوافد علي العواصم الأوروبية في ما يعرف باسم "الثلاثين السمان"، في إشارة إلي السنوات التي امتدت بعد الحرب العالمية ومنتصف السبعينيات، التي احتاجت فيها كل الدول الأوروبية إلي تدفق عمالي رخيص وغير مؤهل لتنشيط اقتصادها المنهار بعد الحرب، فتدفقت الملايين من المغرب العربي ومن المشرق ومن تركيا، فضلاً عن أفريقيا وآسيا.
حصان طروادة
بعد استقراره النهائي في جنيف وتأسيس المركز الثاني في أوروبا علي ضفاف بحيرة ليمان، توجه رمضان إلي دعم حركة الاستقطاب للحركة ما أفضي بعد سنوات إلي مشروع التنظيم الدولي، ومن البداية حرص رمضان علي وجود أسماء من أكثر من دولة عربية وغير عربية، مثل الهنديين محمد حميد الله ومولانا عبد الحسن علي الندوي، واستمر رمضان في الإشراف علي إحداث الجمعيات واللجان الإسلامية انطلاقاً من سويسرا، ليخلفه في الإشراف علي الإخوان الألمان السوري غالب همت، معلنا توسع دائرة نفوذ السوريين، ومكملاً لهيمنة المصريين وتمهيداً لإخوان تركيا لاحقاً.
وتابع الباحث في دراسته: كانت الجمعيات بمثابة حصان طروادة الذي استعملته الحركة للنفاذ إلي قلب المجتمعات الأوروبية، فالدول الأوروبية لا تفضل الأحزاب علي أساس ديني أو عرقي، ولكنها في المقابل تساعد بالمال وبالدعم الجمعيات خاصة إذا ما انخرطت في إطار قانوني واضح مثل قانون الجمعيات الفرنسي الشهير ل1901، الذي يقرّ مساعدات رسمية مالية معتبرة للجمعيات حسب نشاطها وعدد أعضائها وتواتر البرامج والتظاهرات التي تقيمها وتنظمها.
وفي المقابل -كما توضح الدراسة- تمسكت الحركة بالجمعيات باعتبارها مصدر تجنيد ممتاز، ومصدر تمويل أساسي، ويُضفي صبغة شرعيةً لا غبار عليها علي عملها ونشاطها، كما يمكن التعويل عليها في تمرير الأموال وتبييضها ومحو آثارها إذا استوجب الأمر.
وفي المقابل أيضا كان توافر المقرات الرسمية عنواناً معروفا يسمح بالدعاية بين الشباب والمهاجرين وكذلك استقبال الندوات والملتقيات والصحفيين وممثلي وسائل الإعلام، ما يرفع كل الشبهات عن نشاط المنظمات التابعة والعاملة في الخفاء في ظل نشاط الجمعيات المعلن.
ووفقا للدراسة فإن هذا التوجه يفسر الانتشار الخرافي للجمعيات والاتحادات والمنظمات الإسلامية، في الدول الأوروبية جميعها، ما سمح لها بتغطية أوسع المناطق من جهة، وتوفير المتطوعين والمتبرعين والممولين، فضلاً عن النشاط الكبير الذي يرافق في العادة هذه الجمعيات والذي يتمثل في مراكز الأبحاث.
وأشارت الدراسة إلي أن مراكز الأبحاث تعتبر ذات قيمة حيوية في عمل التنظيمات والجمعيات بفضل ما تتيحه من فرص شرعية لتبييض الأموال تحت حجة تنظيم ملتقيات واجتماعات، وطباعة دراسات وترويجها وتغطية نفقات سفر وغيرها ودفع رواتب باحثين وكتاب ودارسين وغيرذلك، ولا تكاد منظمة أو جمعية في أوروبا من فرنسا إلي بريطانيا ومن روسيا إلي البرتغال من مركز أبحاث ودراسات، تقوم في العادة بالترويج المتبادل لأعضاء الجمعيات نفسها أو الجمعيات القريبة والشقيقة مع ما يعني ذلك من تبادل منافع أدبية ومادية.
وأوضحت الدراسة أنه بعد مرحلة الوافد السّوري همت، تسلّم المشعل إبراهيم الزيات من مواليد الهجرة في ألمانيا، الذي استمر في تطوير عمل المركز ودعم انتشاره قبل أن تتهمه السلطات الألمانية والأمريكية بالضلوع في تبييض أموال وتحويل مبلغ لا يقل عن مليوني دولار، لمنظمة خيرية تعمل تحت غطاء القاعدة.
ومن ألمانيا والجمعيات الإسلامية التي عمل الإخوان علي إحداثها، وفاق عددها 60 منظمة وجمعية، حتي تشكيل "الجمعية الإسلامية في ألمانيا" وصلت العدوي الجالية التركية الضخمة التي كانت خاضعة في الأساس لمنظمة تركية معروفة وقديمة "ملّلي جوريس" ولم يكد عقد الثمانينيات ينتهي حتي تحالفت مللي الخاضعة للزعيم الإسلامي التركي نجم الدين أربكان، مع الجمعية الخاضعة للإخوان ليشكلاّ أكبر حلف إسلامي في ألمانيا.
