أمين الفتوى: لا توبة لسارق الكهرباء إلا برد الأموال حتى لو متوفى (فيديو)    تفاصيل مقابلة محافظ المنيا مع رئيس الطائفة الإنجيلية    القوات المسلحة: نتعاون مع أجهزة الدولة لتنفيذ المبادرة الرئاسية "بداية"    تعرف على شروط الانضمام للتحالف الوطنى    ارتفاع أسعار الذهب عالميًا مع بدء التيسير النقدي في الولايات المتحدة    الزراعة والبيئة يتابعان منظومة جمع وتدوير قش الأرز ومكافحة السحابة السوداء بالشرقية    السفير التركي: القاهرة وأنقرة يتبنيان مواقف مشتركة من الأوضاع في ليبيا    فيضانات أوروبا: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 23 في مدينة فروتسواف البولندية    إيران وبوركينا فاسو توقعان وثيقة تعاون فى مجال الطاقة النووية السلمية    دوري أبطال أوروبا، بنفيكا يتقدم على سرفينا زفيزدا 0/2 بالشوط الأول    محمد شريف: اللاعب في الأهلي لا يمكن أن يعيش حياة طبيعية    الطب الشرعي يفحص جثة مسن توفي أثناء مشاجرة بكرداسة    23 أكتوبر، نظر طعون المدارس الدولية على قرار إضافة اللغة العربية والتاريخ للمجموع    حالة الطقس غدًا الجمعة 20-9-2024 بوادي النطرون    رئيس المعاهد الأزهرية يعلن أبرز التعديلات بالمواد الدراسية للمرحلة الثانوية    الصحة تعلق على تزايد استقبال المستشفيات لمصابين بنزلات معوية بمحافظة أسوان.. ماذا قالت؟    مهرجان الإسكندرية المسرحي الدولي يعلن أسماء المكرمين في حفلة افتتاح دورته ال14    ورشة للمخرج علي بدرخان بالدورة ال40 لمهرجان الإسكندرية السينمائى    فيلم "إكس مراتي" يحافظ على مركزه الثاني في شباك التذاكر    أمين الفتوى يوضح الحكم الشرعي في تلحين آيات القرآن الكريم -(فيديو)    نائب محافظ شمال سيناء يتفقد فرع التأمين الصحي في العريش    خدمة إلكترونية جديدة لدعم توافر الأدوية بالصيدليات العامة.. (تفاصيل)    الكشف على 1629 مواطنا خلال قافلة طبية بقرية بويط بالبحيرة (صور)    التأمين الصحي يفحص 500 ألف طالب وطالبة بالمرحلة الابتدائية ببني سويف    استشهاد وإصابة 7 فلسطينيين جراء اقتحام قوات الاحتلال لجنين بالضفة    أول رد فعل من ناصر عبدالرحمن بشأن صورته المتداولة مع صلاح التيجاني    تزايد الضغط للدعوة إلى انتخابات مبكرة في أيرلندا عقب ارتفاع شعبية رئيس الوزراء    أمين الفتوى: المرأة الناجحة توازن بين عملها والتزامات بيتها    حكايات| شنوان.. تحارب البطالة ب «المطرقة والسكين»    مرصد الأزهر يحذر من ظاهرة «التغني بالقرآن»: موجة مسيئة    الدكتورة رشا شرف أمينًا عامًا لصندوق تطوير التعليم بجامعة حلوان    جوارديولا يحسم الجدل حول الذهاب إلى الدوري الإيطالي    جيش الاحتلال: مقتل ضابط وجندى فى استهداف بصاروخ مضاد للدروع على الحدود مع لبنان    "مجلس حقوق الإنسان": المجتمع الدولى لا يبذل جهودا لوقف إطلاق النار فى غزة    مركز الأزهر للفتوى: نحذر من نشر الشذوذ الجنسى بالمحتويات الترفيهية للأطفال    حبيبتي | مادونا | يرقة | نية | بين البينين تنافس بخمسة أفلام قصيرة بمهرجان طرابلس للأفلام بلبنان    رسميا.. موعد صرف معاشات أكتوبر 2024 وطريقة الاستعلام    محافظ بني سويف: إزالة 272 حالة بحملات المرحلة الثالثة من الموجة ال23    بينها التمريض.. الحد الأدنى للقبول بالكليات والمعاهد لشهادة معاهد 2024    التغذية السليمة: أساس الصحة والعافية    محاكمة القرن.. مانشستر سيتي مهدد بالطرد من جميع مسابقات كرة القدم    «المركزي» يصدر تعليمات جديدة للحوكمة والرقابة الداخلية في البنوك    من هن مرضعات النبي صلى الله عليه وسلم وإِخوته في الرَّضاع وحواضنه؟ الأزهر للفتوى يجيب    اختتام الدورة ال 36 من معرض صحاري الدولي للزراعة    توقعات برج الحمل غدًا الجمعة 20 سبتمبر 2024.. نصيحة لتجنب المشكلات العاطفية    "الموت قريب ومش عايزين نوصله لرفعت".. حسين الشحات يعلق على أزمتي فتوح والشيبي    القسام تُعلن تفجير واستهداف 3 ناقلات جند إسرائيلية في رفح    بنك إنجلترا يبقى على الفائدة عند 5 %    وزير التعليم العالي: لدينا 100 جامعة في مصر بفضل الدعم غير المحدود من القيادة السياسية    "ناجحة على النت وراسبة في ملفات المدرسة".. مأساة "سندس" مع نتيجة الثانوية العامة بسوهاج- فيديو وصور    "بداية جديدة".. تعاون بين 3 وزارات لتوفير حضانات بقرى «حياة كريمة»    أبرز تصريحات الشاب خالد ف«بيت السعد»    مركز الأزهر: اجتزاء الكلمات من سياقها لتحويل معناها افتراء وتدليس    إخماد حريق نتيجة انفجار أسطوانة غاز داخل مصنع فى العياط    دوري أبطال أوروبا.. برشلونة ضيفا على موناكو وآرسنال يواجه أتالانتا    «الأمر صعب ومحتاج شغل كتير».. تعليق مثير من شوبير على تأجيل الأهلي صفقة الأجنبي الخامس    مأساة عروس بحر البقر.. "نورهان" "لبست الكفن ليلة الحنة"    الزمالك يتحرك للتخلص من هذا اللاعب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تفسير الشعراوي للآية 131 من سورة النساء
نشر في الفجر يوم 14 - 05 - 2017

{وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا (131)}.
وسبحانه هو الذي يُرضي الزوج إن افترق عن زوجته، ويرضي الزوجة إذا افترقت عن زوجها؛ لأنه- جل وعلا- خلق الدنيا التي لن تضيق بمطلوب الرجل أو المرأة بعد الانفصال بالطلاق، فله ملك السموات والأرض وهو القادر على أن يرزق الرجل امرأة هي خير ممن فارق، ويرزق المرأة رجلا هو خير ممن فارقت، فلا شيء خرج عن ملك الله وهو الواسع العطاء.
إننا كثيراً ما نجد رجلاً كان يتزوج امرأة ولا تلد ويشاع عنها أنها عقيم، ويذهب الإثنان إلى معامل التحليل، ويقال أحياناً: المرأة هي السبب في عدم النسل، أو: الرجل هو السبب في عدم النسل، ويفترق الاثنان ويتزوج كل منهما بآخر، فتلد المرأة من الزوج الجديد، ويولد للرجل من الزوجة الجديدة؛ لأن المسألة كلها مرادات الله، وليست أمور الحياة مجرد اكتمال أسباب تُفرض على الله بل هو المسبب دائماً فهو القائل: {لِلَّهِ مُلْكُ السماوات والأرض يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ الذكور أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} [الشورى: 49-50].
كم صورة إذن عندنا لمثل هذا الموقف؟. يهب لمن يشاء إناثا، ويهب لمن يشاء الذكور، أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً، ويجعل من يشاء عقيماً، هي بأربعة مقادير تجري على الرجل والمرأة. وعندما يهب الله المؤمنَ الإناثَ يكون سعيداً. وكذلك عندما يهبه الذكور، وعندما يهب الله لأسرة أبناء من الذكور فقط. فالزوجة تحن أن يكون لها ابنة. وإن وهب الحق لأسرة ذرّية مِن الإناث فقط، فالمرأة والرجل يتمنيان الابن، وإن أعطاهما الله الذكور والإناث نجدهما قد وصلا إلى الحالة التي تقر بها العيون عادة. والحالة التي تقر به العيون عادة مؤخرة.
إن الحالة التي تزهد النفس فيها فالحق يقربها إلى أوليات الهبة، فقال أولاً: {يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ}، وبعد ذلك: {يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَاثاً} ثم ذكر عطاء الذكور، ثم يأتي بالحالة التي يكون العطاء فيها في القمة: {أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً}.
وأخيراً يأتي بالقَدَر الرابع الذي يجريه على بعض خلقه وهو: {وَيَجْعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيماً}.
ولماذا يُسر الإنسان بقدرِ الله حينما يهبه الله الإناث أو الذكور، ويزداد السرور بقدر الله حينما يهبه سبحانه الذكور والإناث. ولماذا لا تُسر إذن أيها الإنسان بقدر الله حينما يجعلك عقيماً؟ أتعتقد أنك تأخذ القدر الذي تهواه، وترد القدر الذي ليس على هواك؟ إن المواقف الأربعة هي قَدَر من الله.
