ميسون أبو الحسن - تصوير: ياسمين عليوة - محمد لطفي مونتاج : حسام زيدان عاشوا طفولتهم بين المعديات ذهبًا وإيابًا، وبين نقص الخدمات داخل الجزيرة من مدارس ومستشفيات وأماكن للتنزه، ربما لم يحلموا بأكثر مما عاشوا فيه، فقط تمنوا أن يعيشوا في سلام، بعيدًا عن تخوفاتهم الدائمة من هدم منازلهم، التي تجدد بين الحين والآخر. أوقات لهوهم بسيطة، تتلخص بين السباحة في قنوات المياه الصغيرة بين الأراضي والمساحات الخضراء، وبين التنزه بالحمار داخل الغيطان والأراضي الزراعية، أو ربما ركوب المعديات يوميًا، لملئ المياه من البر الثاني، حتى يستطيعوا أن يأكلوا ويشربوا، فلا مياه داخل منازلهم ولا صرف صحي. يعيش أطفال جزيرة الوراق بين حياتين لا يفصلهما سوى الماء فقط، حياة الريف البسيطة، التي تحوي منازلهم الصغيرة، وحياة الحضر والمدينة، التي يصبحون مجبرين على التعايش فيها كل يوم حتى ولو ساعات قليلة، فلا مدارس داخل الجزيرة ولا مستشفيات، ولا حتى أسواق للخضار أو محال لبيع الملابس والمستلزمات. قصة البر والبر الآخر: شرد أحد الأطفال بذهنه وألقى بعينيه الصغيرتين تجاه البر الثاني من المياه، قائلًا: "كان بالنسبة لنا البر الآخر من الشاطئ حياة لا نعلم عنها أي شئ، ربما كان المجهول، وعندما كبرنا واجهنا الحقيقة، وهي أننا كبرنا قبل أواننا، وأصبح يجب علينا العبور للبر الآخر من أجل قضاء احتياجاتنا". ربما ليس كافيًا أن تعيش داخل جزيرة الوراق، رغم جمال مساحاتها الخضراء، وريفها البسيط الذي يقبع في وسط المدينة، إلا أن شبح العزلة يطارد الأطفال قبل الكبار داخلها، خاصة وأنها تفتقر لكل المقومات الأساسية. ورد طفل آخر: "كنت أظن هذه المعدية شبحًا عندما كنت صغيرًا، وعندما كبرت قليلًا، أصبحت لا أخاف منها، ولكني أخاف مما وراءها، الشط الآخر للمدينة، عندما أتوجه للمدرسة كل يوم، لا أعلم أشخاصا هناك سوى مدرستي الصغيرة، ولا أعلم لو توقفت المدية في ذات مرة، كيف لي أن أعود لمنزلي". عندما تسقط هذه الكلمات داخل أذنيك، تعتقد أن تتلقى أطراف الحديث من شاب بالغ، وليس طفلًا لم يتعد عمره 13 عامًا، أفقدته ظروف الحياة الصعبة داخل الجزيرة طفولته. أطفال وشباب جزيرة الوراق يتحدون صعوبة الحياة: لم تمنعهم صعوبة الحياة من الوصول لمرادهم، حيث قال يحيى المغربي - رئيس مجلس محلي أسبق بالجزيرة، إن الكثير من أطفال الجزيرة، خريجو كليات الطب والهندسة وكليات القمة، على الرغم من صعوبة الانتقال منها وإليها، إلا أن صعوبة الحياة في الجزيرة لم تنعهم من التفوق النجاح. ولم يمنعهم فقر الحياة داخل الجزيرة من الاستمتاع، فعندما تتجول داخلها، ترى الأطفال هنا وهناك، داخل الزراعات وداخل قنوات المياه الصغيرة في الأراضي، يعلو ضحكاتهم، غير مكترثين بتلك الهموم.