وأشارت الدراسة إلي أنه بتطويق الساحة الإسلامية باتحاد الجمعيات وبعلاقات مصاهرة مباشرة بين زعماء الجمعيات المصرية أو ذات الأصل المصري ونظيرتها التركية، أحكم الإخوان قبضتهم علي ألمانيا لفرض حركتهم متحدثاً رسمياً وحيداً باسم المسلمين في البلاد، وفي نفس الوقت كانت الجمعيات والمنظمات تنشط بحزم من أجل تقديم زعماء هذه التنظيمات في صورة المضطهدين والمطاردين في بلدانهم الأصلية من قبل أنظمة فاسدة ومستبدة.
وفي هذا السياق الذي يختلط فيه الجمعياتي بالسياسي والديني بالمالي والدعوي بالعائلي، الذي يشكل غابة الإخوان، أكدت الدراسة أن تنظيم مللي التركي الألماني يعمل اليوم تحت رئاسة ابن أخ الراحل نجم الدين أربكان، المسمي محمد صبري أربكان. أما الفرع الإخواني السوري الذي يشكله العطار، فإنه يرتبط مباشرة بالفرع المصري من خلال المصاهرة، أما الفرع الألماني الذي يرأسه ابراهيم الزيات فإنه مرتبط بالفرع التركي من جهة أخري بزواج الزيات من صبيحة شقيقة محمد صبري أربكان.
الوباء في فرنسا
وتابعت الدراسة.. من سويسرا وبتوجيه مباشر من رمضان في منتصف السبعينيات توجه محمد حميد الله الهندي المولد والأصل، إلي فرنسا لزرع البذرة الإخوانية في بلاد الغوليين، فكانت جمعية الطلبة الإسلاميين في فرنسا، وانتظمت حول هذه الجمعية عدة وجوه من آفاق وأصول مختلفة وجمعت في نفس الوقت تقريباً حسن الترابي السوداني ورمضان البوتيح السوري وراشد الغنوشي التونسي وعصام العطار السوري.
وفي 1979 وتحت إصرار القيادة المصرية ظهرت مجموعة أخري من القيادات الشابة ضمن ما عرف ب"الجماعة الإسلامية الفرنسية"، وضمت التونسي عبدالله بن منصور والعراقي زهير محمود و عودة فيصل المولوي الذي أسس إحدي اول المجموعات الإخوانية الراديكالية الجماعة الإسلامية في لبنان، وانتهي الأمر بعد تناسل وتفريخ عدد ضخم من الجمعيات الإسلامية التي غطت التراب الفرنسي إلي إحداث يعرف باتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا الذي استطاع بسرعة قياسية أن يهيمن علي عضوية مجلس مسلمي فرنسا "لتمثيل المسلمين" علي غرار المنظمات الرسمية منذ عقود التي تمثل اليهود والبروتستانت لدي السلطات الفرنسية.
سقوط "لندنستان"
وأكدت الدراسة أن لندن أصيبت منذ الستينيات بالفيروس الإخواني، عند تدفق أنصار أبو الأعلي المودودي، وتشكيل البعثة الإسلامية بالمملكة المتحدة، ليتطور الوضع إلي أكثر من 39 جمعية في بريطاينا ومنظمة مهتمة بالشباب المسلم.
وفي 1973 أنشأت البعثة ما يسمي بمركز دراسات تحت باسم المؤسسة الإسلامية "فيرست"، ومن مجرد مركز بسيط في البداية تحولت المؤسسة إلي هيئة عملاقة ما استوجب نقلها إلي قصر كبير خارج مدينة ليسستر في منطقة ماركفيلد، حيث بدأت في تنظيم عشرات الندوات واللقاءات والمحاضرات والأنشطة المختلفة سنوياً مع تفضيل واضح للنشر والطباعة والتركيز علي التيار الإخواني عموماً وعلي خريجي مدرسة المودودي بدرجة أولي.
ووفقا للدراسة.. بعد كل هذه الفروع كان لابد من التجميع لحشد القوي وتوحيد الرؤي والبرامج والأهداف بما يتماشي والحضور المتزايد للإخوان في القارة العجوز.. وعملاً بمنهج التطويق وسدّ المنافذ كان لا بد من جمع هذا الشتات في هيكل أكثر شمولية، فكان ظهور اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا في 1989، ومقره في بريطانيا ومن باب الصدفة في ماركفيلد، مقر البعثة الإسلامية في بريطانيا.. ويجمع هذا الاتحاد في أجهزته المختلفة نخبة من الإخوان من داخل وخارج أوروبا، مثل يوسف القرضاوي وأحمد جاب الله الجزائري وابراهيم الزيات الأخ الألماني، وأحمد الراوي وغيرهم.