ولو نظر الإنسان إلى كل أمر من الأمور الأربعة لرضي بها.
أنّه سبحانه يخلق ما يشاء عقيماً، إن قالها الإنسان باستقبال مطمئن لقدر الله فالله قد يقر عينه كما أقر عيون الآخرين بالإناث أو بالذكور، أو بالذكور والإناث معًا.
وأقسم لكم لو أن إنساناً- أو زوجين- أخذا قدر الله في العقم كما أخذاه في غيره من المواقف السابقة برضا إلا رزقهم بأناس يخدمونهم، وقد ربَّاهم غيرهم، والذي يجعل الأزواج المفتقدين للإنجاب يعيشون في ضيق، هو أنهم في حياتهم ساخطون على قدر الله- والعياذ بالله- فيجعل الله حياتهم سخطاً. فهو القائل في حديثه القدسي: عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال النبيّ- صلى الله عليه وسلم-: يقول الله تعالى: (أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ، ذكرته في ملأ خير منهم، وإن تقرّب إليّ بشبر تقربت إليه ذراعاً، وإن تقرّب إليّ ذراعا، تقربت إليه باعا وإن أتاني يمشي، أتيته هرولة).
إذن فالحق سبحانه وتعالى يقول: {وَللَّهِ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض} فإياك أن تقول كون الله سيضيق عن رزق الرجل المفارق لزوجته أو المرأة المفارقة لزوجها من عطاء الله لهما فما دام سبحانه قد قرر الفراق كحل لعدم توافق في حياتهما معاً.. فهو سبحانه سيعطي عن سعة للزوج وعن سعة للزوجة. وعليك أيها المسلم أن تطيع منهج الحق كما أطاع كل ما في السموات وكل ما في الأرض، ثم اسأل نفسك هذا السؤال: مَن يقضي مصالحك كلها؟.
إنه الحق سبحانه الذي سخر أشياء ليست في طوق قدرتك، أأرغمت الشمس أن تشرق لك بالضوء والحرارة؟. أأرغمت الماء أن يتبخر وينزل مطراً نقيًّا؟
أأرغمت الريح أن تهب؟ أضربت الأرض لتقول لها: غذّي ما أضعه فيك من بذر بالعناصر اللازمة له والمحتاج إليها لينتج النبات؟. كل هذا ليس في طوق إرادتك بل هو مسخر لك بأمر الله. وإن أردت الاستقامة في أمرك، لكنت كالمسخر فيما جعل الله لك فيه اختيار ولقلت لله: أنا أحب منهجك يا رب وما يطلبه مني سأنفذه قدر استطاعتي. فتكون بقلبك وقالبك مع أوامر المنهج ونواهيه، فينسجم ويتوافق الكون معك كما انسجم الكون المسخر المقهور المسير.
{وَللَّهِ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض}، وهذا تذكير بأن كل شيء مملوك لله وفي طاعته، فلا تشذ أيها الخليفة لله عن الكون، فكل ما فيه يخدمك. ولتسأل نفسك: أتعيش في ضوء منهج الله أم لا؟ لأن الكون قد انسجم وهو مسخر لله، ولم يحدث أي خلل في القوانين الكلية، وسبحانه القائل: {والسمآء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الميزان أَلاَّ تَطْغَوْاْ فِي الميزان وَأَقِيمُواْ الوزن بالقسط وَلاَ تُخْسِرُواْ الميزان} [الرحمن: 7-9].
وهذا إيضاح من الحق تبارك وتعالى: إن أردتم أن تستقيم لكم أموركم الاختيارية فانظروا إلى الكون، فالأشياء المسخرة لا يحدث منها خلل على الإطلاق، ولكن الخلل إنما يأتي من اختيارات الإنسان لِغير منهج الله.
{وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الذين أُوتُواْ الكتاب مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتقوا الله} يوضح سبحانه: لقد وصينا الذين أنزلنا إليهم المنهج من قبلكم، ووصيناكم أنتم أهل الأمة الخاتمة أن التزموا المنهج بالأوامر والنواهي؛ لتجعلوا اختياراتكم خاضعة لمرادات الله منكم حتى تكونوا منسجمين كالكون الذي تعيشون فيه، ويصبح كل شيء يسير منتظماً في حياتكم، ولم يقل الحق هذه القضية للمسلمين فقط لكنها قضية كونية عامة جاء بها كل رسول: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الذين أُوتُواْ الكتاب مِن قَبْلِكُمْ}.
