كتبت سفيرة الولاياتالمتحدة السابقة في هنغاريا إيليني كونالاكيس، مقالاً في صحيفة نيويورك تايمز، قالت فيه إن التحديات التي تواجه أوروبا جراء أكبر أزمة لجوء منذ الحرب العالمية الثانية، قد بدأت لتوها، وسيبقى نموذج كيفية إساءة الحكومة الهنغارية، واعتقالها وملاحقتها لأولئك اللاجئين، ومعظمهم جاءوا من سوريا، ولكن أيضاً من أفغانستان وشمال أفريقيا، عامل قلق لكامل الدول الأوروبية. بحسب "24" وتقول كونالاكيس "من أجل فهم السبب الكامن من وراء تلك المواقف الهنغارية الأخيرة، قد يفيد معرفة شيء ما عن زعيمها القوي، رئيس الوزراء فيكتور أوربان، فقد وصل أوربان إلى السلطة قبل خمس سنوات في انتخابات تشريعية، فاز خلالها بأكثر من ثلثي مقاعد البرلمان، وكنت وقتها سفيرة للولايات المتحدة في هنغاريا، وشهدت السنوات الأولى مما سمي ثورة الثلثين، كما شهدت وزملائي الديبلوماسيين كيف أقر أوربان وحزبه فيديز، 700 قانوناً جديداً، وأجرى تعديلاً للدستور، إذ أعيد صياغة جميع القوانين التي تحكم جميع المؤسسات ووسائل الإعلام والمحاكم والجامعات والحكومة المحلية، والمؤسسات الدينية، وتمت معظم تلك التعديلات بسرعة كبيرة، وبمشاركة ضعيفة أو معدومة من أحزاب المعارضة أو من قبل المجتمع المدني". تراجع ديموقراطي وتضيف الكاتبة "كانت الولاياتالمتحدة أول دولة أعربت عن قلقها حيال عملية الإصلاح الجذرية التي أضعفت استقلالية المؤسسات الديموقراطية الهنغارية، وركزت السلطة في أيدي قلة من الأشخاص، وقضت على إجراءات رقابية وتوازنات هامة، وفي عام 2012، حذرت وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك، هيلاري كلينتون، هنغاريا من التراجع الديموقراطي". وتتابع كونالاكيس "زاد أوربان الطين بلة عندما ألقى في الصيف الماضي خطبة صرح خلالها بأن نموذج الديموقراطية الليبرالية الأوربية الطراز قد فشل، وعوضاً عنه قال إن هنغاريا ستتبع ديمقراطية غير ليبرالية، مستشهداً بروسيا وتركيا كنماذج رائدة، وخلال خطابه تخلى أوربان عن أي تظاهر باحترام المبادئ الأساسية للديموقراطية الغربية الطراز، وعندما زرت بودابيست في يونيو، سألت سفير هنغاريا لدى النمسا بشأن اقتراح حكومته بناء سور على طول حدودها مع صربيا، فأجابني بحزم سيبنى السور، ولكوني معتادة على الطريقة الصارمة التي يتبعها أعضاء حزب فيديز عند حديثهم في شؤون سياسية، فهمت أن ما يقرره أوربان ينفذ على الفور". استعداد مبكر وتبدي الكاتبة دهشتها من الاستعداد المبكر الذي أبداه أوربان حيال موجة اللاجئين، إذ قبل ثلاثة أشهر، رفعت الحكومة شعارات من غرار "إن أتيتم إلى هنغاريا، لن تأخذوا وظائف المجريين"، ونظراً لكون جميع اللوحات الإعلانية كتبت باللغة المجرية، فقد كان واضحاً أن الرسالة لم توجه للمهاجرين، بل للمجريين، فقد وضع أوربان أسس تأليب مشاعر الشعب الهنغاري ضد من أفترض أنهم سارقوا وظائفهم. ورغم ذلك، وعند وصول حشود من اللاجئين اليائسين إلى محطة قطار كيليتي، حضر عدد كبير من المجريين لتقديم المساعدة، حاملين الأغذية والماء والملابس، وتجمع الآلاف أمام مبنى البرلمان مطالبين بمزيد من التعامل الإنساني مع القادمين الجدد، ولكن بمرور الأيام، لم تتحرك السلطات، ووقف العالم يراقب مذهولاً، فيما حاول رجال الشرطة اتباع أسلوب الخداع، أو إجبار لاجئين على دخول معسكرات، أنشأ بعضها في مناطق معزولة في الريف. قليل من الجلبة وأخيراً، وبقليل من الجلبة، ظهرت ليلة الجمعة الأخيرة، حافلات هنغارية عند محطة كيليتي، لنقل مهاجرين، قرروا عدم التعاون مع السلطات، إلى النمسا. ولكن تتساءل كونالاكيس "خلال كل تلك المأساة التي رافقت اللاجئين، إن كانت هنغاريا غير راغبة بهم، فلماذا اعتقلتهم؟ ولماذا لم تسمح لهم بالتوجه إلى ألمانيا، التي وعدت باستقبال 800 ألف من طالبي اللجوء؟". وتوضح الكاتبة "اختبأ أوربان خلف بروتوكولات الاتحاد الأوروبي، والتي تقضي بأن تمنح الدول الأعضاء حق اللجوء لمن يصل إليها أولاً، لكن الحقيقة أن أوربان لم يكن يرغب بإبعاد أولئك اللاجئين عن هنغاريا وحسب، بل لإبعادهم عن أوروبا، فإن لم تنفع الأسلاك الشائكة، قد يفيد الاعتقال والترهيب". وكتب أوربان مقالة نشرت في مجلة فرانكفورتر آليجيمين زيتونغ الألمانية، قال فيها "يجب أن لا ننسى أن أولئك الذين وصلوا نشأوا في ظل ديانة أخرى، ويمثلون ثقافة مختلفة كلية، وإن معظمهم ليسوا مسيحيين، بل مسلمين". وتابع "ألا يدعو إلى القلق أن أوروبا المسيحية باتت عاجزة عن المحافظة على أوربا مسيحية؟ إن لم نراع هذه الحقيقة، فإن المسيحيين في أوروبا سيصبحون عما قريب أقلية". انتشار فكرة وتقول كونالاكيس "إن كان أسلوب أوربان في التعامل مع أزمة اللاجئين إلى أوروبا محدودة بكيفية معالجته للوضع في بلده، لربما هان الأمر، لكن مما يدعو للقلق احتمال أن تحصد آراؤه السياسية أرضية خصبة في غير مكان من أوروبا". وتختم رأيها "يتركز السؤال الآن فيما سيكون عليه موقف زعماء أوروبا، فهل سيعملون معاً، ومن خلال بنية الاتحاد الأوروبي لوضع جملة من المبادئ، ولأن يتصرفوا بشكل فعال ومتماسك في مواجهة أزمة إنسانية وسياسية تدق أبواب قارتهم؟".