اخذ معارضو الرئيس السوري بشار الاسد خطوة للامام نحو الوحدة من خلال تشكيل مجلس وطني لتمثيل الانتفاضة السورية لكن ما زال امامهم طريق طويل قبل أن يشكلوا بديلا لحكمه يضم كافة أطياف المجتمع. وبعد ستة أشهر من اندلاع الاحتجاجات المطالبة بالحريات السياسية اختارت شخصيات معارضة اجتمعت في اسطنبول أعضاء المجلس الوطني السوري يوم الخميس لادارة الفترة الانتقالية في حالة سقوط الاسد وللاتصال بالقوى الدولية التي أدانت ما تقوم به الاجهزة الامنية السورية من قمع للاحتجاجات.
ورحبت فرنسا بتشكيل المجلس لكن في مؤشر على العقبات والخصومات الداخلية التي لابد أن تتغلب عليها المعارضة لم تتم الموافقة على كل الاسماء وقالت بعض الشخصيات المشاركة في المجلس ان الاسلاميين حصلوا على تمثيل مبالغ فيه.
وبخلاف هدف اسقاط الاسد وفترة انتقالية للديمقراطية تحفظ مؤسسات الدولة على المجلس الوطني ان يفرز زعيما له مصداقية يمكن ان يحظى بشعبية كبيرة في الشارع. وربما تحاول جماعات أخرى تقديم قيادات بديلة في داخل سوريا وخارجها.
وقال حكم البابا الكاتب السوري البارز لرويترز ان المجلس الوطني لم يضم الجميع وان هناك اعتراضات مختلفة حول الاعضاء لكن رغم ذلك تشكل مجلس بعد شهور من الخلاف حول الاسماء بينما كان النظام يقتل 20 سوريا يوميا.
وأضاف البابا وهو من الشخصيات السورية المعارضة ويعيش في الخليج أن الهدف الرئيسي الان هو مخاطبة المجتمع الدولي. وقال انه يعتقد ان المجلس يمكنه القيام بهذه المهمة كما أنه فتح الباب أمام باقي المعارضة للانضمام.
كما ان المعارضة السورية ما زالت بعيدة عن تشكيل جبهة مماثلة للتي شكلتها في الماضي جماعات عراقية معارضة شنت حملة للاطاحة بالرئيس الراحل صدام حسين وكانت على صلة جيدة بالغرب خاصة واشنطن.
وقالت شخصية معارضة ليست في المجلس الوطني ان الاسلاميين يحصلون على تمثيل زائد في المجلس الجديد.
وقال ثامر الجهماني وهو محام بارز من درعا لجأ الى الاردن في الشهر الماضي بعد اغتيال نشط اخر ان المجلس الوطني أصبحت له صبغة اسلامية في الوقت الذي نحتاج فيه الى أن نطمئن أكثر كل الاقليات والمجموعات العرقية على مستقبلها في سوريا ما بعد الاسد.
ومن بين 70 اسما أعلن في المجلس الذي يضم 140 عضوا الشيخ أنس عيروط وهو رجل دين قام بدور بارز في الاحتجاجات بمدينة بانياس والشيخ مطيع البطين وبشار الحراكي من مدينة درعا وهما أعضاء في تيار اسلامي جديد معارض للتفسيرات المتشددة للاسلام ويؤيدون حكما مدنيا.
وقال الحراكي انه احتسب على الاسلاميين لمجرد أنه يصلي وله لحية خفيفة. وأضاف أنه حتى مع اتباع هذه الطريقة في تحديد الفئات داخل المجلس فان الاسلاميين لا يمثلون سوى اكثر قليلا من الربع في المجلس حاليا.
وقال اعلان أصدره المجلس ان هدفه يتوافق مع مطالب "اسقاط النظام" التي يرددها الاف المحتجين أسبوعيا منذ اندلاع الاضطرابات في مارس اذار. وتقول الاممالمتحدة ان 2600 شخص قتلوا في الحملة القمعية التي يشنها الاسد على الاحتجاجات.
وقالت متحدثة باسم المجلس الوطني انه في حين يعارض الاعضاء التدخل العسكري الاجنبي فانهم يؤيدون الحماية الدولية للمدنيين.
وناشدت مجموعة تشكلت حديثا من شخصيات سورية في المجتمع المدني وهي هيئة التنسيق الوطنية المحتحين في الشوارع يوم الاحد الابقاء على الطبيعة السلمية للانتفاضة رغم تزايد القتل وقالت ان أي دعوة لحمل السلاح من الممكن أن تؤدي لظهور شبح الصراع الطائفي.