ولم يقل: شرعنا للذين أوتوا الكتاب من قبلكم، ولم يقل: فرضنا، إنما قال: (ولقد وصينا). وكلمة (وصية) تشعر المتلقي لها بحب الموصي للموصَى. {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الذين أُوتُواْ الكتاب مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتقوا الله} وتقوى الله تعني أن نفعل أوامر الله وأن نتجنب نواهيه؛ لنحكم حركة اختياراتنا بمنهج ربنا، فإن حكمنا حركة اختياراتنا بمنهج الله صرنا مع الكون كأننا مسخرون لقضايا المصلحة والخير.
ومن بعد ذلك يقول الحق: {وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ للَّهِ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض وَكَانَ الله غَنِيّاً حَمِيداً} ومقابل الكفر هو الإيمان، ومن يخرج عن الإيمان فالله غني عنه، فلا تعتقدوا أيها المخاطبون بمنهج الله أنني أستميلكم إلى الإيمان لأني في حاجة إلى إيمانكم، لا، لكني أريد منكم فقط أن تكونوا مجتمعاً سليماً، مجتمعاً سعيداً، وإن تكفروا فسيظل الملك كله لله، وستظل حتى- ولو كنت متمرداً- في قبضة مرادات ربك. فلن تتحكم في مولد أو في ممات أو في مقدورات. فالكون ثابت وسليم. وجاء القرآن باللفت إلى انتظام الكون يقول الحق: {أَفَلَمْ ينظروا إِلَى السمآء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ والأرض مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ تَبْصِرَةً وذكرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ وَنَزَّلْنَا مِنَ السمآء مَآءً مُّبَارَكاً فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الحصيد والنخل بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ رِّزْقاً لِّلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً كَذَلِكَ الخروج} [ق: 6-11].
وفي لحظة من اللحظات يأمر الحق كوناً من كونه فيختل نظامه فترى الأرض المستقرة وقد تزلزلت، والتي قال عنها سبحانه: {وألقى فِي الأرض رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ} [النحل: 15].
وسبحانه هو الذي يملكها فيجعلها تضطرب ويُحدث في موقع منها زلزالاً، فتندثر المباني التي عليه حتى تفهم أن الدنيا ليست محكومة حكماً ألياً، بل محكومة بالأسباب، وزمامها مازال في قيومية المسبب، ونلتفت مرة إلى بعض من الزوابع من التراب وهي تغلق المجال الجوي كله بحيث لا يستطيع واحد أن ينظر من خلاله، وهذا لفت من الله لنا يوضح: لقد صنعت هذه القوانين بقدرتي، ولن تخرج هذه القوانين عن طلاقة قدرتي.
ونرى بلاداً تحيا على أمطار دائمة تغذي الأرض، فنجد الخضرة تكسو الجبال ولا نجد شبراً واحداً دون خصوبة أو خضرة أو شجر، وقد يظن ظان أن هذه المسألة أمر آلي، ويأتي الحق ليجري على هذه المنطقة قدر الجفاف فيمنع المطر وتصير الأرض الخصبة إلى جدب، وتنفق وتهلك الماشية ويموت البشر عطشاً، وذلك ليلفتنا الحق إلى أن المسألة غير آلية ولكنها مرادات مُريد.
وفي موقع آخر من الكرة الأرضية نجد أرضاً منبسطة هادئة يعلوها جبل جميل، وفجأة تتحول قمة الجبل إلى فوهة بركان تلقي الحمم وتقذف بالنّار وتجري الناس لتنقذ نفسها، ولذلك علينا أن نعرف أن عقل العاقل إنما يتجلى في أن يختار مراداته بما يتفق مع مرادات الله، وعلى سبيل المثال.. لم يؤت العقل البشري القدرة الذاتية على التنبؤ بالزلازل، لكن الحمار يملك هذه القدرة.
{وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ للَّهِ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض وَكَانَ الله غَنِيّاً حَمِيداً} وصدر الآية بالمقولة نفسها: {وَللَّهِ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض} وذلك لتثبيت وتأكيد ضرورة الطاعة لمنهج الله حتى ينسجم الإنسان مع الكون، وتجيء المقولة مرة ثانية في الآية نفسها ليثبت الحق أنه غنيّ، ولا تقل إن المقولة تكررت أكثر من مرة في الآية الواحدة، ولكن قل: إن الحق جاء بها في صدر الآية لتثبت المعنى، وجاءت في ذيل الآية لتثبت معنى آخر، فسبحانه هو الغني عن العباد: {وَقُلِ الحق مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29].
ومجيء {وَللَّهِ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض} لإثبات حيثية أن يطيع العبد خالقه. ومجيء {وَللَّهِ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض} في ذيل الآية لإثبات حيثية غنى الله عن كل العباد. والمقولة نفسها تأتي في الآية التالية حيث يقول سبحانه: {وَللَّهِ مَا فِي السماوات...}.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.