لوهلة تسرح عين المارة في الشارع بها، فتارة تضحك، وتارة تبكي، وتارة تتوه في دنياها وأخرى تفيق على سماع صوت من يرأفون بها، ويعطونها "اللي فيه النصيب" وتتلقاه وهي عاجزة عن رفضه، مسترجعة ذكريات أيامها الخوالي، حيث منزلها وتجارتها وحلو ما عاشته قبل انتكاسة حياتها. عيدة عبد الله عجوز في عهدها الثامن من حي بولاق تراها جالسة على رصيف مسجد في منطقة الإسعاف تمد يدها لطلب المساعدة ولكنها تترفع بين الحين والآخر في أخذ تلك المعونة قائلة لنفسها "ليه يازمن خلتني اعيش اليوم ده". وبين الوهلة والآخرى تُتمتم "عيدة"، بأشياء لا يفهمها أحدُ غيرها وتُشير إلى أصابعها، كما تحاول أن تستوقف كل من يمر لكي يسمع حديثها.
وتروي "عيدة" ما تتذكره من حياتها ومعاناتها ل"الفجر"، وتقول: "جميع من يمر أمامي يعتقد أني مجنونة وشحاتةوهم لايعرفون أني كنت امتلك بيتًا ومحل لبيع الفاكهة وكنت أعول أسرتي وهم أختي وبناتها فأنا لم أتزوج بسبب مرضي وهو تآكل في الرئتين". وأضافت: "بعد الثورة كل شئ تبخر منزلي تم حرقه بجميع ما فيه حتى أوراق علاجي، وبعدها أصبح سكني هو الشارع بعد موت أختي، ومنذ ذاك الوقت وأنا جليسة هذا المكان أتردد بينه وبين المستشفى عندما يقتضي الأمر ويشتد بي وجع المرض". "الدكاترة منهم لله" بدموع منهمرة بتلك الكلمات، أكملت حديثها عن رحلتها المرضية وحجزها في مستشفى الصدرالتي لم تُغير من حالتها بل "زاد الطين بلة"، فتسبب في سوء حالتها النفسية، وشعورها بأنها وحيدة ضعيفة بدون آناسًا تقف معها، خاصة وأن طاقم التمريض لا يعتني بها كثيرًا لعدة أسباب واتضح ذلك في خروجها من المستشفي وهي بين الحياة والموت. وتستكمل حديثها بقولها إن "الجوع" أصعب ما يتعرض له الإنسان كثيرًا وهو ما حدث ومر بها أولاد شقيقتها، حيث حالة الغلاء ورغيف الخبز "أبو جنيه" حالة أخرى تجعلها تسأل نفسها لماذا حتى الآن هي تعيش تلك الحياة وهي شبه ميتة!