وبإحداث هذا الهيكل الواسع، اكتملت حلقة تغطية كامل أوروبا بشبكة من الجمعيات والمنظمات ومراكز الدراسات والمدارس وغيرها من المؤسسات التي تجعل الإخوان علامة بارزة ولا مناص منها في المشهد السياسي والجمعياتي الأوروبي، ما ضاعف من حضور رموز الإخوان في الإعلام والتلفزيون والمنتديات والملتقيات التي عززت من القدرة علي الاستقطاب للطاقات والأجيال الجديدة، خاصة بعد ظهور جيل كامل جديد من المسلمين"التائهين" بسبب الأزمات الاجتماعية والاقتصادية الخانقة التي تراكمت في أوروبا منذ نهاية السبعينيات، وانضمام أعداد كبيرة من المسلمين الجدد من أبناء المهاجرين الأوائل وحتي أحفادهم إضافة إلي المتحولين من الديانات الأخري إلي الاسلام، ما مهد السبيل أمام الإخوان لوضع يد علي كنز لا ينضب من الطاقات البشرية الخام.
عودة أخري
وبما أن كل استراتيجية الإخوان تقوم كما تبين علي الاختراق والتموقع والتمويل، ضمن الاتحاد لهم رقعة جغرافية هائلة يتحركون ضمنها بحرية فريدة مستفيدين من إلغاء الحدود بين الدول الأوروبية، كما ضمن لهم قاعدة خلفية مثالية لتمويل أنشطتهم المختلفة في الدول الأصلية القريبة من العواصم الأوروبية، ولكن أيضاً ضمن لهم منافذ جديدة وأكثر تطوراً لوضع اليد علي "عصب الحرب" أي الأموال.
وعلي هذا الأساس - كما أفادت الدراسة - وضع التنظيم الأوروبي للإخوان منذ 1996 الركيزة الأوروبية لتمويل نشاط التنظيم الدولي والحركات المتفرعة عنه بتأسيس "المجمع الأوروبي" أو "يوربيان ترست"، الذي يتمثل دوره الأساسي في جمع التبرعات والهبات والمنح المالية من كل أنحاء العالم لتمويل أنشطة الأخطبوط الدولي.
وأكدت الدراسة أن التمويل لم يقتصر علي مثل هذه الجمعيات والمنظمات، بل طورت الجماعة ومنذ الثمانينيات ماكينة ضخمة لتوفير السيولة بغزارة، عن طريق تأسيس منظمات وجمعيات الإغاثة الدولية، وأشهر هذه المنظمات "الرحمة أو مِرسي انترناشيونال" التي شملت تدخلاتها إلي جانب أفغانستان وقت الجهاد ضد الروس، البوسنة ويوغسلافيا وألبانيا وكوسوفو والفلبين وكل مناطق التوتر والصراع، بدعوي الإغاثة ونجدة المسلمين.
ولكن "مرِِسي انترناشيونال" وإلي جانب بعض الإغاثة كانت أساساً في نقل المقاتلين من جبهة إلي أخري وتوفير الدعم اللوجستي والمالي لهم وللإخوان في أكثر من دولة وخاصة في أوروبا والدول العربية، ما جعل منها جسراً مثالياً لنقل التمويل المتأتي من الجمعيات وخاصة من بنك التقوي، إلي حسابات عديدة فيها، وبشكل خاص في كامل دول المغرب العربي، بواسطة حسن الترابي ومدير "مرسي الدولية" الكويتي مجيد الرفاعي الوجه الإخواني البارز في التنظيم الكويتي، والذي يرأس أيضاً المنظمة السودانية المشابهة "الدعوة الإسلامية".
ابحث عن القرضاوي
وأشارت الدراسة إلي منظمة قطرية أخري أثارت الاهتمام في الفترة الأخيرة، وهي جمعية الكرامة ورئيسها السابق عمير النعيمي، الذي استقال علي ما يبدو بسبب اتهامه رسمياً في 2013 بتمويل القاعدة، من قبل الولايات المتحدة التي وضعت يدها علي أدلة تدينه بتحويل عشرات الملايين من الدولارات إلي القاعدة وعصبة الأنصار والشباب في الصومال والقاعدة الجزيرة العربية واليمن وغيرها، وبلغت التحويلات في بعض الحالات 2 مليون دولار شهرياً.
وأكدت الدراسة أن هذه المنظمة وهذا الرئيس السخي، ليس بمعزل عن الإخوان وزعيم التنظيم الدولي يوسف القرضاوي، ويعتبر النعيمي أبرز شركاء القرضاوي وحلفائه، وتكثفت هذه العلاقة بينهما منذ 2011، وهو ما كشفه مثلاً الاجتماع الذي دعيا إليه معاً في القاهرة والذي حضرته وفود تمثل أكثر من 70 جمعية ومنظمة إسلامية في نوفمبر 2013 في القاهرة لدعم الحركة الإسلامية السورية، ببادرة من منظمة أخري يشرف عليها النعيمي ومعروفة باسم الحملة لمناهضة العدوان The global Anti- Agression Campaign" إحدي الجمعيات الناشطة في الحقل الإخواني الأوروبي، ويذكر أن النعيمي يشغل أمين سر هذه المنظمة، في حين يعتبر أحد مساعدي صالح سلطان أحد أبرز الناشطين في صفوفها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.