8 مليارات دولار حجم الاستثمارات المصرية بشمال إفريقيا فقط دفعت مصر طوال عقدين من الزمان ثمن تجاهل نظام مبارك لدول القارة السمراء، إبان محاولة الاغتيال الفاشلة التى تعرض لها، فى العاصمة الإثيوبية «أديس أبابا» عام 1995، وهذا ما استثمرته الكيانات الاقتصادية العملاقة لتقتحم أدغال إفريقيا، ولعل إسرائيل أهم الدول التى نجحت فى ذلك. وتخطت الاستثمارات الإسرائيلية فى الكونغو عام 2000 حوالى ال800 مليون دولار، وفى أنجولا حوالى 790 مليون دولار، كما أنشأت شركة لتقديم الاستشارات الفنية لدول القارة، بإجمالى استثمارات تخطى 6.3 مليون دولار، وتعتبر استثماراتها فى سد النهضة الإثيوبى خير دليل على سيطرتها الاقتصادية فى إفريقيا والتى أثرت بشكل مباشر على المصريين. وبعد رحيل مبارك فى 2011، حاولت مصر تدارك ما انفرط منها فى إفريقيا، فنظمت العديد من المؤتمرات الاقتصادية، وسعت لتوطيد العلاقات الدبلوماسية من جديد، وستحتضن مدينة شرم الشيخ، مطلع الأسبوع المقبل، منتدى الاستثمار فى إفريقيا «كوميسا»، والذى سيركز على الاستفادة القصوى من فرص الاستثمار لدى القطاع الخاص وليس الحكومات. وتتركز الاستثمارات المصرية فى إفريقيا على دول شمال القارة، وحجمها 8 مليارات دولار، وتنحصر أغلبها فى قطاع التشييد ومواد البناء، ثم الصناعات الكيماوية، دون التوجه لإنشاء استثمارات مصرية ضخمة هناك. وتبقى تجربة شركة رجل الأعمال المصرى أحمد هيكل، كأفضل شركة استثمار مباشر فى إفريقيا، هى الأنجح على الإطلاق، وتعانى دول القارة الإفريقية العديد من المشكلات، حيث ينقصها تكوين أجهزة قوية لضمان مخاطر الصادرات، وحماية الاستثمارات، واستكمال شبكة الطرق، التى تربط شمال القارة بجنوبها، وشرقها بغربها. ومن ناحية أخرى، تتمتع تلك الدول الإفريقية بالعديد من المميزات، التى تشجع على الاستثمار، وهو ما أكده لنا مجموعة من رجال الأعمال المصريين، الذين خاضوا تجاربهم الخاصة، ونقلوا لنا حكاياتهم الاستثمارية هناك. ويقول رجل الأعمال علاء السقطى عضو الاتحاد المصرى لجمعيات المستثمرين، والذى يملك مصنعين فى إثيوبيا، بدأت الاستثمار هناك منذ 5 سنوات، وشاركت فى وضع قانون الاستثمار الإثيوبى، بعدما دعتنى الحكومة الإثيوبية رفقة مجموعة من المستثمرين؛ لإبداء آرائنا وملاحظاتنا على القانون، الذى خرج فى 7 ورقات فقط، مشددًا على أنه كلما كان القانون بسيطًا، موضحًا لحقوق المستثمر وواجباته، كلما منح فرصة أكبر فى التحرك وتشجيع الاستثمارات. وتطرق "السقطي" إلى نص القانون الإثيوبى، الذى يلزم المستثمر بوضع مبلغ مالى بالدولار فى أحد بنوك إثيوبيا؛ لضمان جدية الاستثمار، وهو ما كان يطبق أيضًا عند إدخال الخامات الخام إلى إثيوبيا، لاستخدامها فى التصنيع، وعليه يمكن إعفاء المصنع من الجمارك تماما؛ لضمان عدم بيع تلك الخامات الخام فى السوق، ولذلك كان يشترط فتح اعتماد بتاريخ معين للخامة، موضحًا: عندما حدثت أزمة الدولار، صدر قرار من الحكومة هناك يسمح بإدخال المواد الخام، وهذه إحدى الطرق التى طبقتها الحكومة الإثيوبية لجذب الاستثمارات الأجنبية من خلال تبسيط الإجراءات. وأبرز «السقطى» مساعى الحكومة الإثيوبية لتذليل جميع العقبات أمام المستثمرين، فمقابلة مسئولى الحكومة أسهل شىء هناك، ما داموا تأكدوا من هويتك كمستثمر أجنبى، فعندما واجهنا مشكلة فى الجمارك، بعدما أخطأنا فى مواصفات فاتورة، كان من الطبيعى أن ترفضها الجمارك، فقابلت وزير الصناعة الإثيوبى، وكتبت تعهدًا أقررت فيه بأن هناك خطأ معينا فى المواصفات، وأن الأمر لن يتكرر مرة أخرى، فما كان من الوزير سوى استيعاب الأمر وتفعيل روح القانون لإعلاء مصلحة بلده، ولتشجيعى على الاستثمار. وأوضح «السقطى»، أن إثيوبيا آمنت بأن الحرب ضد الفساد لن تنتهى، وفطنت إلى أن البيروقراطية تقتل الاستثمار، لذلك تقوم الدولة بزيادة وتشديد الرقابة وعدم التفريط فى حقوق الدولة فى الوقت الذى تقوم فيه بتبسيط الإجراءات. بينما يكشف المهندس فتح الله فوزى - رئيس جمعية التشييد والبناء - عن تجربته الناجحة للاستثمار فى السودان، ففى عام 2005 كان لديه مشروع للاستثمار العقارى هناك، وكان سعر الدولار يساوى 2 جنيه سودانى، أما الآن وصل إلى 9 جنيهات، مؤكدًا أن الأمر كله يتوقف على قدرة رجل الأعمال فى تأمين العملة الأجنبية، وسماح الدولة لتسعير المنتج بالدولار، لتحقيق الربح للمستثمرين. أما أحمد عبدالحميد - عضو المجلس التصديرى لمواد البناء- فيقول: إن المصدرين يتعايشون مع مشكلة طول الطرق إلى موانئ شرق و غرب إفريقيا ذات العدد القليل، والإمكانيات الضعيفة، فى ظل عدم وجود خطوط ملاحية لتلك الموانئ، ما يستغرق وقتا طويلا، فيمكن أن تصل المركب التى تحمل المواد التصديرية فى فترة تتراوح مابين شهر أو شهر ونصف الشهر، ما يعرض عملية تحويل الأموال إلى قدر كبير من المخاطرة. ويروى شريف الجبلى - رئيس غرفة الصناعات الكيماوية باتحاد الصناعات، أن المصدرين إلى إفريقيا يعانون من ضرورة التأمين على الصادرات، حيث يضطرون إلى دعوة شركات خارجية؛ لتوفير الضمانات الكافية. ويقول على عيسى - رئيس المجلس التصديرى للحاصلات الزراعية، إن صادرات المواد الزراعية تكاد تكون مستحيلة، أو ضعيفة جدًا، فلايوجد خطوط شحن مباشرة للدول الإفريقية، والخطوط الأخرى تأخذ وقتًا طويلاً، وبتكلفة عالية جدًا، ما يؤدى إلى تلف المحاصيل، فمثلاً حتى نقوم بالتصدير إلى غرب إفريقيا علينا أن نذهب لأوروبا أولاً، لذلك فمعظم صادرات الحاصلات الزراعية تذهب إلى شرق إفريقيا فقط.