وقال بيان أصدرته الهيئة بعد اجتماع استغرق يومين قرب دمشق ان المزيد من قتل المحتجين العزل يذكي استفزازات طائفية لكن المتظاهرين يجب ان يقاوموا الاغراء الذي يمثله حمل السلاح.
ودعت دول غربية كثفت العقوبات على الاسد ودائرته المقربة المعارضة الى الوحدة لكنها لا تظهر رغبة في التدخل بشكل مماثل لحملة القصف الجوي التي يقوم بها حلف شمال الاطلسي في ليبيا للاطاحة بالزعيم السابق معمر القذافي.
وقال المجلس الوطني السوري ان من الضروري تجنب فراغ السلطة خلال أي فترة انتقالية للديمقراطية. وأضاف أنه لابد من حماية حقوق الاقليات الى جانب الطبيعة السلمية للانتفاضة السورية.
وهناك أيضا شخصيات علمانية مثل اليساري خالد الحاج صالح وأستاذة علوم سياسية مثل نجيب غضبان ووائل ميرزا ونشطاء في مجال حقوق الانسان مثل عمار القربي الى جانب 50 اسما لم تعلن بعد من نشطاء القاعدة الشعبية داخل سوريا.
وقال متحدث باسم لجان التنسيق المحلية وهي من الجماعات العلمانية ان المجلس لا يعتبر مجلسا وطنيا لانه لا يمثل الجميع.
وقال دبلوماسيون تابعوا اجتماع اسطنبول ان المحادثات أجريت للحصول على مباركة لاعلان دمشق الذي وقعت عليه مجموعة من زعماء المعارضة مثل رياض الترك المعارض البارز الذي أمضى 25 عاما كسجين سياسي وعضو البرلمان السابق رياض سيف.
ولاعلان دمشق سلطة معنوية على المحتجين لكن الاطراف الموقعة لم تقم بدور كبير في المظاهرات.
ويقول دبلوماسيون ان من الشخصيات الاخرى التي يرغب المجلس الوطني في اشراكها برهان غليون وهو أستاذ جامعي مقيم في فرنسا التقى بمجموعة اسطنبول في قطر هذا الشهر لكنه اختار عدم الانضمام.
وقال أحد الدبلوماسيين "المعارضة تمر بمنحدر حاد للتعلم وعليها اثبات أنها مهمة كمجلس. يجب ألا ننسى انه بعد ستة أشهر لم تتفق بعد على مجموعة من المبادئ حول ما يجب القيام به.. ولا حتى بيان موحد."
وأضاف الدبلوماسي "أعتقد أن مجموعة اسطنبول شعرت بضغط الشارع وقالت ان علينا أن نقوم بخطوة ما وأن نشكل مجلسا حتى اذا لم يكن الجميع متفقين."
وأخفقت جهود سابقة قام بها هيثم المالح وهو قاض سابق أمضى نحو 10 سنوات في السجن لتشكيل حكومة ظل بعد أن قتلت قوات الامن 15 محتجا قرب المكان الذي كان من المقرر أن يعقد فيه مؤتمره في سوريا وألقت السلطات القبض على اثنين من شخصيات المعارضة البارزة.
كما تسعى جماعات معارضة أخرى منها واحدة بزعامة القيادي الكردي مشعل تمو وكتلة وطنية بقيادة حسن عبد العظيم الى تشكيل ما يطلق عليه "التجمع الوطني". وشكل نشطاء من ناحية أخرى مجلس قيادة الثورة وعضويته مسألة شبه سرية.
وقال الجهماني انه اذا تمكنت شخصيات الداخل من تشكيل تجمع وطني فان المؤتمر الخارجي يجب ان ينضم له.
وقال لؤي حسين وهو من الشخصيات العلمانية المعارضة ان أي تجمع يحتاج الى ان يحصل على الدعم من "الاغلبية الصامتة" التي قال انها تتطلع للديمقراطية لكنها تخشى الفوضى المحتملة في حالة سقوط الاسد.
وأطلق حسين في الاسبوع الماضي مبادرة تقترح سحب الجيش والشبيحة الموالين للاسد من الشوارع والافراج عن السجناء السياسيين والغاء القوانين القمعية والحصانة القانونية التي يتمتع بها الجهاز الامني في مواجهة الجرائم التي يرتكبها مقابل دخول المعارضة في محادثات مع السلطات لاتخاذ اجراءات محددة للانتقال الى الديمقراطية.
وقال حسين ان السلطات ليست مستعدة للاستماع لاحد وانها صمت اذانها وانها ماضية في الحل الامني. وأضاف أن المعارضة ما زالت تحتاج الى التوصل الى توافق حول كيفية الانتقال من النظام الشمولي الحالي الى الدولة الديمقراطية.