تدخل فاطمة الزهراء زعموم في ثاني تجربة روائية لها، عالم الاسرة الجزائرية من خلال فيلم "قداش تحبني" الذي يركز على تصوير مساحات المشاعر والاحاسيس التي تخترق يوميات وخيال طفل يعيش والداه ازمة انفصال ويودعانه لدى جديه لحين حل مشكلتهما. بعد شجار ينشأ بينهما يرسل الابوان ابنهما الى بيت جده الذي يصبح بيتا جديدا له عليه اعادة تشكيله وفق خيالاته ورغباته خصوصا حين تطول مدة اقامته لدى جديه.
ومن خلال هذا الصبي ترسم المخرجة مشاعر الطفولة التي تتأزم في ظل صراعات الكبار وتعيد عبر بساطة في الطرح تشكيل علاقات هذه الطفلولة بمحيطها ومع الجدين الحاضرين حين يغيب الأهل في جزائر اليوم.
ويطرح الشريط اسئلة حول التربية والعلاقات الاسرية في بلد يعاني فيه الفرد من ضغوطات اقتصادية كبيرة وتتكاثر فيه مشاكل الاطفال نتيجة قضايا الانفصال وحيث يلعب الجدان دورا كبيرا مؤثرا يخفف من عذابات الصغار.
انها سيرة الحياة اليومية العادية في احد احياء الجزائر العاصمة المطلة من فوق على البحر وسيرة علاقات اسرية تنمو وتتقاطع بين اجيال ثلاثة وتنم اثناء ذلك عن مشاعر انسانية هادئة ولطيفة لا زال لها مكان في عالم اليوم.
وتلعب الجدة في الشريط والتي تؤدي دورها ناجية دباحي العراف دور رفيقة الطفل التي تحقق له رغباته المشروعة وتدلله وفي الوقت نفسه يقف هو معها ويتعلم منها الكثير مثل اولويات فن الطبخ التي يترفع عنها الجد لتذهب هي معه الى السينما.
ورغم مسحة الحزن التي تلفه فان الشريط لا يخلو من لمسة كوميدية ساخرة تضفيها المخرجة على الحوارات التي تكشف العلاقات وتشكلها من جديد من خلال تجربة العيش مجددا مع طفل لا يمتلك الا ان يقول حقيقته وان يعبر عن رغباته بصدق.
ويؤدي راسم الزنادي دور الطفل عادل في الفيلم الذي يركز على اهمية وجود الجدين في حياة الاطفال في المراحل الصعبة.
وتقود العلاقة بين الطرفين في النهاية الى عالم جميل مسكون بالسلام عبر طرح درامي يثير تعاطف المشاهد وحيث حاولت المخرجة بتأن وصدق تصوير العالم الداخلي للشخصيات داخل مساحات البيت الضيقة وحيث تدور حوارات تكشف احيانا ذكورية المجتمع وهيمنة الرجل الشكلية على شؤون العائلة.
وقد عمد مهرجان الدوحة الى وضع عنونة اضافية للفيلم باللغة العربية الفصحى لتسهيل وصول العربية المحكية الجزائرية الى المشاهد في الدوحة.
وكانت المخرجة فنانة تشكيلية بالاصل وانتقلت من العمل الفني التشكيلي الى السينما مع نهاية التسعينات ونفذت 6 افلام قصيرة قبل ان يقدم فيلمها الروائي الاول "الزهر" في مهرجان دبي السينمائي وينال بعدها 30 جائزة في مهرجانات مختلفة.
وتقول فاطمة الزهراء زعموم ان كتابة سيناريو "قداش تحبني" تزامنت "مع تعرقل انتاج فيلمي الاول وخطرت لي الفكرة فكتبتها استغلالا للوقت".
وحول اسباب انتقالها من الفن التشكيلي الى العمل السينمائي تقول زعموم لوكالة فرانس برس "مع المشاكل التي شهدتها الجزائر في التسعينات كنت احس ان العمل التشكيلي عمل بورجوازي. احتجت الى التجريب في مكان آخر واعتمدته في مجال الافكار ولغة القص السينمائي في افلامي القصيرة لكن هذا عطل من مساري".
اما عن طبيعة السينما التي تصنعها فاوضحت المخرجة "انا لا ادخل في المواصفات الشائعة للعمل السينمائي لذلك اضطررت ان العب في الفيلم دور المخرجة والمنتجة في آن معا والامر لم يكن سهلا بالمرة، لكني لم احب ان اظلم نفسي وان اعدل في السيناريو ليدخل في القوالب العامة المتعارف عليها".
وتحدثت المخرجة عن "العزلة الكبيرة" لهذا الدور الذي قامت به خلال العمل على الفيلم وصعوبة اتخاذ القرارات لشخص بمفرده.
وقد كلف انتاج الفيلم نحو 450 الف يورو ودعمته وزارة الثقافة الجزائرية بينما نفذت عمليات ما بعد الانتاج بمساهمة من المركز السينمائي المغربي.
وسيعرض فيلم "قداش تحبني" في الجزائر مطلع العام ثم في فرنسا والمغرب.
ويشارك الفيلم في المسابقة العربية الروائية في مهرجان الدوحة-ترايبكا في دورته الثالثة التي تختتم مساء السبت بحفل اعلان الجوائز بينما تشارك الجزائر في هذه المسابقة بثلاثة افلام.
وتضم هذه المسابقة 7 افلام بينها 3 جزائرية.
ويشارك في مسابقة الافلام العربية من مصر فيلم "الشوق" لخالد حجر ومن لبنان فيلم "انسان شريف" لجان كلود قدسي ومن المغرب وفرنسا فيلم "عمر قتلني" لرشدي زم ومن العراق فيلم "قلب احمر" لهلكوت مصطفى.